حتوتة الجدة في الشتاء!

 آخر ما حكته جدتي قبل أن تموت هي حكاية الضبع الذي غزا القرية في ليلة باردة غطت فيها الثلوج البيوت كلها..هذه الأيام نستعيد كل ما خزنته الذاكرة من حكايات جميلة تركتها الشتاءات التي مرت، ومن بينها حكايات الجدة في ليالي الشتاء..

في حكاية (الضبع الذي غزا القرية) أكثر من مغزى، فقد كان الضبع جائعاً، وكانت القرية قد بدأت تتسع، وراح السكان يبنون بيوتاً جديدة على أطرافها، أي أن الضبع اختار بيتاً متطرفاً ليتمكن من التهام من فيه قبل أن يصل السكان الآخرون لإنقاذه!

وفي هذه الحالة يبقى الخيار لسكان البيت، فهل سيستسلمون للضبع أو يقاومونه؟

في حكاية جدتي، كان ثمة امرأة عجوز في البيت تعيش وحدها، وكانت تشعل الحطب في الموقد وتغزل الصوف، عندما أحست أن الضبع يحاول فتح ثغرة تحت الباب بعد أن نفذ من أكوام الثلج إلى الباب الذي يمكن له كسره والدخول منه!

لم يستطع الضبع كسر الباب، فقرر حفر نفق تحته والدخول إلى البيت، وباشر الحفر، وكانت طريقته ناجحة، فالأرض ترابية رطبة ويمكن النفاذ منها إلى قلب البيت الذي يهاجمه!

كان أول عمل قامت به الجدة هو تمالك أعصابها وتفكيك الأسئلة التي تواردت إلى ذهنها عن الحركة الدؤوبة التي تجري في أسفل الباب. سارعت إلى سكة المحراث ووضعتها داخل الموقد، وراحت تنتظر وهي تغزل الصوف وتحكي لنفسها قصصاً طريفة من الحياة..

وكان الضبع يتابع محاولته، وكانت الأرض مطواعة له، وكانت القرية تستكين إلى برد الشتاء وثلوجه، ولا تعرف ما الذي يجري في ذلك البيت الذي يقع في أطراف القرية..

في آخر موجة من حركة الحفريات، ظهرت يد الضبع الأولى من تحت الباب، وعرفت الجدة أن المعركة اقتربت مع الضبع الجائع، تمالكت نفسها وهي تنظر إلى الموقد وسكة المحراث، ورمت قطعة حطب جديدة في الموقد فتوهجت النيران حول السكة!

امتدت اليد الثانية للضبع، وكان هذا يعني أن خطته نجحت، وما هي إلا لحظات حتى يسيطر على من في البيت ويلتهم العجوز المتماسكة..

بعد أقل من دقيقتين دفع الضبع برأسه، ثم حرك عينيه يبحث عن الفريسة، فالتقت عيناه بعيني العجوز وهي تغزل الصوف. تمالكت نفسها ورنت إلى سكة المحراث..

نهضت بهدوء، وكان الضبع قد أدخل رأسه كاملاً، وكانت سكة المحراث قد توهجت كقطعة جمر.. حملتها من الطرف الخشبي، واقتربت من الباب.. قالت له: أنت مسكين. لن تحصل على طعامك!

وغرست سكة المحراث في رأسه، فتعالى صوته يوقظ القرية كلها:

إنه الضبع.. لكنهم تأخروا عنه، فقد شاهد الجميع عند الصباح رأسه المقطوع عند بوابة خشبية رميت إلى جانبها سكة المحراث القديم التي أنقذت العجوز!

العدد 1136 - 18/12/2024