هل يحمي قانون العاملين الموحد موظفي الدولة من القرارات المضللة والكيدية؟ (1)

حكومات الحرب المتتالية وتوجهاتها في معالجة الواقع الإداري للمؤسسات الحكومية وإعادة هيكلة الموارد البشرية فيها من عمال وإداريين ومؤقتين لم تستطع حتى اليوم الخروج من دائرة التهميش للمختصين وأصحاب الخبرات، لحساب المدعومين بفيتامين واو ومخلفاته التي أرهقت المؤسسات وجعلت قانون العاملين تحت رماد الحرب وركام المدن ومؤسساتها التي هدمت بأبشع طرق الإرهاب والفساد المتعمد من أجل مصالح شخصية.

من خلال آخر مستجدات الحكومة الحالية وخططها في محاربة الفساد وتصحيح الترهل الإداري الذي تزعمه، والذي بدأ من مبنى الإذاعة والتلفزيون ليطول مؤسسات أخرى، موضحاً آلية محاربة الخبرات بشكله العلني الذي كان مخفياً، فملفات كثيرة رفعت إلى مجلس الوزراء وقد وضعت في الأدراج المنسية ليأكلها الغبار، وكثيرون من المختصين والعاملين الذي أبعدوا من دوائرهم بتقارير كيدية وبتُهم متنوعة لا إثباتات لها أمام القضاء أُقفلت في مجلس الوزراء دون فتح أي تحقيقات بها. فنحن نعيش غبار الدولة الأمنية القائمة على كتابة التقارير حتى اليوم، والذي لم نستطع الخروج منه إلى الضوء والواقع المدني القائم على القانون والعدل، فالقانون مازال بهذه المنهجية مجرد ورق وحبر لا أكثر. ومن هنا كان لابد لنا أن نفتح قانون العاملين نقرأ فيه متسائلين هل يحمي هذا القانون وفق ما نصت عليه المادة 64 العاملين والمختصين والإداريين اليوم، مما تقوم به الحكومة من إجراءات تعسفية تشبه لعبة الموت إعداماً بسادية الماركيز دي ساد.

فقدد نصت المادة 64 من قانون العاملين الموحد على ما يلي:

مع مراعاة أحكام كل من قانون العقوبات وقانون العقوبات الاقتصادية والقوانين النافذة الأخرى يحظر على العامل:

أ- أن يفشي الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك، ويظل هذا الالتزام قائماً بعد ترك العامل الخدمة.

ب- أن يستعمل المواد والعتاد والآلات المسلمة إليه لأمور خارجة عن أغراض الجهة العامة التي يعمل لديها (سواء لنفسه أم لغيره).

ج- أن يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية أو ينزع هذا الأصل من الملفات المخصصة للاحتفاظ به ولو كان خاصاً بعمل كلف به شخصياً.

د- أن يقبل لنفسه أو لغيره منحة أو هدية أو امتياز بسبب أدائه لأعمال الوظيفة أو يقبل الوعد بشيء من هذا القبيل.

هـ- أن يجمع نقوداً أو أشياء عينية لأي فرد أو لأي هيئة أو جماعة لأغراض غير مسموح بها أو غير مرخص لها.

سنتفرد في الجزء الأول من مقالنا بهذه المواد التي ذكرناها وواقع الأمور اليوم في العمل المؤسساتي، وهل تُطبّق هذه المواد في مؤسساتنا أم أنها مجرد هوامش ورقية تراكم عليها الغبار فقط ليقال بأن لدينا قانون للعاملين، بحكم أن هناك وزارة للعمل، وهي التي لم نر ثمرات جهودها حتى اليوم مكتفية بتصاريح تشبه إنعاش الميت في العناية المشددة.

إذا عدنا لهذه المواد لوجدنا بينها وبين واقع الحال المعاش تناقضاً واضحاً، فالفقرة /أ/ التي تفرض على العامل سرية عمله وعدم إفشائه لما يحدث.. غير مطبّقة، فالكثير من عمالنا تحولوا إلى إذاعات لما يقومون به، ولم يقف الأمر هنا بل تحول الكثير منهم لكتاب تقارير كيدية وغيرها لإثبات أنفسهم والحفاظ على مقعدهم طامحين للترقية بدل الآخر مستعملين الآلات وعتاد المكتب والوظيفة في كثير من الأحيان بحياتهم العادية مثل سيارات العمل وأجهزة الكمبيوترات والفلاشات…الخ من دون رقابة ولا محاسبة، فالمال الداشر مباح لمن يريد وذلك مخالف للفقرة /ب/ من المادة 64 أما بالنسبة للفقرة /ج / فالكثير من الموظفين ينسخون أوراقاً وتعاميم وغيرها من دون إذن بذلك ونشرها على العام مخالفين بذلك القانون. أما بالنسبة لموضوع الهدايا والجوائز والأوسمة فهي كثيرة وعلنية وبكل وقاحة باتت تتفرد بها صحافة السوشيال ميديا من دون التساؤل من قبل القائمين بالرقابة والتفتيش عن ذلك، ولماذا حصل ذاك المدير وذاك الموظف على جائزة أو شهادة أو غيرها، فلا دخان من دون نار- هذا ما يقوله المثل ولسنا نحن من قال، أما بالنسبة للرشا فهذا أمر اعتيادي ويومي تعيشه مؤسساتنا منذ زمن بعيد جداً، ولم نستطع حتى اليوم الخروج من دائرته أو تضييقها، بل أخذت بالأتساع أكثر وأكثر وهذا ما يخالف الفقرة /د/ قانونياً، أما بالنسبة للفقرة /هـ/ فكثيرة هي التبرعات واللمّات ضمن مؤسساتنا، من دون أن نعرف ما إن كانت لجمعية مرخصة أو لعمل خير أو لشراء ذبيحة لحماية المؤسسة من لعنات الشياطين ومس الجن وفق ما تقوله شرائع السياسة الداعشية الجديدة.

للمادة 64 من قانون العاملين الموحد تتمة واسعة سنتابعها في جزء آخر، متسائلين عن فقراتها وهل هي مطبقة حقاً وتحمي العاملين من كيدية الكثيرين وغلمان المسؤولين.

(يتبع)

العدد 1140 - 22/01/2025