بعد أن فقد بهجته لدى المواطنين..
عيد الأضحى يستقبل مستهلكيه بارتفاع في الأسعار وشحّ في السلع
في الأيام القليلة المقبلة نحن على موعد مع عيد الأضحى، أي أن الأيام الحالية هي موسم هذا العيد.. وبحكم العادة يجب أن تشهد أسواقنا حركة لافتة لتلبية احتياجات العيد. ولكن المراقب لحركة الأسواق يجد فتوراً كبيراً ساد معظم عمليات العرض والطلب، سواء الألبسة أو الأحذية وحتى الطعام.
الشيء الصادم في حقيقة الأمر أن أسعار معظم السلع لم تعرف الاستقرار، بل أخذت بالتصاعد يوماً بعد يوم، ولا نعلم ما هي المبررات.. في حين نجد في الوقت نفسه جملة كبيرة من المبررات قد يسردها التاجر أو البائع. وهنا يتعرض المستمع للحيرة، فهل تعدّ مبررات منطقية لبلوغ الأسعار ما بلغت من الارتفاع؟ أم أن هناك استغلالاً وتسلقاً على هذه المبررات لرفع الأسعار؟
عيد الأضحى الذي يصادف أيضاً اقتراب فصل الشتاء، أي أن الأيام المقبلة، يجب أن تكون موسمين لا موسماً واحداً، ولكن وفق ما لاحظناه أن الكثير من المواطنين، وخاصة العاطلين عن العمل وذوي الدخل (المهدود)، لم يتذكروا أن العيد مقبل خلال الأيام القليلة القادمة.
وهنا نسأل لماذا: هل هذا ناتج عن ارتفاع أسعار السلع، أم أنه نتيجة الظروف الاستثنائية التي تمر على وطننا؟
الجواب وفق أحد المواطنين كان ب(كلا الأمرين)! ولكن الهم الوطني هو الأكبر، لأنه مرتبط بالأمن والأمان، وعودة الحياة طبيعية إلى ما كانت عليه سابقاً.
المواطن أشار إلى انه لا يوجد عيد حقيقي يمكن الشعور به إلا بعد أن تخرج سورية من أزمتها، فكيف يمكن للأطفال أن يشعروا بالعيد وهم لا يشعرون بالأمان، وكيف للفقير أن يشعر بالعيد وهو جائع؟
الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى غائب في حقيقة الأمر بالنسبة إليّ (الحديث للمواطن)، ولكن بالنسبة إلى أطفالي سيقتصر عيدهم على شراء بعض الألعاب والألبسة الشتوية الجديدة.
وعن الأسعار قال المواطن: الأسعار لا ترحم، الغلاء الفاحش طال الألبسة الشتوية وحتى الأحذية، فالحذاء الولادي يبدأ سعره من 500 ليرة لينتهي إلى أكثر من 1500 ليرة. أما (الرجالي) فهو بحدود هذا السعر ويضاهيه أيضاً. أما الألبسة (الولادية) فأيضاً مرتفعة الأسعار فطقم (ب ب) بلغ سعره 1500 ليرة، وبنطال (الجينز البناتي) بلغ 700 ليرة، وهذه الأسعار ليست بأسعار المحلات التجارية، بل هي أسعار الأسواق الشعبية والبسطات..! لأني لا أجرؤ في حقيقة الأمر على الدخول إلى محل تجاري بدمشق لشراء حاجيات العيد منه بعد ما رأيت ارتفاع الأسعار الذي طال بضائع البسطات.
أما ما يتعلق بالحلويات فهي ملغاة من القائمة، كذلك الأمر بالنسبة للمكسرات، واقتصرت على شراء القهوة فقط.
وأكد المواطن أن معظم السلع في السوق مرتفعة دون استثناء، وطالب بإيجاد حد لشطط الأسعار، والبحث بكل جدية عن آلية لتلبية احتياجات المواطنين من المواد الأساسية، بحيث تتدخل مؤسسات الدولة لوقف نزيف الجيوب.
رئيس جمعية حماية المستهلك:
أسواقنا بعيدة عن وصفها بأسواق عيد
التقت (النور) رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها عدنان دخاخني، فأكد أن الحركة في الأسواق بالنسبة لموسم عيد الأضحى ضعيفة جداً، مشيراً إلى أن الأسواق الحالية لا تعد أسواق عيد، بل بعيدة جداً عن هذا الوصف، وذلك نتيجة الظروف الراهنة التي تمر على القطر، والتي أثرت على مختلف مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار دخاخني إلى أن دخول معظم المواطنين، مثل الموظف والعامل والحرفي انخفضت كثيراً، ومن المعروف أن هذه الشريحة هي التي تقوم بتحريك الأسواق، وهي في الوقت نفسه الأكثر تأثراً من بقية الشرائح.
كما لابد من التنبيه إلى أن هناك كثيراً من المواطنين فقدوا أعمالهم، مما جعل استهلاكهم يقتصر على المواد الأساسية، ألا وهي الغذاء والدواء فقط، دون النظر إلى الحاجيات الأخرى من لباس أو ما شابه.. وبالطبع هذا أثر أيضاً على حركة الأسواق.
وأوضح رئيس جمعية حماية المستهلك أنه توجد حركة في الأسواق، ولكن ليس كما كانت سابقاً، فعمليات الشراء تقتصر فقط على الألبسة الشتوية، أي أن الشراء يتم لموسم الشتاء لا لموسم العيد في حقيقة الأمر.
وبالنسبة لارتفاع أسعار السلع أوضح دخاخني، أنه كلما تحرك الدولار قليلاً وثبت الأسعار بسرعة. فبعض السلع ارتفعت بنسبة70%، وهناك سلع ارتفعت 100% وأكثر.. فالوضع الاقتصادي غير مستقر مع وجود ضعف في العرض، وذلك نتيجة توقف الكثير من المعامل عن عملية الإنتاج، نتيجة الظروف الحالية التي أدت في كثير من الأحيان إلى عدم قدرة اليد العاملة على الوصول إلى المعامل. وبالتالي انخفض الإنتاج وفقدت المواد من الأسواق. كما نجد أن أغلبية المعامل في ظل الظروف الراهنة اعتمدت على المخزون الموجود لديها والمصنّع سابقاً، ولكن هذا المخزون أخذ بالنفاد أيضاً.. ولمسنا ذلك في الأسواق التي شحّت بالألبسة أو المواد الغذائية.
كما لا بد من التنبيه إلى أن هناك بعض المستغلين ممن يتحكمون بحاجة المستهلك، فيقومون برفع الأسعار.. وأؤكد أن من يشتر اليوم سلعة ما فهو يحتاجها بالفعل، لأنه لن يعرض نفسه لارتفاع الأسعار مع ضعف دخله.
حبة الفول أصبحت بليرة وتزيد..
وأشار دخاخني إلى أن المستهلك يُستهلك مع غياب الجهات المعنية المسؤولة عن رقابة الأسواق وحماية المستهلك، فالأسعار ارتفعت ارتفاعاً عشوائياً دون حسيب أو رقيب.. مشيراً إلى أن المواد الغذائية الشعبية أصبحت أسعارها تعادل أسعار اللحوم. فمثلاً أصبح سعر حبة الفول الواحدة أكثر من ليرة سورية، عدا أجور النقل التي أخذت تأكل حصة كبيرة من دخول المواطنين.
وخلص دخاخني إلى أن الجشع موجود مع جمود في الدخول ومع فقدان للكثير من الوظائف، مناشداً ضمائر معظم الحلقات التجارية، أن ترأف بظروف البلاد وبحاجة المواطن. وطلب دخاخني التعاون من جميع الأطراف، كما طلب من مؤسسات التدخل الإيجابي العمل بسرعة لطرح المواد بشتى أنواعها في السوق وبوفرة لتتراجع الأسعار وتستقر.
تاجر: شح في العرض.. والمعامل تستعمل
مخزونها المنتج سابقاً لتوقف معظمها
بالمقابل أوضح أحد التجار أن أسعار الألبسة شهدت ارتفاعات كبيرة في الآونة الأخيرة، نتيجة عدة أسباب، منها عدم وجود إنتاج في الكثير من المحافظات السورية وخاصة محافظة حلب. إضافة إلى ارتفاع أجور النقل بين المحافظات، الذي انعكس على أسعار الألبسة وغيرها. إذ إن الشحن الجوي مرتفع التكاليف، وكذلك الشحن عن طريق مكاتب الشحن التي أصبحت تتقاضى مبالغ طائلة على أحجام قليلة من البضائع، وذلك نتيجة توتر الأوضاع الأمنية على الطرقات بين المحافظات.
وأوضح التاجر أن من الأسباب أيضاً عدم قدرة العاملين على الوصول إلى المعامل، وارتفاع أجرة اليد العاملة، وشح البضائع في السوق، وخاصة دمشق.. فمراكز البيع بالجملة مثل سوق الصوف والحريقة وغيرها أصبحت فقيرة جداً بالأصناف التي كانت موجودة سابقاً. فمثلاً ارتفعت أسعار (دزينة البنطال الرجالي الداخلي) 1000 ليرة عما كانت عليه في العام الماضي. وارتفع سعر (بنطال الجينز) ليصبح ب550 ليرة بالجملة، ويختلف السعر أيضاً حسب نوعه. وارتفعت أسعار ألبسة الأطفال فغدت تتراوح ما بين 1500 و3000 ليرة. وارتفعت أسعار الألبسة النسائية بشتى أنواعها، مع تأكيد عدم وجود بضائع تلبي أذواق المستهلكين وظروفهم الاقتصادية.
وأشار البائع إلى أن معظم البضائع الموجودة في السوق مصنعة من العام السابق، أي أنها مخزنة ضمن المستودعات، فلا يوجد إنتاج جديد من البضائع ضمن الأسواق إلا الشيء القليل.
وعن حركة السوق قبل العيد قال التاجر: لا يوجد حركة، المستهلك يأتي ويطلب سلعته، فإما أن يجدها بسعر مرتفع أو لا يجدها، ولا يقبل بالبديل لأنه مرتفع السعر أيضاً. كما أن أغلبية التجار أصبحت تخاف المغامرة في وضع رأسمال كبير في محلاتها، لأن مبلغ 100 ألف ليرة على سبيل المثال أصبح يشتري الشيء القليل من البضائع، في حين كان سابقاً يلبي حاجة المحل التجاري ويزيد. لذا فالتاجر أصبح يحتاج إلى رأسمال كبير في ظل ضعف القدرة الشرائية لليرة السورية. لكي يستطيع أن يأتي بالبضائع ويضعها في محله التجاري. وهو لن يقوم بذلك لأن طلب المستهلك قليل، وبالتالي فهو سيعرض نفسه للخسائر، لذا يجد أن تبقى بيده سيولة أفضل من أن يحولها إلى بضائع.
وختم التاجر قائلاً: في حقيقة الأمر العيد غائب عن ذهن المستهلك في وقتنا، نتيجة الأوضاع الحالية، فتفكيره انحصر في عودة الأمان إلى وطنه وتأمين لقمة عيشه لا أكثر، أما الألبسة أو الأعياد فلم يعد يفكر بها كثيراً.