التلفزيون: اللعب والمتاجرة في آلام ومآسي الناس!
لم يكن أحد في العالم يتصور أن التلفزيون سيتحول في يوم من الأيام إلى واحدة من أبشع الوسائل في الترويج للمآسي أو لتزوير الحقائق أو لترويج الكذب والخداع، فالاختراع جميل ولطيف، ولم يكن ظهوره في الحضارة البشرية في القرن العشرين إلا خطوة علمية متقدمة!
ظهر التلفزيون كصندوق صغير للفرجة، في العقد الرابع من القرن العشرين، وكان هذا الظهور ثورة مهمة على صعيد إيصال الصورة إلى الناس سيجري العمل على تطويرها يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، إلى أن جاء السابع من تموز عام 1938 عندما تم بث مسرحية كاملة خلاله من برود واي عبر استوديوهات إن بي سي..
وفي العام نفسه أعلن دافيد سارنوف رئيس مجلس إدارة شركة آر سي إي أمام مؤتمر لجمعية مصنعي أجهزة الراديو طرح أجهزة التلفزيون للبيع للجمهور عند افتتاح المعرض الدولي عام 1939.
ما الذي جرى لصندوق الفرجة الذي أفرح المتفرجين في بيوتهم وهم يشاهدون فيه مايسعدهم، وما ينقلهم إلى أنحاء العالم للتعرف على ما ينتجه هذا العالم من فنون وأخبار؟
ما الذي جرى له فعلاً؟!
إن حقيقة ما جرى تعيدنا إلى المأساة، ففي البلاد الذي ظهر فيها التلفزيون لأول مرة استخدم للسيطرة على الرأي العام وتشويه صورة الواقع أو عرضها على غير حقيقتها، واستخدم أيضا للترويج للحروب العدوانية، واكتشفت آثاره على الأمريكيين بعد حرب فيتنام عندما اكتشفوا أن ما كانت تبثه لهم محطات الأخبار كانت ملفقة، وجعلت الأمريكيين يدفعون ثمنا كبيرا للحرب!
جرائم كبيرة ارتكبت على هذا الصعيد، حتى في الحرب التي احتلت فيها أمريكا العراق سوقت المحطات التلفزيونية الأمريكية والعربية لوقائع غير صحيحة فضللت الرأي العام، وجعلت العراقيين يدفعون أكثر من مليون قتيل ثمنا لهذا التضليل..
وأعادت المحطات التلفزيونية تجربتها في ماسمي بثورات الربيع العربي وفي الحرب على سورية، أي كانت محطات التلفزيون واحدة من أهم وأخطر الوسائل التي تسوق للحرب والدمار والقتل والفتنة!
والغريب أن إدارة الأقمار الصناعية التي تعتبر الجسر الأساسي للبث التلفزيوني عبر الفضاء لا تضع المحددات والنظم الكفيلة بمنع هذا الاستخدام، أو على الأقل تصمت عنها، ولذلك نشاهد الآن محطات تثير الكراهية وتحرض على العنف في العالم العربي، ومنها ما يبث من الأقمار الصناعية الغربية، ومنها ما يبث من الأقمار الصناعية التي استأجرها العرب كالنيل سات والعرب سات..
آخر موجة من موجات المحطات التي راحت تشغل المشاهد هي موجة المحطات التي تتعلق بالسحر والشعوذة والترويج للمنتجات التي يحتاجها هذا النوع من البث، ففي محطة (سجايا) مثلاً يمكن لنا أن نقرأ ترويجاً للخواتم الروحانية للمشعوذ أبي العباس، ويمكن أن نشاهد ترويجا لأعمال الحاجة أم زينب التي أذهلت علاجاتها الناس، ويمكن أنقرأ أنواعا من الترويج ما أنزل الله بها من سلطات!
هل أصبح التلفزيون النموذج الأبرز لقبح الحضارة؟ هذا السؤال جوابه أوسع من هذه العبارة، فقد أصبح التلفزيون أخطر وسيلة لاستخدام الحضارة في غير صالح الإنسان وإنسانيته وروحه ومشاعره!