الفساد.. إلى متى ؟!
إن ظاهرة الفساد في التاريخ السوري لعبت دوراً كبيراً بظهور جيل من التجار (السياسيين) الذين بنوا إمبراطورياتهم المالية من أموال الدولة وسرقة ونهب قوت الشعوب، والسؤال الذي يحق للشعب السوري أن يسأله هو: من أين أتى هؤلاء بأموالهم ورأسمال الواحد منهم راتب لم يكن يتعدّى عشرة آلاف ليرة منذ سبعينيات القرن الماضي، وهؤلاء أنفسهم لعبوا دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة هجرة الأدمغة السورية إلى الخارج حتى تفرغ الساحة لهم، وبالتزامن مع ظاهرة هجرة العمالة المحترفة إلى الخارج، وظاهرة أطفال الشوارع، وظاهرة عمل الأطفال في سن مبكرة، وظاهرة التسرب من المدارس في سن مبكرة، وظاهرة الانتحار بسبب الفقر، وظاهرة العنوسة لكلا الجنسين بسبب الفقر، وظاهرة المخدرات والفساد الأخلاقي، وانتشار الجرائم والسرقة والقتل والنصب والاحتيال والأفعال المخلة بالحياء، والرشوة والمحسوبية، وهروب الرساميل إلى الخارج، وكل ذلك كان سببه الفقر والانهيار الاقتصادي..
فانقسم المجتمع السوري إلى طبقتين، إما غنية أو فقيرة، بعد اضمحلال الطبقة الوسطى وزوالها، طبقة لا تملك إلا قوت يومها وهي الأغلبية، وطبقة غنية لديها المفاتيح السحرية لفك أي شيفرة لمنظومة الفساد القائمة، تأمر بأمر الحكومات المتعاقبة وتابعة لها في كثير من الأشياء.
من الواضح أن الفقر ليس نتاج الأزمة فقط، بل نتاج السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تم تطبيقها خلال السنوات العشر الماضية، لذلك نجد يومياً مطالبات كثيرة بتحسين المستوى المعيشي للمواطن، ومحاولات تقديم السلع الضرورية والحاجات الأساسية، والخدمات الاجتماعية شبه المجانية للمواطنين، والمطالبة بأن تكون الإجراءات الحكومية التي تصاغ قراراتها دائماً أن تضع المواطن هدفاً رئيسياً لها.
الشارع السوري أصبح أحد الملامح الأساسية للفقر، ومن يبحث عن الفقر يجده بسهولة، فمن بين كل ثلاثة نجد فقيراً بامتياز… إن الحكومات المتعاقبة ساهمت في رفع معدلات الفقر، من خلال عدم زيادة التنمية، وانخفاض الرواتب والأجور، وعدم العمل جدياً لخلق فرص عمل تقضي على البطالة المتفشية، في وقت استطاعت الخطط الخمسية السابقة أن تقضي على الفقر، وتكافح البطالة، وترفع معدلات النمو وتزيد التنمية لكن على الورق فقط.. لأن ما نراه الآن هو كشف المستور عن عدد الفقراء حالياً ما قبل الأزمة وما بعدها، والمبكي أن فرص العمل التي كانت الحكومات المتعاقبة تقترحها وترصد كلفتها في موازنة كل عام، كانت فرص عمل وهمية وغير حقيقية وتضحك فيها على المواطن..
والمضحك أن تحسين المستوى المعيشي بوصفه هدفاً للحكومات ويقع في مقدمة الأولويات، أعطى نتائج عكسية، إذ ارتفعت الأسعار وازدادت تكاليف الحياة كثيراً، وتعقدت عملية الحصول على لقمة العيش، بينما المستوى المعيشي الموعود بالتحسين تراجع إلى الوراء كثيراً رغم كل ما يقال من تصريحات على لسان الوزراء الذين يبدعون في تبريراتهم اللامنطقية، لأن الفقر المتفشي يبدو لنا أكبر من ذلك لأن بالإمكان رؤية جحافل الفقراء بالعين المجردة في كل من مدينة وقرية سورية….