ما زالت القضية الفلسطينية مزاداً علنياً في المحافل العربية والدولية
إيمان أحمد ونوس:
منذ تفتّح وعيُنا في هذه الدنيا ونحن نسمع بالقضية الفلسطينية كقضية محورية وأساسية في النضال العربي ضدّ المحتل الإسرائيلي، وفي كل مرحلة كُنّا نُصدّق أن تحرير فلسطين قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.. هرمنا وما زال الوضع على حاله، فالشِّعارات العربية والسِّعارات الإسرائيلية هي ذاتها مع اختلاف أدوات كل زمن!
فالقضية الفلسطينية كانت على مدى هذه العقود المستمرة منذ أواسط القرن الماضي كانت ومازالت الشغل الشاغل للمحافل الدولية التي ما فتئت تُصدر القرارات الأممية الداعية إلى الحفاظ على حق الفلسطينيين في أرضهم وعوده اللاجئين إليها، مع بضع إشارات إدانة للمحتل لا تُغني ولا تُسمن، إضافة إلى تخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الأعزل إلاّ من صبره وصموده وأمله في تحرير بلاده والعيش بكرامة وسلام. وعربياً كانت القضية الفلسطينية قضية كرامة ووجود، ومسألة محورية في التعامل مع القضايا الدولية.
لكن، ومع مرور الزمن غدت تلك القضية بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية ورقة ضغط ومساومة وتجارة رابحة لا أكثر، إضافة إلى أنها كانت الشمّاعة التي تُكبّل هذه الأنظمة شعوبها بها سواء اقتصادياً أو سياسياً، في الوقت الذي كانت بالنسبة لشعوب هذه الدول قضية شعب لا بدّ أن نناصره بمختلف الوسائل حتى يستعيد أرضه وأمنه وأمانه، وهذا ما بدا واضحاً في موقفه من الانتفاضات المُتعدّدة التي عاشها الشعب الفلسطيني وما يزال. كما أن هذه القضية المصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني لم تخرج يوماً عن كونها مجرّد قرارات أمميّة لم تتعدَّ الحروف والحبر الذي صيغت به، بالنسبة للغرب الذي عمل على خلق كيان إسرائيل في هذه المنطقة لتنفيذ العديد من الأجندات التي بدت واضحة وجليّة خلال العقد المنصرم، الذي شهد صراعات دامية في العديد من الدول العربية تكلّلت بما عُرف بصفقة القرن التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم، فكان الصدى الرسمي العربي لها توقيع المزيد من الاتفاقيات والتطبيع مع الكيان الصهيوني. إضافة إلى الرغبة المحمومة للبعض في إضفاء الطابع الديني على هذه القضية، في سعي محموم لأسلمتها وبالتالي تعزيز سعي إسرائيل لإقامة دولتها اليهودية على الأراضي الفلسطينية، وهذه الدولة تغتال ما بين الحين والآخر عدداً من القرى والأحياء لأجل هذا الهدف في ظلّ صمت مريع من العرب ورفض واهٍ من قبل الأمم المتحدة.
كل هذه المجريات والأوضاع فرضت على الشعب الفلسطيني استمرارية التصدي ومقاومة كل المشاريع الهادفة لاغتيال كيانه وقضيته التي تاجرت بها كل أمم الأرض وبضمنهم العرب الساعون لإرضاء أمريكا وقبول الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة انطلاقاً من فلسطين، وهذا ما يُعيدنا بالذاكرة إلى مجريات انتفاضة عام 2008 التي أذهلت العالم وقزّمت الأنظمة العربية إلى مستويات لم تعد فيها بقادرة على حماية كرامة شعوبها، أو اتخاذ القرارات السيادية حتى فيما يخص بلدانها حتى وصلنا إلى ما سُمّي بالربيع العربي الذي خلخل العالم العربي برمته، وقاد إلى مزيد من الخراب والدمار والتشرذم الذي خدم إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما بدا واضحاً وضوح الشمس للقاصي والداني، لاسيما خلال الحرب الدامية على غزة منذ أكثر من عام، مُخلّفة دماراً فظيعاً مُترافقاً مع استشهاد آلاف الفلسطينيين وغالبيتهم من الأطفال.
لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمن كل تلك الصفقات المشبوهة من دمه ووجوده، ومن شباب بدل أن يكونوا طاقات بنّاءة باتوا اليوم أرقاماً تُحصي من خلالها وكالات الأنباء أعداد الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن وجودهم وحقهم في أرضهم التي تقضمها إسرائيل يوماً بعد آخر لتُنشئ عليها المستوطنات، ولم تشفع للأمهات الفلسطينيات كل استغاثاتها وصرخات الاستنجاد بالضمير الإنساني.. فهيهات لتلك الصرخات أن تلقى الصدى!
ورغم كل هذا ستستمر الانتفاضات الشعبية الفلسطينية التي لم ولن تقبل بموت قضيتها التي ما زالت تراوح مكانها في ظلّ وقاحة الأنظمة التي طبّعت وتُطبّع اليوم جهاراً مع إسرائيل، وتجاهل تامّ للاحتفاليات الأممية التي لا تُشكل أكثر من مزادات علنية خاوية من أية قيم وأخلاق.