التقرير السياسي الذي أقره المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد

التقرير السياسي الذي أقره المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد:

– ندين الاجتياح التركي.. ونقف ضد محاولات التقسيم

– مواجهة الإرهاب أولوية السوريين

– محاربة الفكر الظلامي تقتضي إصلاحات شاملة

قدم الرفيق نبيه جلاحج، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد، تقريراً، في اجتماع المكتب السياسي للحزب، حول آخر المستجدات السياسية، ونوقش التقرير وأدخلت عليه بعض الملاحظات، وأقرّه الاجتماع، وهذا نصّه:

تعقدت الأوضاع السياسية في سورية وتفاقمت بشدة في إثر الاجتياح العسكري التركي للحدود السورية وما سبقه ورافقه من تشابكات وتحالفات إقليمية ودولية.

من المعروف أن تركيا كانت تطمح وتطالب بإقامة منطقة عازلة شمال سورية منذ أواسط عام 2012، إلا أنها لم تحظَ سابقاً بتأييد دولي وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن تبدل بعض علاقاتها الإقليمية وخاصة مع روسيا وإيران بعد محاولة الانقلاب الفاشلة فيها، أوجدت مناخاً مناسباً للقيام بهذا الاجتياح دون أن تواجه معارضة جدية، وخاصة عسكرية من قبل تلك الدول، بل إنها تلقت دعماً سياسياً وعسكرياً (جوياً خاصة) من الولايات المتحدة.

ووجدت تركيا في التقدم العسكري لـ(قوات سورية الديمقراطية) التي تضم بين صفوفها فصائل كردية غرب نهر الفرات، وسيطرتها على منبج، ذريعة للقيام بهذا التدخل العسكري المباشر من خلال مجموعات مسلحة كانت قد أعدّتها وسلّحتها ودرّبتها الولايات المتحدة منذ زمن طويل، وخاصة ما سمي بـ (الجيش الحر). وشنت عملية عسكرية أطلقت عليها (درع الفرات).

إن الأهداف المعلنة للعمليات العسكرية التركية هي محاربة داعش وحماية أمنها القومي بمنع سيطرة مجموعات إرهابية أخرى على حدودها، وتقصد بذلك منع قيم كيان كردي على حدودها الجنوبية.

أما الأهداف الحقيقية والاستراتيجية لتركيا فهي:

ـ إعادة الروح للمشاعر العثمانية القديمة، وتجلى ذلك بتنفيذ الاجتياح بتاريخ 24آب  2016الذي يتوافق مع ذكرى معركة مرج دابق التي جرت قبل خمسمئة عام، وتمكن فيها السلطان سليم من الانتصار على قانصوه الغوري، وكانت بداية مرحلة السيطرة العثمانية على بلاد الشام حتى مصر.

ـ إيجاد منطقة نفوذ لها على الأرض، يمكن أن تمتد من جرابلس شرقاً حتى إعزاز غرباً، بعمق حوالي 25كم جنوباً. وذلك بهدف التمكن من الحصول على حصة سياسية من أي تسوية يمكن أن تحصل لاحقاً.

ـ إيجاد قاعدة للفصائل المسلحة (الجيش الحر) وغيره في هذه المناطق.

ـ الضغط على الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى للقبول بإقامة ما يسمى (مناطق آمنة).

ـ إعادة الهيبة للنظام الأردوغاني وتجاوز الهلهلة التي أصابته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.

ـ إيجاد أرضية لمحاولة الاستدارة السياسية حول القضية السورية.

إن ردود الأفعال الإقليمية والدولية لم تتناسب في الواقع مع حجم هذا التدخل العسكري المباشر من قبل دولة تجاه حدود دولة أخرى.

مواقف دولية متباينة

– روسيا أكدت أن الاجتياح التركي يثير القلق، ويصعّد الوضع الأمني، ودعت إلى التنسيق مع سورية في أي جهد دولي لمكافحة الإرهاب.

الإدارة الأمريكية أعلنت بلسان بايدن (نائب الرئيس) الذي كان موجوداً في تركيا حين اجتاحت قواتها الأراضي السورية تأييدها للاعتداءات التركية، بل ساهمت في هذه العمليات بالتغطية الجوية، وأنذر بايدن قوات سورية الديمقراطية بقطع الدعم والحماية عنها، في حال انتقالها إلى غرب الفرات.

– ألمانيا أكدت دعمها لأنقرة، وقال الناطق باسم الخارجية الألمانية إن برلين تحترم قرار أنقرة بمحاربة داعش، وهذا حقها المشروع.

حول موقف بعض القيادات الكردية

إن التقدم العسكري الذي قامت به (قوات سورية الديمقراطية) شمال سورية، رغم أنه حقق نجاحاً في دحر داعش من بعض المناطق هناك، إلا أن سعي بعض المجموعات الكردية إلى استغلال هذه النجاحات لتحقيق أهداف سياسية ضيقة  أضعف من أهمية هذه النجاحات وأدى من حيث النتيجة إلى نتائج عكسية.

لقد ارتكبت بعض القيادات الكردية المؤثرة في النشاط العسكري الكردي شمال سورية بعض الأخطاء التي كان ولا يزال من الممكن تفادي نتائجها السلبية ومن هذه الأخطاء:

ـ محاولة استغلال بعض الصراعات الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية آنية سريعة، دون تعمّق في فهم جوهر هذه الصراعات وتعقيداتها.

ـ الانتقال بسرعة من شعار (الإدارة الذاتية) إلى رفع شعار (الفدرالية) في سورية دون توفر الأرضية السياسية والمجتمعية لمثل هذا الشعار، مما أبعد حتى بعض حلفائهم عنهم.

ـ المراهنة على الدعم الأمريكي لهم دون إدراك أن للولايات المتحدة مصالح وأهدافاً أخرى تماماً، وهي تستغلهم لتحقيقها.

ـ الصدام مع قوى يفترض أنها حليفة لهم في حربهم ضد داعش، وكانت قد قدمت لهم مختلف أنواع الدعم حتى الآن، والدخول في  معارك جانبية مؤسفة ولا مبرر لها معها (في الحسكة، مع الجيش السوري).

ـ المبالغة في قوتهم وإمكانياتهم العسكرية الخاصة، مما دفعهم للانطلاق نحو معارك تفوق تلك الإمكانيات.

ـ العجز عن تحويل الإنجازات العسكرية التي حققوها إلى انتصارات سياسية ضمن إطار الحلول السياسية المطروحة للأزمة السورية.

في الدور والموقف الأمريكي:

يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت اللاعب الأبرز والرابح الأكبر خلال الأحداث الأخيرة في الشمال السوري. فهي تدعم بعض (قوات سورية الديمقراطية) وبعض حلفائها من المجموعات الكردية في تقدمهم نحو غرب الفرات حين ترى ذلك مناسباً لأهدافها، وتطلب منهم التراجع حين تريد أن تساوم الأتراك، و تقوم بتغطية التدخل العسكري التركي سياسياً وعسكرياً في  الشمال السوري، بغية محاولة الحؤول دون تقارب تركي مع روسيا وإيران من جهة، وتطلب منهم من جهة أخرى قصر عملياتهم العسكرية على محاربة داعش ضمن تحالف دولي تقوده في الشمال السوري وتهيئ له القواعد التي أقامتها في الرميلان وعين العرب، فضلاً عن وجود مئات المستشارين العسكريين هناك.

لقد أصدرنا تصريحاً للناطق الرسمي باسم حزبنا، أدنّا فيه الاجتياح التركي للأراضي السورية بداعي مكافحة الإرهاب، ونؤكد اليوم أن وحدة سورية وسلامة أراضيها تمثل خطاً أحمر بالنسبة لجميع السوريين الوطنيين.

إن عودة نغمة الفيدراليات، وتشجيع الأمريكيين لهذا الطرف أو ذاك على الانفصال، وتشكيل كيانات مصطنعة، يمثل خطراً دائماً يجب التنبه إلى تداعياته، وهو بالقدر الذي يسعى من خلاله إلى تفتيت سورية، فهو لا يقدم حلاً للمشاكل الإثنية والقومية، بل على العكس تماماً، وهذا ما يوافقنا عليه فئات واسعة من أبناء شعبنا الأكراد.

إن وحدة سورية الديمقراطية.. العلمانية، وانسجام مكوناتها الاجتماعية والإثنية واستقرارها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً هو الأرضية الواقعية لحل جميع المسائل الصعبة عن طريق التوافق والحوار بين السوريين.

في الوضع الميداني

تعقّد الوضع ميدانياً على مختلف الجبهات:

فبعد فتح معبر الكاستيلو من قبل الجيش السوري.. وتمكّن بعض المجموعات المسلحة وخاصة (جبهة النصرة) من خرق الحصار حول حلب في جنوبها (حول الكليات والسفيرة) لا تزال هذه المنطقة تشهد قتالاً ضارياً يحقق فيه الجيش السوري نجاحات أكيدة أمكن من خلال سد الثغرة التي جرى فتحها سابقاً..

ويتوقع التوصل إلى اتفاق حول حلب خلال الأيام أو حتى الساعات القليلة القادمة يتضمن وقف العمليات القتالية لمدة 48 ساعة فيها لإدخال المساعدات الإنسانية إليها.

• في الأيام الأخيرة شنت ما يسمى (جند الأقصى) ومجموعات مسلحة أخرى هجوماً واسعاً في ريف حماه الشمالي، وتمكنت من دخول بعض القرى (حلفايا ـ صوران. طيبة الإمام..).

هذه المجموعات تتلقى الدعم والتأييد من السعودية بشكل أساسي، والغاية من هذا الهجوم أن تؤمن هي أيضا موطئ قدم لها في الميدان السوري بعد أن ضعفت قوتها في أعقاب مقتل زهران علوش (زلمتها) في الغوطة الشرقية.. لضمان حصة لها في التسوية القادمة !!

وقد تمكّن الجيش السوري من وقف هذه الاندفاعة، واستعاد بعض القرى التي كانت قد دخلتها تلك المجموعات المسلحة.

• لا تزال المصالحات المحلية تسير على قدم وساق وتتوسع وكان آخرها مصالحة داريا التي تبعتها مصالحة المعضمية.. ويتوقع حصول مثلها في حمص ـ الوعر..

جوهر ما يُتوصّل إليه في هذه المصالحات :

ـ خروج المسلحين مع عائلاتهم بأسلحة خفيفة إلى إدلب.

ـ نقل الأهالي المدنيين إلى أمكنة إقامة مؤقتة.

ـ إعادة سيطرة الدولة بمختلف جوانبها إلى هذه المناطق.

ـ الأمر الهام أن هذه المصالحات تتحقق بتوافقات سورية- سورية.

حول الاتفاق الروسي الأمريكي:

صدرت ولا تزال تصدر في الأيام الأخيرة تصريحات كثيرة تبدو وللوهلة الأولى أنها متناقضة عن التوصل إلى اتفاق روسي أمريكي حول القضية السورية:

فمن الكرملين كانت قد صدرت تصريحات أكدت أن روسيا وأمريكا ما زالتا بعيدتين عن التعاون الحقيقي بشأن التسوية في سورية. وأن حل الأزمة السورية معلق على التوصل إلى التعاون الروسي الأمريكي الكامل. وكان ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قد صرح بأن أهم المسائل التي طرحتها روسيا أمام الأمريكيين تتعلق بضرورة الفصل الحقيقي بين الإرهابيين وما يسمى المعارضة المعتدلة.

لكن تسريبات خلال لقاءات قمة العشرين في بكين أكدت تقارب الموقفين الأمريكي والروسي، وصرح راتني للصحافة ببعض النقاط التي تضمنها الاتفاق، ونعتقد أن اجتماع الرئيسين بوتين وأوباما في 5/9 سيضع هذا الاتفاق في مرحلته النهائية، وربما يجري الإعلان عنه في بكين.

• من كل ذلك يتضح أن التوصل إلى اتفاق، وهو أمر مؤكد، يتحقق من خلال صراع شديد حول التفاصيل.

فقد نشرت وسائل الإعلام العالمية والعربية ما سمته بعض بنود الاتفاق الأمريكي الروسي، وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه البنود ومطابقتها للاتفاق العتيد، لكننا نرجح أنه اتفاق يشمل الجانبين العسكري والسياسي، يتركز الجانب العسكري على مكافحة الإرهاب، وخاصة داعش والنصرة، بعد فصل حقيقي بين هاتين المنظمتين من جهة، وما تسميه واشنطن المعارضة (المعتدلة) من جهة أخرى، وهو شرط روسي دأبت موسكو على التلويح به منذ بدأت المفاوضات، والتنسيق بين البلدين في توجيه الضربات للإرهابيين. أما في الجانب السياسي، فنعتقد أنه سيتضمن تفاصيل الحل السياسي للأزمة السورية استناداً لقرار الأمم المتحدة 2254 الذي يضمن جوهر جنيف 1 ولقاءات فيينا، والذي يضع بعض القواعد لتشكيل الحكومة والصلاحيات والانتخابات النيابية والرئاسية.

لقد أكدنا في رسائل وتقارير سابقة أن المواجهة العسكرية للإرهاب تشكل جانباً مهماً ورادعاً، لكن الجانب الهام الآخر هو مكافحة الفكر الظلامي.. المتطرف، الذي يشكل الركيزة لجميع التنظيمات الإرهابية، وهذا لا يتحقق فقط بالحملات الثقافية والإعلامية، بل بإجراء الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تضيّق على هذا الفكر، وتفقده شيئاً فشيئاً البيئات الاجتماعية التي تساعد في نموه وتحتضنه.

إن نشر العلمانية ومراجعة القوانين التي يستغلها أنصار الفكر الإرهابي الفاشي، وتوافق السوريين على مستقبل بلادهم الديمقراطي.. التعددي.. المدني، سيقطع الطريق- حسب اعتقادنا- على القاعدة الفكرية للإرهاب الفاشي.

*************

استنتاجات ومهام

نستنتج مما سبق أنه رغم ازدياد القناعة لدى معظم الأطراف الإقليمية والدولية بأن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وأنه لا بد من التوصل إلى حل سياسي، إلا أن هذه الأطراف الإقليمية والدولية تسعى لتحقيق مكاسب ميدانية لها على الأرض كي تستفيد منها كأوراق على طاولة المفاوضات القادمة.. بغية تحقيق مصالحها وأهدافها الخاصة، علماً أن هناك قوى إما أنها لا تؤمن بالحل السياسي أصلاً، أو أنها لا ترى إمكانية التوصل إلى مثل هذا الحل وأن خيارها الوحيد هو الانتصار عسكرياً.

لذلك نرى أن الرد الحقيقي والواقعي على محاولات التقسيم والتصعيد وعرقلة الجهود السلمية لحل الأزمة السورية ينطلق استناداً للمهام الوطنية التالية:

1- متابعة المواجهة العسكرية للإرهاب الفاشي، وطرد الغزاة خارج سورية.

2- الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والوقوف بوجه سيناريوهات الفدرلة والتفتيت.

3- العمل على جمع كلمة السوريين من خلال الحوار الديمقراطي الشامل الذي يضم جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية لرسم ملامح الغد السوري الديمقراطي.. العلماني.

4- توجيه النشاط الحكومي باتجاه تعزيز صمود الشعب السوري، وذلك بتخفيف الأعباء المعيشية، وخاصة على الفئات الفقيرة والمتوسطة، ووضع حد للفساد، واستغلال المحتكرين، وأثرياء الحرب، والمضاربين في الأسواق السوداء.

دمشق 3/9/2016                                       

المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد

العدد 1140 - 22/01/2025