معركة دير الزور.. أهميتها وتداعياتها

لاشك أن فك الحصار عن مدينة دير الزور، الذي استمر قرابة ألف يوم تقريباً، يشكل تحولاً استراتيجياً كبيراً على المستوى العسكري في الحرب على الإرهاب، وكذلك على المستوى السياسي، وفي وقت لاحق واستكمالاً لهذا النصر،
جرى فك الحصار عن مطار دير الزور يوم التاسع من أيلول ،2017 فقد التقت القوات السورية والقوات الحليفة لها القادمة من منطقة المقابر مع حامية المطار، وكانت مشاهد الالتقاء لافتةً للنظر، نتيجة لهذا العملية العسكرية المتكاملة والمتقنة، التي اشتركت فيها عدة تشكيلات بمؤازرة سلاح الجو السوري والروسي والدفاعات الجوية شرق حلب،
علماً بأن حصار المطار دام ثمانية أشهر، استبسلت خلالها حاميته في الصمود أمام مئات الهجمات الداعشية عليه بالسيارات المفخخة والانتحاريين وغير ذلك، وقد فشلت كلها في النيل من عزيمة هؤلاء المدافعين الصابرين، وترافق هذا الصمود باهتمام منظم بالمدنيين داخل منطقة المطار من قبل خلية أزمة شُكّلت لهذا الغرض.

بطبيعة الحال، من خلال فك الحصار عن دير الزور ومطارها، تقلصت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، إضافة إلى ما تكبده من خسائر في العناصر والعتاد،
وما أصاب إرهابييه من حالة انهيار وتقهقر، وتوفرت الظروف المناسبة لانطلاق عمليات الجيش وحلفائه في شرق دير الزور، لتشمل ريفه الذي يعتبر من أكبر معاقل التنظيم، إلى جانب أن محافظة دير الزور تحتل أهمية كبيرة بالنسبة للجيش السوري، من خلال وجود مستودعات للذخائر والعتاد ومراكز رادار وغيرها كانت داعش قد سيطرت عليها.
كذلك تأتي أهمية هذا الانتصار من أنه أتاح استعادة حقول النفط والغاز كثروة استراتيجية، إضافة إلى الحقول الزراعية التي منعت داعش أصحابها من العمل فيها.

لقد كانت معارك جيشنا العربي السوري في دير الزور ملاحم بطولية فريدة من نوعها، اتسمت بالدقة وسرعة الحركة، والتقدم والتفاني والتضحية والإصرار على تحقيق الهدف بأقل الخسائر، وأكدت هذه المعارك مقولة أصبحت معروفة وهي أنه ما أعلن الجيش السوري عن خططه للوصول إلى منطقة معينة وتحريرها من الإرهابيين، إلا ووصلها، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على الإرادة الصلبة، والإيمان غير المحدود بقدسية المهام والمهنية العالية في التعامل مع العدو.

لقد راهن رعاة الإرهاب وداعموه على العمليات الإرهابية في شمال سورية وشرقها، متوهمين بأن هذه المناطق لن تعود إلى سورية، وأنها ستبقى مرتعاً لأدواتهم، وشوكة في خاصرة سورية، إلا أن رهاناتهم هذه على دير الزور ومن قبلها على حلب، قد باءت بالفشل،
وأصيبوا بالارتباك والإحباط نتيجة انهيار أدواتهم وهزيمتها، لدرجة أن وسائل الإعلام الناطقة باسمهم تتجاهل ما تحقق في دير الزور أو تمر عليه مرور الكرام وبشكل مشوه ومحرف في كثير من الأحيان.

على أية حال، إن معركة دير الزور لن تتوقف بعد فك الحصار عن المدينة ومطارها، بل ستسمر على عدة اتجاهات في ريف دير الزور، ومنها باتجاه الميادين، التي تعتبر معقلاً أساسياً لداعش، وباتجاه مناطق أخرى بحيث تعود المحافظة كاملة إلى حضن الوطن.

وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن الصواريخ الإسرائيلية التي أُطلقت على مواقع عسكرية سورية في منطقة مصياف بحماة، هي رد على الانتصارات السورية في دير الزور، وبمثابة دعم واضح لداعش وللنصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية المسلحة التي تتقهقر يوماً بعد يوم.

أخيراً يمكن القول إن داعش يتقهقر ويندحر في سورية والعراق وذلك بفضل تضحيات الجيش السوري وحلفائه، وبفضل الدعم الروسي غير المحدود لسورية، إلا أن الطريق لاستئصال داعش وأمثالها مازال طويلاً، ولكن الأمر المهم أن مخطط تقسيم سورية قد انحسر وفشل، وأن انتصار دير الزور سيفرض معادلات سياسية جديدة، ولاسيما أنه جاء في منطقة التواصل الجغرافي الحدودي بين العراق وسورية.

 

العدد 1140 - 22/01/2025