الثروة الغنمية في سورية صادراتها السنوية تتجاوز 232 مليون دولار.. ومخاطر تهدّد تجارتها
تدهورت الثروة الحيوانية السورية بصورة دراماتيكية خلال السنوات الماضية، بسبب عوامل معقدة يأتي في مقدمتها الحرب الطاحنة التي تدور في البلاد، والتي أدت إلى انخفاض أعدادها نتيجة التهريب المستمر والجائر إلى خارج البلاد. وتراجع إنتاجها وإنتاجيتها بفعل جمود برامج التربية والتحسين، وانعدام الإدارة الحديثة، وضعف الخدمات الطبية البيطرية، إلى جانب انخفاض المتاح لها من الموارد العلفية، وغياب شبه تام لقدرتها على ارتياد المراعي الطبيعية، وتراجع برامج نشر نتائج أبحاث تحسين القيمة الغذائية للمخلفات الزراعية في تغذية الحيوان، فضلاً عن غياب المعلومات الإحصائية الدقيقة حول مكونات الثروة الحيوانية التي تسمح للحكومة بأعداد خطط تنمية حقيقية لها.
ويقول المهندس عبد الرحمن قرنفلة (الخبير في الإنتاج الحيواني) في حديث خصّ به صحيفة (النور): تعتبر الثروة الغنمية من حيث عددها من أكبر مكونات الثروة الحيوانية السورية، إذ تشكل أعدادها 89% من إجمالي أعداد الثروة الحيوانية المنتجة للحوم الحمراء، بينما تمثل أعداد الماعز 6% تقريباً والأبقار نحو 5%، فقد وصلت أعدادها عام 2007 إلى نحو 22.865 مليون رأس، بينما تدهورت إلى 15.511 مليون رأس عام2011، ثم ارتفعت تدريجياً إلى 17.858 مليون رأس عام2013.
ويلاحظ أن الخط البياني لتطور أعداد الأغنام يتضمن عدداً من الجيوب تمثل عمق التبدل والتذبذب في أعدادها، إما نتيجة عدم دقة الأرقام الإحصائية أو بفعل تدهور أعدادها نتيجة تدهور واقع المراعي الطبيعية وتراجع المتاح من الأعلاف، إذ لم تسجل السلطات البيطرية السورية خلال الفترة الزمنية المشار إليها أية جوائح مرضية يمكن أن تؤثر على تلك التبدلات.
هذا يعني أن هناك غياباً مستمراً حتى الآن لنظرة استراتيجية لتنمية هذه الثروة التي تشكل ميزة نسبية للزراعة السورية، ذلك أن مفهوم الميزة النسبية يعتمد بشكل أساسي على قدرة البلد على إنتاج السلعة القادرة على المنافسة بالاعتماد على مواردها المحلية (عمالة، أراضٍ، رأسمال) لعرضها في السوق المحلية وتصديرها إن أمكن أو أن تستورد السلعة وتخصص الموارد المحلية لإنتاج سلعة ثانية تتمتع بميزة نسبية.
وأضاف المهندس قرنفلة: تؤدي الأغنام دوراً مهماً في بنية الاقتصاد السوري وديناميكيته، فهي توفر البروتين الحيواني (لحم وحليب) للاستهلاك المحلي، وتؤمّن فرص العمل، وتساهم في زيادة الدخل، وتعتمد نسبياً على موارد محلية مهدورة في تغذيتها( المخلفات الزراعية ). وتشكل مصدراً للقطع الأجنبي لأنها سلعة تصديرية لها أسواق تقليدية مستمرة، إضافة إلى دورها في توفير السماد البلدي للمحاصيل الزراعية وفي تحسين البنية الفيزيائية والكيميائية لأراضي المراعي، وتأمين الجلود والصوف للصناعات المحلية فضلاً عن تدوير حركة الاقتصاد بفعل مدخلات الإنتاج ومخرجاته.
وبطبيعة الحال تعكس تلك التبدلات في أعداد الأغنام تبدلاً في نصيب الفرد من لحومها ومنتجاتها الأخرى من جلود وصوف، كما تعكس اضطراباً في صادراتها مما يجعلها سوقاً غير مستقرة ولا يمكن الاعتماد عليها من قبل المستوردين ويجعل من سوريا مصدراً محتملاً غير مستقر للأغنام العواس.
سحب تدريجي للميزة النسبية السورية
ويضيف المهندس عبد الرحمن قرنفلة: ليس من المفاجئ أن تضج كثير من المواقع الإلكترونية المعنية بتجارة الأغنام بدعايات تروج لأغنام عواس محسنة من حيث القدرات الإنتاجية (لحم وحليب) أسترالية المنشأ، وأخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة يروج لها كيان العدو الصهيوني. وتشير بعض البيانات العلمية إلى وصول إنتاج تلك القطعان المحسنة من الحليب إلى 750 ليتراً في 210 أيام تحت نظام الغذاء المكثف (في الحظائر). وتمتاز بأحجام كبيرة عملاقة تصل أوزانها إلى 200 كيلو وما فوق، في حين يتواضع متوسط إنتاج النعجة في سورية إلى 55 كغ حليب ولا يتجاوز وزن الكبش 125 كغ. وبغض النظر عن مدى دقة تلك المعلومات فإنها تشكل مستوى مرتفعاً من المخاطر يهدد التجارة السورية الدولية لأغنام العواس. ويسحب البساط من تحت الزراعة السورية.
وأكد قرنفلة أن سورية تشتهر بغناها بعرق أغنام العواس، وتشكل لحومها المصدر الأول للحوم الحمراء للمواطن السوري ( 74 % عام 2005 – 66% عام 2013 من إجمالي ما يتناوله الفرد من اللحوم الحمراء)، كما تشكل نافذة تصديرية واسعة ومفتوحة، فقد بلغت نسبة صادرات الأغنام من إجمالي قيمة الصادرات الزراعية نحو 16% عام 2005.
استراتيجيات حكومية
وأوضح المهندس عبد الرحمن قرنفلة أن الاستراتيجيات الحكومية قبل الأزمة هدفت إلى زيادة إنتاج الأغنام وتوفيرها للمستهلك بأسعار مناسبة، وتحقيق فائض للتصدير وحماية السوق المحلية من المنافسة الخارجية من خلال:
1. تعزيز دور التعاونيات الفلاحية لتطوير آلية الرعي والحفاظ على المراعي الطبيعية.
2. تحسين التربية.
3. تحسين خدمات الرعاية الصحية والإرشاد الزراعي.
4. تحسين نوعية الأعلاف المقدمة للأغنام.
5. تقديم القروض لمربي الثروة الحيوانية.
وتتحقق تلك السياسات من خلال حزم متكاملة من الإجراءات.
تصدير الأغنام حافز لزيادة أعدادها وإنتاجها
وأوضح الخبير في الإنتاج الحيواني المهندس عبد الرحمن قرنفلة أن سورية تحتل المرتبة 15 بين الدول المنتجة للأغنام في العالم، وتعتبر سورية في طليعة الدول الخمس الأولى في تصدير الأغنام في العالم،وتقليدياً ووفق المؤشرات الفنية المعتمدة من قبل وزارة الزراعة تشكل ولادات الأغنام نحو 80% من عدد الإناث المنتجة، وتقع بحدود 15.6 مليون ولادة نصفها من الذكور، وبعدد يصل إلى 7.8 مليون رأس، وتبلغ نسبة نفوق المواليد نحو 10% وبما يساوي 780 ألف رأس من الذكور، وبذلك يتبقى 7 ملايين رأس من الذكور معدة للتسمين والذبح، وهناك نسبة من الإناث غير اقتصادية للتربية يتم تنسيقها وتسمينها وذبحها وتبلغ نسبتها 20% من إجمالي القطيع وتساوي نحو 3.9 ملايين رأس سنوياً، وبذلك يكون عدد الرؤوس المعدة للتسمين والذبح نحو 11 مليون سنوياً يُذبَح منها محلياً نحو 8 ملايين رأس في المسالخ وبعض المنشات إضافة إلى 500 ألف رأس تذبح بمواسم الأعياد وغيرها من المناسبات، وهذا يسمح بوجود 2 مليون رأس جاهزة للتصدير سنوياً دون أن يؤثر ذلك على السوق المحلية.
ويضيف قرنفلة: من الثابت أن أكثر من 80% من مربي الأغنام من البدو الرحل الذين يجوبون البادية طلباً للمراعي لأغنامهم، ويحصلون على دخلهم من خلال إنتاجها من الألبان والأجبان والسمن والصوف والخراف، وهذه الخراف هي ذكور الأغنام التي يقومون بتربيتها لغاية شهر أيار من كل عام، ثم يجري بيعها في أسواق الأغنام خلال شهري أيار وحزيران من كل عام، حين تنخفض أسعار الخراف خلال هذه الفترة بسبب كثافة العرض إلا أن عمليات التصدير تدعم تلك الأسعار بشكل ضئيل مما يساعد المربي على تحقيق سعر مقبول يغطي تكاليف التسمين المرتفعة. وفي حال توقف التصدير فإن أسعار مبيع الخراف تنخفض ويتعرض المربون للخسارة، وعندما تكون الخسائر كبيرة فإن المربي يضطر لبيع أغنامه كاملة ويتجه إلى مهنة ثانية، مما يساهم في خفض أعداد الثروة الغنمية، كما أن منعكسات وقف التصدير الخطيرة تكمن في تحول المستوردين إما إلى أسواق ثانية أو إلى البحث عن عروق أغنام توفر استقراراً في الواردات، وبالتالي خسارة سورية لأسواق تصدير تعتبر استراتيجية للاقتصاد الوطني.
إن المطلوب من الحكومة اعتبار الثروة الغنمية من الثروات الوطنية الهامة، ووضع الخطط العملية للحفاظ على قطعان الأغنام وتوفير مستلزمات تنميتها وتطويرها فهي ثروة متجددة ولا تنضب.