فتح الشام المعتدلة.. مسرحية أبطالها الجولاني والظواهري.. والإخراج أمريكي

 المطالبات الروسية التي قدمتها موسكو للجانب الأمريكي منذ البدء بعملياتها العسكرية في سورية، لفصل ما تسميهم الولايات المتحدة بالمعارضة المعتدلة عن المجموعات الإرهابية، يبدو أنها اليوم أتت أكلها، وعلى مبدأ (الحق الكذاب لخلف الباب) سارت روسيا، لكي تكشف أن الهدف الأمريكي من عدم تصنيف المعارضة هو حماية أدواتها الإرهابية على الأرض من الضربات الجوية الروسية، والعمليات العسكرية للجيش السوري.

اليوم انكشف ما كانت تخفيه أمريكا من خلال مسرحية مركّبة، أبطالها أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم جبهة النصرة المدرج على لائحة الإرهاب من جهة، وهو من التنظيمات الإرهابية التي يستهدفها الطيران الروسي، وأيضاً لا يدخل ضمن نطاق الهدن المعلنة، وفي الجهة المقابلة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، الذي سمح للتنظيم بالانشقاق عنه لأسباب ظاهرها المصلحة الجهادية في سورية، والعمل من أجل فتح الشام، أما أهدافها الخفية فقد باتت واضحة للقاصي والداني، وبشكل خاص بعد تصريح الجولاني الذي أكد فيه أن التشكيل الجديد للتنظيم (فتح الشام)، لن يكون كسابقه (جبهة النصرة).

خطوة فك الارتباط التي وصفها الجولاني بأنها نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي، لم تغيّر شيئاً في الأهداف العامة للتنظيم، فقرار فك الارتباط وتغيير اسم التنظيم، حتّى وإن غسل اليد من عبء الاسم السابق وجرائمه في الأقوال، إلا أن الأعمال على الأرض والجرائم ضد الشعب السوري لا توحي بتغيير في الأفعال. بعد هذه المسرحية التي كان لأمريكا شرف إخراجها، يراود المواطن السوري وغير السوري السؤال عمّا إذا كان تصنيف التنظيم على لائحة الإرهاب سيتبع التشكيل الجديد أم أن تغيير التسمية كفيل بإزالته من هذه القائمة؟ لا بد أن الجواب واضح ولا يحتاج إلى الكثير من التفكير، ولكن فصول المسرحية لم تنته بعد، وبشكل خاص بعد أن خسر التنظيم مواقعه في الشمال السوري إثر سيطرة الجيش على حي بني زيد في حلب، المعقل الأساسي للتنظيم في الشمال وقاعدة عملياته ضد المدنيين.

إعادة هيكلة التنظيم في هذا الوقت، تشير إلى أن (جبهة النصرة)، بحلّتها الجديدة تسعى للتنصل من الضربات الجوية والعمليات العسكرية للجيش السوري، إلى أن يحين الوقت الذي تعلن فيه أمريكا ومن والاها بأن (فتح الشام) من ضمن ما تسميهم بالمعارضة المعتدلة، وبالتالي تستثنى من الهجمات الموجهة ضد المعارضة غير المعتدلة.

ظهور الجولاني للمرة الأولى كاشفاً عن وجهه، تبعه عدة إفادات عن أصله وسلوكه، فهو أحمد حسين الشرع من مواليد دمشق، وهذا الشاب الثلاثيني الذي يدّعي أنه يسعى لفتح الشام، كان لا يقوى على رد اعتداءات رفاقه بالمدرسة، وكان يهرب من المشاكل ويتقبل الإهانات، ويفضّل الانسحاب على المواجهة، وكما نعلم الطبع غلب التطبع، فهل من إجابة عن سؤال بديهي: ما مدى إمكانية مثل هذه الشخصية المنهزمة على إدارة تنظيم هدفه- كما يوحي اسمه- فتح الشام، إن لم تكن خلفه قيادات كبرى أو أيدي تسيّره كما تشاء؟

العدد 1140 - 22/01/2025