لماذا نكتب؟ ومن يسمع؟
لم يعد دور (الميديا) كعنصر فعال ومؤثر جداً في الرأي العام خفيّاً على أي أحد، وخاصة بعد الأحداث التي شهدتها البلاد والتي لعبت وسائل الإعلام فيها (تبعاً لانتمائها) أدواراً مختلفة، من التحريض إلى المبالغة والتغاضي، مروراً بالقليل من بث الوعي هنا وهناك.
ولكننا، للأسف، وبعد كل ما حدث في سورية، لم نستخلص العبر، ولم يكن التعامل مع وسائل الإعلام بالقدر المطلوب من المسؤولية والوعي، ولا يتم إيلاؤها الاهتمام المطلوب للتطوير والارتقاء.
ولنتحدث بشكل خاص عن الصحافة المكتوبة، فهي تكاد تكون أكثر من يعاني من قلة في الدعم والموارد، ورغم ذلك فهي لاتزال المنبر الأصدق للتعبير عن هموم المواطنين السوريين ومتطلباتهم.
لقد أدركت معظم دول العالم أهمية الصحافة وباتت تحسب لها ألف حساب، فخبر صغير عن قضية فساد أو مشكلة اجتماعية في صحيفة في إحدى الدول الأوربية مثلاً كافٍ لتحريك الرأي العام وخلق بلبلة كبيرة، ومن هنا جاء اهتمام الحكومات لديهم بالصحافة ودراسة الصحف المحلية والعالمية بشكل دقيق، وتقديم حلول أو إظهار المساعي الجدية والتفاعل مع أخبار كهذه، تفادياً لإغضاب شارع يرى في هذا المنبر شكلاً من أشكال التعبير المشروع للمطالبة بالحقوق.
أما هنا في سورية فلربما كتبت مئات المقالات عن دور الصحافة في تمثيل فئات الجماهير الشعبية، وعن دورها في المطالبة بحقوقهم، ولكن لا حياة لمن تنادي فالتجاوب يكاد يكون صفراً!
ولنأخذ جريدة (النور) على سبيل المثال لا الحصر، هذه الجريدة الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري الموحد، الذي لطالما طالب وما يزال يطالب في كل المحافل وفي كل عدد من أعداد جريدته بحقوق المواطنين السوريين في عيش كريم يكفل لهم أبسط مقومات الحياة دون فساد واستغلال، دون ذلٍّ أو خوف.
ولكن هل هناك من يسمع؟ أو فلنقل، هل هناك من يقرأ؟ والسؤال المطروح هنا طبعا يخص أصحاب القرار في البلاد من حكومة ومسؤولين، والإجابة عن هذا التساؤل تتمحور في إجابتين لا ثالث لهما، فإما أن تكون الإجابة بنعم، أي أن هناك من يقرأ جريدة (النور) أو غيرها من الصحف المطلبية، ويرى هموم السوريين والمشكلات التي تواجه حياتهم اليومية في ظل حرب دامية أنهكت قواهم، ولا يحرك ساكنا تجاه هذه الأمور ولا يبدي أي تجاوب!! أو ننتقل للإجابة الثانية، أن أصحاب القرار لا يقرؤون وليسوا على دراية بأمور الشعب ومتطلباته.
وفي كلتا الإجابتين، سنصل إلى نتيجة مفادها أن الوضع يؤسف عليه، وعلى رأي ابن القيم الجوزية، إذا كنت لا تدري فهي مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!
إن حكومتنا العتيدة تكاد تكون منفصلة تماماً عن الواقع، بعيدة كل البعد عن المآسي التي يعيشها المواطن السوري، ملتهية دائماً بالقشور وبمحاولات وهمية لإظهار الأوضاع في سورية بصورة محسنة، سمتها الأساسية المبالغة والبعد عن الحقائق.
واليوم لم يعد السكوت عن متطلبات المواطنين وأوجاعهم أمراً مقبولاً، وها نحن اليوم في جريدتنا نقدم طبقاً من المشكلات ومقترحات للحلول مجانياً للحكومة، وما عليها إلا إيلاء اهتمام بالحد الأدنى، عن طريق القراءة والتحليل ومحاولة جدية لوضع آليات عمل مختلفة، وقد يتحقق ذلك عن طريق مكاتب مختصة تفرزها كل وزارة لتأخذ من هذا الطبق ما يعنيها، والعمل على الرد بشكل إيجابي أو سلبي على القضايا المطروحة، لأن المواجهة بالأذن الطرشاء أمر مستفز، ليس لمن يكتب فحسب بل لصاحب الهم والمشكلة الأساسية الذي يدرك أن هناك من يذكره ويحلل مشاكله ويسعى لإيجاد الحلول، ويدرك في الوقت نفسه أن هناك من يقرأ ويسمع ويرى بأم عينيه ولا يبدي أي تجاوب.
قد يكون الوقت متأخراً ولكنه لم ينفد أبداً، فالأوضاع المعيشية في سوء متزايد، وقد تكون بعض الإجراءات الاستداركية كفيلة بإعادة جزء من الثقة المفقودة وتعزيزها مع الأيام، عن طريق اهتمام واضح بالفئات الشعبية المفقرة والمهمشة التي دفعت وتدفع الفاتورة الكبرى للحرب على جميع الأصعدة، وهي تحارَب عن خبث أو عن جهل بقوت يومها.