الإرهاب يحتضر.. والمصالحات تتسع.. وأمريكا تتخبط

مع كل طلوع شمس تطالعنا الأنباء بانتكاسة جديدة للإرهاب وقواه وفصائله، وتنضم يومياً مدينة أو بلدة أو قرية جديدة إلى قائمة المواقع المحررة، والتي يسارع أهاليها إلى الانخراط في عمليات التسوية مع الدولة، حيث يستفيد أبناؤها الذين انضموا يوماً ما إلى الفصائل المسلحة من مراسيم العفو الرئاسية، ويعودون إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية.. هذه العمليات تتسع يومياً وتشكل نوعاً من التصالح الأهلي الذي يكرس العمل السياسي وسيلة لإيجاد الحلول.

إن أهمية المصالحات تكمن في أنها تعلن للعالم فشل مشروع إسقاط الدولة الوطنية السورية، فالذين يتصالحون مع الدولة الآن هم أنفسهم الذين حملوا السلاح ضدها في يوم من الأيام، وهم الذين استنتجوا، بعد أن دفعوا أثماناً باهظة بالطبع، أن المشروع الذي يقاتلون في صفوفه ليس مشروع (ثورة شعبية) مزعومة، بل مشروع فتنة خارجية استغل ظروفاً داخلية معينة لإحراق سورية وهدمها على رؤوس أبنائها، وتخريب كل ما بنته سواعدهم السمر.

إن استيقاظ ضمائر أعداد كبيرة من الشباب والقطع مع الفصائل المسلحة الإرهابية وإدراكهم (المتأخر) لفداحة الخطأ الذي وقعوا به، يدل على أن الانتماء للوطن هو أقوى الانتماءات، وأن خداع الناس بأساليب الفبركة، والنفاق، والخداع، والإغراء، كلها لا تصمد طويلاً أمام قوة الحقيقة وجبروتها، هي فرصة سانحة الآن لإعادة النظر بكيفية توجهنا نحو الشباب الذي يحتاج إلى رعاية، وإلى تلبية مطالبه المعيشية قبل كل شيء وتأمين مستقبل لائق له، إلا أن ذلك لا يكفي وحده، فالأمر يستلزم بكل جرأة ووضوح إعادة النظر بالثقافة وبمستوى الوعي ونوعيته التي تحيط بالشباب خصوصاً وبالجيل عموماً، سواء عبر الدروس التعليمية أو المناهج الدينية أو التربوية المتطرفة التي تغيّب العقل والعلم، وينبغي فضح الدور الإجرامي الذي تلعبه المملكة السعودية وعملائها في بلادنا وفي باقي الأقطار العربية عبر (شراء) أعداد كبيرة من رجال الدين والدعاة المزيفين لتسميم عقول الشباب العربي وللإسهام في عملية تمرير المخططات الاستعمارية والصهيونية في المنطقة.

إن التحول الميداني والسياسي باتجاه انتصار سورية وحلفها الوطني المقاوم، يجري بوتائر مقبولة، كان آخرها نتائج مؤتمر أستانا 4، الذي تحددت فيه مناطق التصعيد والانتقال إلى وقف إطلاق نار يفسح المجال أمام مؤتمر سريع ومكثف لأطراف جنيف 5 يبلور ما أمكن التوصل إليه من تفاهمات سياسية.

لكن الإدارة الأمريكية التي ارتبكت وأربكت معها العالم في مسلسل مواقفها المتخبطة تجاه الحل السياسي، تنحو يوماً نحو التهدئة، وتنقلب غداً إلى التصعيد والعنترية.. وفي الوقت الذي تدعو فيه إلى حشد القوى ضد داعش نراها تفتح جبهة جديدة في جنوب سورية، بالتعاون مع النظام الأردني الذي يلهث وراء دور غير مشرف له في المعركة ضد سورية، ومع بريطانيا وإسرائيل مؤخراً بهدف إيجاد ذلك الشريط الأمني الممتد من الحدود العراقية – السورية ليصل بالبادية السورية التي تصلها بأجزاء من محافظتي درعا والسويداء.

كما تسعى هذه الإدارة الأمريكية المتخبطة إلى الاستفراد بمعركة تحرير (الرقة) السورية، وتسجيل انتصار ما لها يمكّنها من المساومة وتشكيل ورقة ضغط رابحة.

ويتراءى لإدارة ترامب أن تأسيس قواعد عسكرية أمريكية في شمال شرق سورية هو الضمان الرئيسي لمصالحها في المنطقة، متجاهلة أن عصر القواعد العسكرية قد انتهى، وأصبح مثل لباس (البالة) العتيق في ظل التقدم في التكنولوجيا العسكرية، وفي ظل إرادة وصمود الشعب والجيش السوري وحلفاؤه الأوفياء في روسيا وإيران والصين والمقاومة، هذا الحلف الذي أثبت نجاعته وفعاليته وتغلبه على الحلف الإرهابي المدعوم إمبريالياً، الذي كاد أن يحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية، وفشل في ذلك.

سوف يتجه وفد الجمهورية العربية السورية إلى جنيف محملاً بتأييد الجماهير الشعبية بعربها وأكرادها وسائر الأقليات القومية، وبموقف واحد موحد كالطود، في وجه الذين توهموا يوماً أن سورية الشعب والدولة الوطنية والجيش الباسل يمكن أن ينحنوا أمام الغزاة، وها قد أثبتت سنوات الجمر الست أن سورية هي هكذا، لم ولن تنحني.

العدد 1136 - 18/12/2024