تأثير العقوبات الاقتصادية على قطاعَي النفط والنقل البحري في سورية
العقوبات الاقتصادية الدولية هي جملة من القيود الاقتصادية المختلفة تطبّق على بعض الدول، وتهدف لإجبارها على، أو إلزامها بتغيير سياساتها القائمة. وعادة ما تستخدم القوى الكبرى هذه العقوبات سلاحاً فعالاً في تنفيذ سياساتها الدولية. ولا يمكن فصل هذه الوسيلة عن وسائل الهيمنة والتوسع التي تمارسها الدول العظمى وتُرغم بها الدولَ المُستهدَفة بالعقوبات على قبول شروط معينة دون استخدام القوة العسكرية. وأضحى استخدام العقوبات الوسيلة الأكثر نجاعةً للغرب لأنه الأوفر بشرياً، والأقل تأثيراً من حيث التداعيات السياسية الداخلية. شملت العقوبات خلال العقدين الماضين على سبيل المثال عدداً من الدول مثل كوريا الشمالية وميانمار وايران وسورية وأخيراً روسيا، وكانت أحد أهم أسباب البعيدة المدى لسقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.
عقب انطلاق الأحداث في سورية عام 2011 قام الاتحاد الأوربي في السابع والعشرين من شهر آب من العام نفسه بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية على دمشق، تبعها في الثاني من أيلول حظر على واردات النفط السوري، وفي الرابع والعشرين من الشهر نفسه حُظِرت الشركات الأوربية عن القيام باستثمارات جديدة في قطاع النفط السوري. وفي الأول من كانون الأول من العام نفسه فرض الاتحاد الأوربي عقوبات جديدة على قطاع النفط في سورية شملت شركة تسويق النفط السورية (سيترول) والشركة السورية للنفط، كما حَظرت تصدير معدات فنية وقطع غيار لصناعة النفط والغاز السورية وأنظمة التحكم ومراقبة الإنتاج، وهذه العقوبات كانت عاملاً حاسماً في تدهور قطاع النفط السوري وانهياره.
ورغم أن العقوبات الاقتصادية ليست بجديدة على السوريين وتعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنها اكتسبت زخما كبيراً لترافقها في 27 تشرين الثاني2011 مع القرار رقم 7442 الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة برئاسة قطر حينذاك، القاضي بتطبيق عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على سورية، غطت التحويلات المصرفية والقطاع الاستثماري ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري. وشكلت العقوبات الغربية-العربية قيوداً وضغوطاً كبيرة على الاقتصاد السوري من حيث تقييدها التصدير والاستيراد والتحويلات النقدية، والقطاع الاستثماري ووقف التعاملات التجارية والمصرفية، وحظر على الرحلات الجوية، واستيراد النفط السوري، وعقوبات على شركات القطاع العام والخاص، وعلى شخصيات اقتصادية وإدارية ورجال أعمال.وكان أكبر الضرر على الصعيد العربي هو مع الأردن، إذ بلغ التبادل التجاري بين البلدين قبل الأزمة 7 مليارات دولار منها 5 مليارات قيمة الصادرات السورية إلى الأردن، انخفضت بعد الأزمة إلى مادون المليار دولار.
التأثيرات السلبية الداخلية لهذه العقوبات كانت كبيرة، وأدت إلى انخفاض معدلات النمو وزيادة التضخم وتراجع سعر الصرف عدة أضعاف، وارتفاع نسبة البطالة وغيرها من النتائج. ويعد قطاع النفط والنقل البحري من أكثر القطاعات تضرراً، إذ انخفض إنتاج النفط في سورية بحسب الإحصاءات الرسمية من حوالي 380 ألف برميل يومياً، إلى أقل من 40 ألف برميل يومياً، 60 إلى 62% منها تكرّر في مصفاتي حمص وبانياس لإنتاج المشتقات النفطية للسوق المحلي.
جاء قطاع النقل البحري أيضاً من بين أكثر القطاعات تضرراً، إذ أشارت إحدى المجلات المختصة إلى أن سورية احتلت أحد المراكز الخمسة الأولى عالمياً بشراء سفن الشحن الكبيرة قبل اندلاع الأزمة السورية مباشرة، حينذاك حقق النقل البحري السوري منافسة قوية عن جيرانه بتكاليف تقل نحو 30 %. لكن فرض العقوبات لاحقاً أدى إلى وقف التعاملات المصرفية مع البنوك الغربية، بالتالي أثرت على تحويل الأجور والدفوعات ورسوم السفن المملوكة من قبل السوريين أو التي ترفع العلم السوري. ورفضت العديد من الشركات تزويد السفن السورية بالوقود أو الصيانة، إضافة إلى التعقيدات المقصودة من قبل سلطات المرافئ الأجنبية عبر المنع أو المماطلة في توفير فنيين للسفن السورية وفي قبول تبديل الطواقم. لقد أدت هذه الإجراءات إلى أن يحوّل العديد من ملاكي السفن السورية هويات هذه السفن إلى هويات أجنبية، إضافة إلى فقدان عدد كبير من البحارة المحليين لوظائفهم أو انتقالهم إلى شركات ملاحية أخرى.
نتيجة لهذا الوضع، دأبت الخارجية السورية على لسان وزير خارجيتها السيد وليد المعلم ومندوب سورية لدى الأمم المتحدة السيد بشار الجعفري مراراً على المطالبة برفع العقوبات عن سورية، باعتبارها تصيب الشعب السوري أولاً. وبقيت أحد أهم البنود التي تدرجها الحكومة السورية أمام مبعوث الأمم المتحدة في سورية السيد ستيفان دي ميستورا خلال جولاته المكوكية إلى سورية. وحتى قبول الاتحاد الأوربي تخفيف العقوبات المفروضة على سورية، تبقى العقوبات، مع الفساد والهدر في مؤسسات هذين القطاعين، خاصة في المؤسسة العامة للجيولوجيا التابعة لوزارة النفط، والمؤسسة العامة للمواصلات الطرقية التابعة لوزارة النقل، العوامل الأكثر أهمية في تدهور إنتاجية هذين القطاعين.