كي لا ننسى..(عطا الله أبو حمدان).. حياة مرتبطة بالنضال من أجل وطن حر ومزدهر
ولد عطا الله أبو حمدان في بلدة ذيبين من محافظة السويداء عام ،1926 أي أثناء الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش. وقد كرست لديه هذه الذكرى فيما بعد وهو يافع الروح الوطنية التي تشربها من عائلته ومن الأجيال السابقة التي قدمت التضحيات على طريق استقلال البلاد وهويتها وكرامتها.
هاجر الشاب عطا الله إلى فلسطين في مطلع شبابه، وعاش جميع الأحداث الصاخبة التي حصلت هناك، ولم يكن متفرجاً فيها.. بيد أنه اضطر إلى العودة إلى الوطن بعد حصول النكبة التي أدت إلى نشوء إسرائيل كقاعدة عدوانية في بلاد الشام، وهنا في الوطن، الذي لم تكن تتوفر فيه فرص التعليم لكثير من أبنائه نتيجة قلة المدارس.
ونتيجة سوء الأوضاع المادية لدى قطاعات واسعة من الشعب، يقرر الشاب عطا الله خوض معركة التعليم رغم قلة الموارد المتوفرة لدى العائلة، ويستطيع الحصول على الشهادة الابتدائية، ثم المتوسطة، والثانوية بصورة حرة، ليعين فيما بعد معلماً في وزارة المعارف، واستطاع نتيجة ذلك أن ينتسب إلى جامعة دمشق – كلية الحقوق. في أواسط الأربعينيات شغلت جامعة دمشق موقعاً متقدماً في الحركة الوطنية، وكانت المظاهرات والإضرابات الطلابية متأججة ويومية تطالب بالاستقلال وجلاء المستعمرين الفرنسيين.. كانت تنشط في جامعة دمشق في تلك الفترة منظمة شيوعية فتية، وكانت منخرطة أيضاً في الحركة الوطنية، وناشطة بصورة فعالة، ويتأثر الشاب عطا الله أبو حمدان بالأجواء السائدة، ويتعرف على الأفكار الشيوعية، وفي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي ينتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي، ويصبح مناضلاً نشيطاً في صفوفه.. ويذهب إلى السويداء ويشترك مع عدد من رفاقه منهم حنين أبو حمزة وحسن رضوان وغيرهم في أول مظاهرة شيوعية في مدينة السويداء عام 1951. كان الهدف الأساسي منها هو الإعلان عن وجود حزب شيوعي في هذه المحافظة. ينتقل المعلم عطا الله كعلم من مدينة إلى مدينة، ويقدم بمهامه كشيوعي بكل استقامة وإخلاص، ليستقر أخيراً في محافظة دمشق.
في عام 1959 يعتقل في سياق موجة الملاحقات الواسعة التي تعرض لها الحزب الشيوعي بسبب دفاعه عن الحريات السياسية، وموقفه من الطريقة المرتجلة التي قامت عليها الوحدة، وأدت إلى نكستها فيما بعد.. ومثله مثل غيره من الشيوعيين يتعرض للضغوط للانسحاب من صفوف الحزب وتوجيه الاتهامات إليه، لكنه يرفض ويفضل البقاء داخل السجن على أن يفقد حرية اختياره. في أواخر عام 1961 يخرج من السجن بعد شهرين من وقوع الانفصال، وينخرط مع الحزب في النضال من جديد من أجل الحفاظ على مكتسبات الطبقة العاملة والفلاحين.
لقد فُصل من عمله، واضطر لأجل العيش أن يقوم ببعض الأعمال الحرة ليقوم بأود عائلة.. بيد أن طموحه للعلم كان كبيراً، وفي عام 1968 أتيحت له منحة دراسية في تشيكوسلوفاكيا، واستطاع أن يحصل بعد معاناة شديدة على شهادة هندسية في مجال الجيوفيزياء، وعاد إلى الوطن ليمارس اختصاصه في وزارة النفط قسم الاستكشاف والبحوث.
ظل عطا الله أبو حمدان مرتبطاً بالحركة الشيوعية السورية التي أعطاها الكثير، كان مفعماً بحب الوطن والدفاع عن الفقراء والمظلومين، ولقد عانى كثيراً من العوز والحرمان، انتصاراً لمبادئه وأفكاره، ودون أن يفقد ثقته بمستقبل أفضل للشعب السوري. لقد آمن بأن الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة ضرورية وصحية في الحياة، وتعزز وحدة الحزب ووحدة الوطن.
إن حياة هذا المناضل كانت مرتبطة على الدوام بالنضال الذي خاضته أجيال عديدة في الوطن من أجل حريته واستقلاله وتطوره الحر المزدهر، والذي سيبقى إرثاً للأجيال المقبلة تنهل منه العزيمة والشجاعة لمتابعة المسيرة الشاقة من أجل مستقبل أفضل.