الأديب الساخر الذي تجاهله النقاد.. أنيس إبراهيم والحراسة في أرض الديس
كعاشقٍ للبراري، يعيش الأديب أنيس إبراهيم، و.. هكذا يكتب أيضاً، عند هذا (العشق).. تضيع الفواصل بين الواقع والمجاز، سواء جاء ذلك بالكتابة التي اتخذت مجالاً لها، السرد القصصي، أو الحياة التي كان مجالها (مجدلون البستان) في ريف صافيتا، دون أن يتوسل هذا الكاتب مسؤولي المنابر الإعلامية، أو توسل أضواء العاصمة، أو المدينة.
أنيس إبراهيم، الذي لا يزال يردد إن إحدى الجرائد المحلية، كانت ذات يوم المحرّض له للدخول إلى عتبات الكتابة، لكن بهدوء ودون جلبة، أو تعجل، ثم كانت هذه الكتابة اللافتة، في السرد الساخر، التي لم يمنع انتشارها (متساخرون ومسخرجيون) فرضوا أنفسهم ذات حين بائس من عمر الثقافة السورية، وذلك بقوة الاتكاء على نتاج شيخ الساخرين في سورية، وأقصد الكاتب الراحل حسيب كيالي..! من مكانه القصي إذن.. من مكانه القصي والهادئ، من مجدلون البستان، من ذلك المكان الأقرب والألصق لنفسه، من هنا حيث استطاب العيش.. اغترف أنيس إبراهيم أغلب موضوعاته، ذلك لأنه بقي المكان- الصخرة الأولى الذي كان عليه أن ينطحها، أو يرفعها إلى أعلى كما سيزيف، ولعلّ المكان المحلي الضيق، هو النواة التي يدور حولها العالم في رؤيا الكاتب، من هذا المكان قدم صاحب (أرض الديس) ما يُقارب نصف (دستة) من المجموعات القصصية، التي لبست فساتين السخرية، وذلك دون أن تتقصد ذلك، وإنما جاء الأمر من نوافح روحٍ استظلت أغصان التهكم – ربما- لتستطيع التكيف مع قسوة العيش، بأقل ما يمكن من الخسائر، تماماً كمن يعيش في أرض الديس، أو يقوم باستصلاحها، فلابد من بعض الأشواك، في سبيل الوصول إلى الأرض الخصبة التي تنتج الأشجار المثمرة. و..في حقول أنيس إبراهيم أنبتت مجموعاتٍ قصصية يغلب عليها الهميّن الإنساني والقومي، توزعت على عددٍ من المجموعات، بدأت بمجموعة (التفاحة) التي صدرت عام 1984 ثم مجموعة (أرض الديس) الصادرة كسابقتها عن مطابع وزارة الثقافة عام ،1993 وقد رصد القاص في المجموعتين السابقتين الفترة الانتقالية التي شهدها المجتمع السوري في المرحلة الفاصلة بين الإقطاعية والبرجوازية، تلا المجموعتين السالفتي الذكر مجموعتا (الجمار، ولعبة لغة) ثم مجموعتي (النورس الأبيض والغول للأطفال) ومسرحية (عصفور) التي صدرت عن مؤسسة ثقافة الطفل العربي في الإمارات العربية المتحدة، وقد فازت بجائزة زايد بن سلطان آل نهيان الأولى لعام 2000 وهنا لابد من الإشارة إلى أن القاص أنيس ابراهيم نال عدة جوائز محلية إضافة إلى جائزة الطفل العربي (الشارقة) لعام 2004.
ويبقى السؤال بعد قراءة ما أبدعته مخيلة أنيس إبراهيم الفطرية عن أسباب غياب قاصٍّ كهذا عن الساحة الأدبية رغم أنه نال عدداً لايستهان به من الجوائز واستطاع أن يحفر عميقاً في الواقع العربي المتأزم والمهان. لعبة شعرية و.. هو في كل ذلك كان يشتغل على (لعبة لغة) كما سمى إحدى مجموعاته القصصية، و.. لأنه كان (يلعب) جاء سرده بكل هذا الصدق الفني، من خلال نصٍّ يأخذ بتلابيب القارئ، الذي لا يستطيع الفكاك منه، دون أن يُقيم هذه العلاقات الحميمية مع نص أنيس إبراهيم، الذي لابد أن يجد المتعة من إبداعِ فني، دون إهمال وظائف اجتماعية يجعلها تقع على عاتق هذا النص..! هكذا و.. بلغة شعرية أخاذة ومستعيناً من أجل إيصال فكرته بالطبيعة البكر، يدعونا القاص أنيس إبراهيم إلى القرى المنسية، التي تمثل رغم صغرها العالم الكبير، ليطرح مقولته السرمدية التي تقول : أيها الحمقى توقفوا عن نشر الخراب والدمار في هذا العالم، أيها الأشرار لن تفلحوا في تخريب الأوطان، فطائر الفينيق يتخذ تشكلات متنوعة، ذلك أن ثمة شاعراً موجوداً في غابة أو وراء أجمة يخط قصة الفينيق الذي احترق، لأنه تجاوز الحدود المسموح بها، و..لذلك فأنتم الخاسرون أبداً لأنني فينيقي حي، وأنتم، بسبب شروركم التي شوهت الحياة، أموات. و..لعل هذا أكثر ما نكتشفه في مجموعته (جمار). بقي أن نذكر أن القاص أنيس إبراهيم من الكتاب القلائل الذين أخلصوا للقصة القصيرة، حتى اشتهروا وتميزوا بها، و.. قدموا من خلالها جلّ نتاجهم الإبداعي، و.. هو أيضاً من مواليد مجدلون البستان – صافيتا 1948. عمل مدرساً في ثانويات ومدارس صافيتا وطرطوس. نشر قصصه الأولى في الصحف والمجلات السورية. وهو عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب.