السيد وزير العدل.. لماذا تبقى قضايا فلاحية في طرطوس أكثر من عشر سنوات دون حل؟!

الفلاحون عبر التاريخ هم الشريحة الأكثر تعرضاً للظلم والإجحاف بين جميع طبقات المجتمع،  إذ إن العمل بالنسبة للفلاح لا يختلف عن العبودية في أيام الإقطاع، من استعباد له ولأسرته. وحتى تعدى الأمر فصار يعمل في بيوت الإقطاعيين أيضاً. لكن مع كل الجهد الشاق وفي ظروف غير إنسانية في العمل كان الفلاح في نهاية الأمر يخرج خالي اليدين، بل ومديناً للإقطاعي بمبلغ يجبره على العمل لديه سنة أخرى، ليفي دينه، وهكذا تجري السنوات بالنسبة إليه.

بقي هذا الوضع قائماً في الكثير من البلدان التي كان النظام السياسي فيها بيد الطبقة الإقطاعية الرجعية، لأن الفلاح لم يختلف الوضع معه أكانت الدولة غنية أم فقيرة، فهو تحت خط الفقر ومهدد هو وأسرته بالمجاعة. إلى أن تغيّر هذا الحال تغيّراً جذرياً للفلاحين في العالم عامة وروسيا خاصة بعد ثورة 1917 فكان أول وأعظم إنجاز فيما يتعلق بالفلاح وعلاقته بالأرض وأعني هنا قانون الأرض.

وفي سورية لم يكن الوضع مختلفاً عما كان عليه في بقية بلدان العالم، ومعاناة الفلاح السوري مع الباشوات والآغوات لم تختلف عن معاناة الفلاح في أي مكان آخر. إلى أن صدر أعظم إنجاز للدولة السورية فيما يتعلق بالفلاح، عندما صدر قانون الإصلاح الزراعي الذي كان من أهم الخطوات التقدمية في بلدنا، وكان أهم خطوة على طريق تحرير الفلاح السوري من نير الاستعباد.

ومن أهم نتائج الإصلاح الزراعي على الصعيد السياسي الاكتفاء الذاتي، وتأمين السلة الغذائية لسورية. أما على الصعيد الاجتماعي، فكان التطور الكبير في الريف من تخفيض نسبة الأمية وزيادة استثمار الأراضي البعلية وتأمين فرص عمل لشريحة واسعة من الفلاحين بعيدة عن ظروف العبودية التي كانت سائدة!

كانت أشد ضربة للزراعة في سورية مؤخراً رفع أسعار المحروقات والأسمدة بنسبة كبيرة، ولم تعوّض شيئاً يذكر الزيادة التي قدمتها الدولة في سعر المنتج. إذ استفاد من ذلك فقط كبار المزارعين.. وأما الفلاح المتوسط والصغير فقد تضررا ضرراً كبيراً، مما تسبب في انخفاض الإنتاج.. ثم جاءت الظروف الأخيرة لتزيد الوضع سوءاً، مما تسبب في عدم حصول الفلاح على الدعم الكافي. وأُجلت الديون المستحقة لفترة من الزمن مع فائدة كبيرة نسبياً، ولم يحصل الفلاح على إعفاء من الديون التي يستحقها إلاّ بعد أن أدرك المسؤولون أن ذلك سيؤثر على استقرار الدولة، فعمدت الحكومة إلى الإعفاءات المتكررة للفوائد.. ثم جاء مرسوم السيد الرئيس القاضي بجدولة الديون، ليشجع الفلاح على الاستمرار في استثمار الأرض.. ولكن على ما يبدو فإن للقضاء في طرطوس كلمة وكلمات متعددة أخّرت الاستفادة من مراسيم العفو وجدولة الديون كما هو الحال في جمعيات فلاحية عديدة منها جمعية الشيخ بدر والهيشة والحورة والجباب التي سنخصّها بوافر الدراسة.

وإذا كانت الأرض هي الهوية الفعلية للدولة التي ترخص من أجلها الأرواح، والتي لا يمكن التنازل عن ذرة منها، فإن الفلاح هو اللبنة الأساسية للحفاظ على هذه الأرض، وبالتالي الحفاظ على الدولة. وبما أن اليد المنتجة والمعطاءة والخيرة هي التي نستمد منها نسغ الحياة، فمن الواجب على الحكومة الالتفات إلى هذه اليد بكثير من الاحترام والتقدير وتقديس الجباه السمر التي سقت هذه الأرض عرقاً وتعباً، فأنبتت لنا من كل الثمرات رزقاً. وانطلاقاً من هذا فإن من الواجب على الجهات الرسمية في الدولة تقديم كل ما من شأنه ضمان استقرار الفلاح نفسياً ومادياً، كي يبقى هذا الفلاح قادراً على بذل كل طاقاته في سبيل زيادة الإنتاج وتقديم كل التسهيلات له من قروض وأسمدة وأعلاف وبذار، والبت في الإشكالات القانونية والقضائية بأسرع وقت ممكن!

أما أن تبقى عدّة قضايا مالية بين بعض الجمعيات الفلاحية، ومنها جمعية الجباب التابعة لمنطقة الدريكيش والرابطة الفلاحية في الدريكيش سنوات عديدة، وأن يبقى الفلاح في تلك القرى التابعة للجمعية المذكورة متأرجحاً بين الرابطة الفلاحية والجمعية والمحكمة بطرطوس والمحامين، فهذا ما لقي استهجان كل الفلاحين في قرية الجباب والقرى التابعة لها الذين التقيناهم واستمعنا إلى آرائهم، ولكن دعونا نتعرف على المشكلة من وجهة نظر رئيس الرابطة الفلاحية في الدريكيش السيد عزت أحمد:

المشكلة بيننا وبين رئيس جمعية الجباب السابق سعيد علي محمد، عمرها نحو عشر سنوات، وهي مشكلة مالية بحتة، وهناك دعوى بيننا وبينه في المحكمة. فقد ادعى هو على محاسب الرابطة ورئيس الرابطة.. وقمنا أيضاً برفع دعوى، ووكلنا محامياً لذلك، وزودناه بكل الوثائق التي تثبت كلامنا بحق رئيس الجمعية المذكور. ولهذا شُكلت أكثر من لجنة واستقدمنا أكثر من خبرة (خبرة أحادية وثنائية وثلاثية)، وبقي هؤلاء في الرابطة أكثر من شهر، فدققوا جميع الأمور المالية بيننا وبين رئيس الجمعية المذكور، وتأكدوا من كل السندات والإشعارات والثبوتيات.. ولكن للأسف لم نحصل منهم على جواب، لأنهم حسب ادعائهم قدموا النتيجة للمحكمة التي بقيت حتى الآن عاجزة عن إصدار قرار بهذا الخصوص!

إدعاء رئيس الجمعية هو مجرد كلام دون أي إثبات، وكما هو معلوم فإن الأمور المالية تخضع للثبوتيات والسجلات والأرقام.. ونتيجة التدقيق والخبرات التي زارتنا هنا في مقر الرابطة، تبين أن رئيس الجمعية المذكور لا يملك وثيقة واحدة تثبت ادعاءه. ولكن الشيء الذي يدعو للاستغراب ولوضع عدة علامات استفهام هو عجز القضاء في طرطوس بعد كل هذه السنوات عن إصدار حكم ينصف المظلوم. شيء آخر أود الحديث عنه هو عدم قدرة محاسب الرابطة على القيام بأعماله فيما يتعلق بجدولة القروض، بعد صدور مرسوم من السيد الرئيس بهذا الخصوص، لأن رئيس الجمعية المذكور ما زال حتى الآن يحتفظ ببعض السندات، إضافة إلى احتفاظه بأسطوانات الغاز، مما يزيد في معاناة الفلاح في تلك القرى التابعة للجمعية.

وبما أن رئيس الجمعية المذكورة كان يقوم بدور المحاسب، فقد كان يقوم بتحصيل الأقساط والديون من الأعضاء بإيصالات خاصة به، علماً أنه حصل على قروض بأسماء من أعضاء الجمعية، لكنهم لم يستفيدوا منها، بل هو من استفاد.. ولدينا وصل يثبت ذلك بخط يده، وقد قدمناه من ضمن الثبوتيات. قسم من هذه الأموال التي حصل عليها، سواء أكانت ديوناً أم أقساط لم يقم بتسديدها للمصرف الزراعي. فبقي الفلاح مديناً ولم يستطع الحصول على براءة ذمة من المصرف في حال احتاج إليها! قسم من الأعضاء الفلاحين راجعونا للحصول على براءة ذمة، ومعهم إيصالات قبض، وعندما أرسلناهم إلى المصرف الزراعي، تبين أن رئيس الجمعية لم يسدّد تلك الأقساط، ولم يتمكنوا من الحصول على براءة الذمة حتى الآن.. علماً أنهم كما ذكرت حصلوا على إيصال من رئيس الجمعية المذكورة، وهناك عشرات الحالات المشابهة!

ومادمنا نملك الثبوتيات التي تؤكد مصداقية كلامنا، فكل ما نأمله من المحكمة الإسراع في حسم هذا الخلاف، وتحميل رئيس الجمعية فوائد التأخير وغرامات التأخير، بدلاً من أن يتحمّلها الفلاح المسكين! لقد طالب محاسب الرابطة رئيس الجمعية المذكور ببعض السجلات التي ما زالت بحوزته، لكنه لم يستجب إلى ذلك، بذريعة أن هناك دعوى قضائية. بعد أن حل مجلس الإدارة وسحبت عضويته، سُمّي  أحد أعضاء الرابطة مديراً للجمعية المذكورة لتسيير أمورها، ويقوم حالياً بتأمين بعض مستلزمات الإخوة الفلاحين، ولكن الجمعية بحاجة ماسّة إلى مجلس إدارة لتسيير أمورها لكي يحصل الفلاح على ما يستحق.

السيد يوسف إبراهيم، محاسب رابطة الفلاحين في الدريكيش، تحدث عن هذه المشكلة وأكد أن رئيس الجمعية السابق المدعو سعيد علي محمد قام بارتكابات وتجاوزات فيما يتعلق بالقروض القصيرة كانت سبباً فيما وصل إليه. وأضاف أن لديه كل الثبوتيات والوثائق التي تؤكد كلامه. وقد زوّد محامي الرابطة بها وحمّل مسؤولية التأخير والبت في هذه القضية للقضاء في طرطوس الذي يماطل ويماطل دون أي وجه حق، والفلاح هو الذي يدفع الثمن! فمثلاً لم نتمكن من جدولة القروض التي صدر مؤخراً مرسوم من السيد الرئيس لجدولتها، فهناك إشكالات بين رئيس الجمعية المذكور، وبين المصرف الزراعي، إذ يوجد بعض الأشخاص بريئي الذمة بالنسبة لرئيس الجمعية الذي لم يسدد، ما دفعوه له إلى المصرف ليكونوا أيضاً بريئي الذمة لدى المصرف الزراعي في الدريكيش! أتمنى من الجهات القضائية في طرطوس الإسراع في وضع حد لهذه المهزلة التي طال أمدها رأفة بالفلاح وحفاظاً على حقوقه وحقوق الدولة أيضاً.

إلى هنا تنتهي رواية الرابطة الفلاحية في الدريكيش، علماً أنهم لم يبرزوا لنا أية وثيقة تثبت كلامهم. ولكن كما هو معروف في عملنا وتعاطي جريدة (النور) مع أي قضية مطلبية، فإننا لا ننظر إليها بمنظار واحد، ولهذا اتجهنا إلى قرية الجباب والتقينا مع السيد  سعيد علي محمد، رئيس الجمعية السابق. ولكن دعونا في البداية نطلعكم على رأي رئيس اتحاد الفلاحين بطرطوس السيد محمود معيطة بهذا الشأن، إذ قال: هناك مشكلة مالية بين رئيس الجمعية الفلاحية السابق في قرية الجباب المدعو سعيد علي محمد، ورئيس رابطة الدريكيش ومحاسب الرابطة عمرها نحو عشر سنوات، وهذه المشكلة هي قيد الدراسة في القضاء، الذي بقي عاجزاً عن البت في موضوع المشكلة. علماً أن جميع الوثائق والقرائن والدلائل موجودة لدى محامي الرابطة. ولكن كما يقولون الداخل إلى القضاء مفقود والخارج منه مولود! طبعاً ليست قضية جمعية الجباب الوحيدة، فهناك في محكمة طرطوس قضية لها علاقة بجمعية الشيخ بدر، وأخرى تتعلق بجمعية الحورة، وأخرى في جمعية الهيشة وغيرها.. ولا أعلم متى ستفرج المحكمة عن هذه القضايا. لقد مللنا.. والفلاح هو المتضرر الوحيد من إطالة الوقت والمماطلة بإصدار الحكم في هذه القضايا، وأحالنا السيد محمود معيطة إلى محامي اتحاد الفلاحين الأستاذ غدير ميهوب لنتمكن من تسجيل أرقام الدعاوي المذكورة وتواريخها، لكن المذكور رفض تزويدنا بها إلا بعد حصوله على كتاب من رئيس الاتحاد، مخافة أن يفسخوا العقد معه!

أما رئيس الجمعية السابق السيد سعيد علي محمد، فتحدّث إلينا عن معاناته مع رابطة الدريكيش ومحاسب الرابطة بالقول: لقد مللت من هذا الموضوع. ودعني أسألك في البداية: إن لم يكن معي جميع الوثائق التي تثبت براءتي، فهل كنت تقدمت بدعوى قضائية؟! هم يماطلون ويماطلون ريثما يتكفل الزمن بوضع حد لهذه القضية، بعد أن يحالوا على التقاعد.. نعم خائفون من كشف المستور وفضح ارتكاباتهم قبل العام 2000 وبعده، لذلك تُفاجِئنا المحكمة كل مرة باستمهال أو اعتذار أو تريث، ولا أعلم لماذا كل هذا، مادامت المشكلة مالية لا تحتاج إلى كثير من الوقت والاجتهاد والخبرة، ومادامت الأمور المالية تنظمها الأرقام والإيصالات والثبوتيات. ثم دعني أسأل القضاء في طرطوس عن الحاجة ليتبدّل على قضيتنا أكثر من ثلاثة قضاة، وفي كل مرة تدرس القضية من جديد! نحن نملك الثبوتيات التي تحوي كل الصرفيات والمقبوضات، ولكن الخطأ هو خطأ الرابطة ومحاسب الرابطة. وقد قدّمت للمحكمة شرحاً مفصلاً بهذا الخطأ الذي وقعوا فيه أكثر من مرة.. وسأضرب لك مثالاً على ذلك: فهل من المعقول أن تتحول أمانة وضعتها برقم وتاريخ إلى دين يترتب عليّ دفعه عندما قمت بطلب هذه الأمانة عند الحاجة إليها؟!كانوا يقولون يجب أن يبنوا لك تمثالاً للجهود التي قمت بها خدمة للجمعية ولأهالي القرى التابعة لجمعيتنا، إذ قاتلنا حتى حصلنا على رخصة غاز، وحصلنا على قرار يقضي باستثمار 180 دونماً مشاعاً زرعت بأشجار الزيتون التي بدأت تنتج منذ بضع سنوات، وتدّر على الجمعية مبالغ بمئات الآلاف من الليرات السورية. نحن لا نريد أن نظلم أحداً، ولكن نتمنى ألاّ يظلمنا أحد. هناك تقرير خبرة أحادية يدين رابطة الفلاحين في الدريكيش، ويحمّل المحاسب المسؤولية. إضافة إلى ذلك هناك تقرير خبرة ثلاثية أشك في مهنيتها ومصداقيتها. الأنكى من هذا كله أنهم يطلبون الآن خبرة خماسية. أنا أقبل بتشكيل خبرة خماسية، وأقبل بأشد العقوبات إذا كنت أتحمل مسؤولية الخطأ المرتكب، ولكن خوفي من أن تطول المدة عشر سنوات أخرى.. لهذا أرجو من مقام المحكمة الإسراع بإحقاق الحق ومعاقبة المسيء كي يكون عبرة لغيره.

السيد سعيد علي محمد أظهر لنا الكثير من الثبوتيات والإيصالات التي تثبت أن هناك أخطاء وقع بها محاسب الرابطة عن قصد أو عن جهل، محملاً إيّاه المسؤولية. وطالب أن تُدرس القضية بأسرع وقت، لأنها قضية تتعلق بأرقام مالية وثبوتيات ولا تحتاج إلى مزيد من الاجتهاد وإضاعة الوقت.

من خلال ماسمعناه تبين لنا أن هناك أخطاء من الجميع، كل يحاول أن يتهرب منها ويقذفها على الخصم. وكان هناك نوع من الثقة العمياء بين رئيس الجمعية ورابطة الدريكيش.. وكانت العلاقات الشخصية والسهرات سائدة بشكل أدى إلى عدم التدقيق في العديد من القضايا المالية، التي أصبحت فيما بعد سبباً في الخلاف الحاصل. الشيء الذي يدعو للاستغراب فعلاً هو مماطلة القضاء في طرطوس كل هذه المدة، وتعاقب عدد من القضاة على القضية، ولا نعرف بالضبط ما هو مبرر كل هذه السنوات من الانتظار لتدقيق ثبوتيات وأرقام مالية واضحة. فهل يخضع القضاة لأمر ما، أم أنّ للمحامين نفوذاً آخر يؤجل النطق بالحكم في قضية ثؤثر سلباً على الفلاحين في القرى التابعة للجمعية؟! نأمل أن ترى هذه القضية النور سريعاً ويتم البت بها رحمة بالفلاحين وإحقاقاً للحق.. رحم الله من يرحم عباده!

العدد 1140 - 22/01/2025