غياب الأجندة المهمة عن اجتماع مجلس الوزراء

لم يصدر عن اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية، ما يعكس حجم التفاؤل الذي كان متوقعاً من هذه الحكومة. وبات مساء يوم الثلاثاء، كغيره من المساءات، لا يحمل الجديد بالنسبة للمواطنين، لجهة معالجة قضاياهم، وحل بعض مشكلاتهم. مساء عادي، يتفرغ فيه الوزراء لرؤية وجوههم المبتسمة في الجلسة، عند بث خبر الجلسة تلفزيونياً، وكم ثانية ظهر الوزير الفلاني على حساب زميله. وتكشف الصور المسموح بنشرها حالة غير مشجعة لوزراء مبتسمين، مستمعين، في جلسة هادئة، فيما النص المرفق للخبر لم يتغير منذ سنوات.

هل يعقل أنه مع كل تغيير وزاري تبقى آليات العمل والاجتماعات ثابتة؟ هل يقبل رئيس مجلس الوزراء الاستمرار في الخط ذاته لسابقه الذي لم يرض الناس؟ هذه ليست متوالية حتمية، ولم نجد تفسيراً مقنعاً لهذه الاجتماعات المملة، التي لا ينتج عنها ما يفيد. نقول ذلك بالاستناد إلى مخرجات الاجتماع الأسبوعي، وما يناقشه الوزراء في جلستهم الرتيبة. وعقب أربعة اجتماعات عقدت في 12 و19 و26 تموز الماضي وفي 2 آب الجاري، يحق لنا التساؤل عن الجدوى من هذه الاجتماعات وحصيلتها؟ فالاجتماع الأول كان أقرب إلى الاجتماع التنظيمي، الذي شُكلت بموجبه مجموعات ولجان العمل، فيما كانت الجلسة الثانية زراعية، وهي الأهم حتى الآن. وخصصت الجلسة الثالثة لمناقشة آليات عمل الوزارات وتبعية بعض الجهات العامة، فيما تمخضت الجلسة الرابعة عن إلغاء بعض المجالس العليا، وبحث أوضاع بعض المجالس المشتركة.

نعتقد أن السوريين ينتظرون من اجتماع مجلس الوزراء، اتخاذ قرارات في القضايا الملحة، والجوهرية، وتمتلك أولية في المناقشة السريعة، والمعالجة الفورية. لا نتحدث هنا عن مشكلة النقل (العويصة)، بل عن أجور النقل المرتفعة، لا يهمنا التصريحات التي تتحدث عن عدم فقدان أية سلعة أو مادة لا سيما الأساسية من الأسواق، بل عن كلف هذه السلع وأسعارها. لا يهمنا تعدد الماركات للسلعة ذاتها، بقدر ضرورة التركيز على الجودة، كما لا يغرننا بيانات التجارة الخارجية، وتمويل المستوردات، بقدر التساؤل: ماذا نستورد وماذا نموّل؟ ما يهمنا في عمل وزارة المالية التخفيف من الأعباء على المنتجين، مقابل المحافظة على موارد الخزينة، وفي عمل وزارة الاقتصاد قدرتها على فتح أسواق جديدة، وتلبية احتياجات أسواقنا المحلية، أكثر من اهتمامها بإدراج المزيد من الهيئات والمؤسسات الأخرى تحت سلطتها.

وفي وزارة التجارة الداخلية، مدى قدرتها على تفعيل تدخلها الإيجابي الحقيقي، وضبط الأسواق من خلاله، وليس عدد المخالفات التموينية. نريد إصراراً من وزارة الصحة على تأمين العلاج للمرضى، وكذا من وزارة التربية بتأمين مقعد دراسي لكل طفل، وبالمسطرة ذاتها نقيس على عمل الوزارات الأخرى.

ما يهمنا في اجتماع مجلس الوزراء عدد من القضايا الاقتصادية والخدمية، التي مازالت مغيّبة. ونحن واثقون أن اجتماعاً لهذا المجلس لن يخرج سوى بالتأكيد على دعم الاستثمار وتلبية احتياجات المستثمرين، والوقوف إلى جانب المواطن، ووقف الهدر، ومحاسبة المخطئين، ومكافحة الفساد، وغيرها من العناوين الفضفاضة والبراقة. لكننا نبحث في التفاصيل، وفي المعوقات التي لا تقترب منها الجهات العامة، خوفاً أو جهلاً، بينما لمجلس الوزراء بكامل قوته الحق والجرأة في مناقشة أدق التفاصيل، وأكثرها خطورة. وربما نحتاج إلى قلب الطاولة في الاجتماع الأسبوعي للمجلس. إذ تقر الشركات العالمية الناجحة، بأهمية الاجتماع السنوي لكوادرها، لكن ما لا تعلنه هو أهمية الاجتماع اليومي لمديريها، وكذا الأسبوعي أو الشهري، هذه الاجتماعات فاعلة جداً، وتعالج الخطأ فورياً، وتصوب الانحراف عن المسار مباشرة.

وليوم الثلاثاء قصة مهمة، فقبل سنوات كانت جمعية العلوم الاقتصادية تعقد أسبوعياً ندوة غنية باختيار العناوين والمحاضرين وحضور جمهور نوعي قادر على المناقشة. والمهم في القضية أنه في صباح الأربعاء، كانت الجرائد اليومية، تخرج بعناوين نارية لمناقشات جوهرية في الندوة المذكورة، بينما خبر مجلس الوزراء يُحشر عادة في الزوايا المعتمة، رغم اجتهاد رؤساء التحرير لإبرازه، والبحث عن عناوين مقروءة فيه. لكن ندوة الثلاثاء كانت قادرة على جذب القارئ، فيما اجتماع الثلاثاء كان كفيلاً بتشجيع الناس على عدم قراءة تفاصيله. فهل يرضى الوزراء ورئيس المجلس، ألا تحظى مخرجات اجتماعهم الأسبوعي، باهتمام المواطن؟ إن عدم الاهتمام نابع من قاعدة ثابتة، وهي غياب الأجندة المهمة عن الاجتماع.

لن نحمّل المجلس فوق طاقته، ولن نطلب من الوزراء ما لا يستطيعون القيام به، ولن ندعو إلى انتشال الزير من البئر، لكننا بحاجة ماسة إلى تصويب الجهود المبعثرة. فسورية التي نهشها الفساد سابقاً، وقضت على اقتصادها الحرب الشعواء، ما زالت تملك أملاً في تجاوز محنتها، والمحافظة على ما تبقى من إمكانات مهدورة. وحتى يتحقق هذا الشيء، لابد من تلبية مطالب الناس. و الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، بما يتضمنه، وبمخرجاته، هو أحد المؤشرات المهمة.

العدد 1140 - 22/01/2025