بوادر انفراج بين واشنطن وبيونغ يانغ.. ماذا عن إيران؟

 سؤال مهم يطرح، في ظل ما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً، بأنه سيزور كوريا الديمقراطية وسيلتقي برئيسها، فهل خضعت الولايات المتحدة للأمر الواقع بعد أن شعرت بأن سفينتها ستُطرد بعيداً عن الكوريتين، وبأيدي الكوريين أنفسهم؟ وهل هذه (الانفراجة) في العلاقة الأمريكية – الكورية الشمالية يمكن أن تتحقق بين واشنطن وطهران؟

في سياق محاولات الإجابة عن هذين السؤالين يمكن التعرف على وجهة نظر واشنطن حيال المسألتين الكورية الشمالية والإيرانية، والفواصل والتخوم لخيوطهما وخطوطهما.

فيما يخص الانفراج الحاصل في الأزمة الكورية، ترتبط مؤشراته الحاصلة بالتغيرات الجارية على صعيد التوازنات الدولية، ذلك أن جذور هذه الأزمة تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما زجت واشنطن كوريا في حرب داخلية طاحنة أدت إلى تقسيمها إلى دولتين متصارعتين، شمالية وجنوبية، وتجذر الانقسام تحت ظلال الهيمنة الأمريكية على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فأصبحت كوريا الشمالية في مواجهة الولايات المتحدة، ما أجبرها على التركيز على بناء قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها.

ولكن مع التغير في موازين القوى الدولية اليوم، من خلال الصعود الروسي والصيني خاصة، ونشوء فضاءات جديدة، دفعت قضايا عالقة نحو منحى آخر، وبالتالي عبرت الكوريتان عن ذلك بهذه التفاهمات.

ففي حفل اختتام دورة الألعاب الأولمبية في كوريا الجنوبية يوم 15 شباط الماضي حصل تقارب هام، عندما قدم وفد دبلوماسي كوري شمالي دعوة لنظرائه الجنوبيين للذهاب إلى الشمال الذين قبلوا الدعوة، وهذا كان تطوراً جديداً بين البلدين، ولم تثمر المحاولات الأمريكية لتخريب هذا التقارب، بل طرحت كوريا الجنوبية مبادرة للحوار بين كوريا الديمقراطية والولايات المتحدة على أن تلعب هي نفسها دور الوسيط بينهما.

ومما يجدر ذكره أن كوريا الشمالية لا تشكل تهديداً مباشراً لواشنطن، إذ إن التجارب الصاروخية التي تجريها تحتاج حسب التقديرات العسكرية إلى سنوات عدة قبل أن تتحول إلى (تهديد نووي جدي)، والهدف منها هو تحصين نفسها ضد التدخلات السافرة في أمورها الداخلية من قبل واشنطن وغيرها.

ولكن التهديد المزعوم من قبل واشنطن ما هو إلا وسيلة لتبرير وجودها العسكري في شبه الجزيرة الكورية (أي في كوريا الجنوبية والصين)، واستهداف الصين الصاعدة اقتصادياً.

إلا أن تراجع الولايات المتحدة، في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي تقودها دول الشرق الصاعدة، وعجزها عن التحكم في هذا الأمر، دفعاها إلى مراجعة أمورها وقبول الحوار مع بيونغ يانغ، وإرسال إشارات إلى روسيا والصين لترضيتهما حول هذا الأمر وغيره.

بالطبع هناك دور لكل من روسيا والصين في هذا التقارب، وبالأساس فإن فكرة الحوار بين الكوريتين، انطلقت من تصريح روسي في منتصف العام الماضي وتصريحات صينية مماثلة، حول ضرورة فتح باب لحل هذا الخلاف الكوري.

الآن ماذا عن إيران؟!

إيران تبدي اهتماماً كبيراً بهذه الانفراجة بين أمريكا وكوريا الشمالية، وهي معنية بالتعرف على كل خفاياها وملابساتها، ولكنها تدرك أن ما ينطبق على كوريا الشمالية ينطبق عليها (جزئياً) فقط، وذلك لسببين اثنين:

الأول: أن كوريا الشمالية دولة نووية بالفعل، أنتجت القنبلة النووية والهيدروجينية، وتمتلك الوسائل لنقلها إلى مسافات بعيدة، بينما إيران تطور برنامجاً صاروخياً باليستياً واعداً، ولم تمتلك السلاح النووي، وتعلن أنها، من منظور ديني، لا تريد امتلاكه.

والسبب الثاني: أن كوريا الشمالية بعيدة عن إسرائيل جداً ولا تدعم أية مقاومة ضدها، وليس عندها (يوم القدس)، أي أنها خارج الرادار الإسرائيلي، مع أن مبيعاتها للأسلحة كانت على الدوام مصدر قلق لإسرائيل، فيما إيران تعتبر لدى إسرائيل العدو الأخطر لها.

إذاً ما يقلق إسرائيل يقلق واشنطن بالقدر ذاته، وأمن إسرائيل خط أحمر لدى واشنطن.

نعود إلى مسألة الانفراج بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة التي عرضها الرئيس الكوري الجنوبي على نظيريه الأمريكي والشمالي، والمستندة أساساً- كما أسلفنا- إلى مبادرة سرية منسوبة لروسيا والصين، لنجد أنها ترتكز على تنظيف الجزيرة الكورية من أسلحة الدمار الشامل، مقابل رفع العقوبات عن الشطر الشمالي من كوريا، ثم البدء بمفاوضات جادة حول التجارب الصاروخية بعيدة المدى، وحجم القوات الأمريكية المرابطة في الجنوب الكوري، وحول ملفات أخرى.

وقد سبق لأصوات عربية ودولية أن دعت إلى معالجة ما يسمى بالملف النووي الإيراني، وملف أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، إلا أن الولايات المتحدة لم تُصغِ لهذه الأصوات، والسبب أنها تريد الإبقاء على إسرائيل دولة متفوقة نووياً وتقليدياً، ولهذا تقيم واشنطن الدنيا ولا تقعدها ضد ما تسميه برنامج إيران النووي الخاضع لرقابة وكالة الطاقة النووية العالمية، وتتنكر لاتفاق المجتمع الدولي مع إيران وتتهيأ للانسحاب منه. أخيراً يتضح أن مثل هذا السلوك العدواني الأمريكي حيال إيران لا نجد له مثيلاً في التعامل مع برنامج كوريا الشمالية، ولم يلمس أحد مثل هذا الجهد المبذول أمريكياً لتدمير القدرات الإيرانية، والسبب في كل ذلك إسرائيل، وإسرائيل وحدها، وبالتالي فالأمريكيون إسرائيليون أكثير من الإسرائيليين أنفسهم.

العدد 1140 - 22/01/2025