أين أطفالنا من كل القوانين والمعاهدات الدولية الداعية لحمايتهم من الاستغلال الجنسي؟
إيمان أحمد ونوس:
يُشكّل الأطفال في غالبية المجتمعات النسبة الأكبر من تعداد السكان، ورغم هذا فهم الحلقة الأضعف من شرائح مجتمع لا يولي الطفولة الاهتمام الضروري واللازم الذي نصّت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، مثلما نصّت الدساتير الوطنية، وذلك بحكم بنيتهم الجسدية والنفسية والعقلية. ولهذا، فقد شدّدت اتفاقية حقوق الطفل في المادة رقم 34 على ما يلي:
تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع:
أ-حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع.
ب- الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة.
ج- الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.
وفي سورية، صدر في عام 2021 قانون حماية الطفل رقم 21 الذي ينصُّ في المادة 14 منه على:
أ- للطفل الحق في الحماية من أشكال العنف كافةً، وخاصة الإساءة البدنية، أو المعنوية، أو الجنسية أو الأخلاقية، وغير ذلك من أشكال الإساءة في المعاملة، وله الحق في الحماية من الاستغلال، والإهمال، والتقصير، والتشرد، والأخطار المرورية، والممارسات الخطرة.
ب- تكفل الدولة إصدار التشريعات واتخاذ التدابير الإدارية والاجتماعية والتربوية والوقائية لتوفير هذا الحق.
ولأن استغلال الأطفال ارتفع منسوبه في العديد من البلدان التي تشهد نزاعات وحروب، أو مجاعات وما شابه، إضافة إلى استغلالهم جنسياً داخل شبكات الإنترنيت ومواقع التواصل المختلفة، فقد أعلنت الأمم المتحدة في عام 2022 يوم 18 تشرين الثاني من كل عام يوماً عالمياً لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء عليهم والعنف ضدهم والشفاء من ذلك، في سعي حثيث منها لتشديد الالتزام بزيادة الوعي العام بالمتضررين من الاعتداء الجنسي على الأطفال والحاجة إلى منع ومكافحة الاستغلال الجنسي لهم والاعتداء عليهم والعنف ضدهم وحتمية محاسبة الجناة، وضمان حصول الناجين والضحايا على العدالة وسبل الانتصاف، فضلاً عن تيسير النقاش المفتوح حول الحاجة إلى منع ومكافحة وصمهم، وتعزيز شفائهم، وتأكيد كرامتهم وحماية حقوقهم.
يُعدُّ استغلال الأطفال جنسياً جريمة إنسانية كبرى، لأنها موّجهة ضدَّ من لا يمتلكون القدرة على مواجهة المجرمين ولا الدفاع عن أنفسهم حتى تجاه أقرب المُقربين منهم. ويتخذ هذا الاستغلال أشكالاً مُتعدّدة منها مثلاً زواج الأطفال والزواج المُبكّر والقسري، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) فالزواج القسري أو المُبكّر هو شكل من أشكال الاغتصاب، وكذلك الختان الذي لا يزال شائعاً في بعض المجتمعات، فعندما ينتهك شخص ما جسد طفلة أو فتاة دون موافقتها، فهذه جريمة تغتال طفولتها ومختلف حقوقها الإنسانية.
لا شكّ أن عموم الأطفال والفتيات الذين تعرّضوا لانتهاكات جنسية، سيواجهون آثاراً جسدية ونفسية سلبية طويلة الأمد تؤثّر بشكل مباشر على صحتهم ونموهم الجسدي والعقلي والجنسي، خاصة أن العديد منهم لا يلجؤون إلى الاعتراف أو الادعاء خوفاً من وصمة العار التي ستلحق بهم، فيظلون في معاناة تُؤرق حياتهم ويعانون من عواقبها مدى الحياة على المستوى الشخصي. أما على المستوى العام، فإن لها عواقب وخيمة على الصحة والتنمية العالمية. ولهذا فقد أدرجت خطة التنمية المستدامة لعام 2030، كرامة الأطفال وحقهم في العيش دون عنف كأولوية خلال تنفيذ مجموعة أهداف جدول أعمال 2023 وغاياته التي تقضي بإنهاء الاستغلال والإيذاء والاتجار والتعذيب وجميع أشكال العنف ضد الأطفال، فضلاً عن القضاء على جميع الممارسات الضارة، كزواج الأطفال والزواج المُبكّر والقسري وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وضرورة إدراج هذه الأهداف كل سنة للوصول إلى عالم تتضاءل فيه مثل تلك الجرائم بحق الأطفال في كل مكان.
حقائق وأرقام:
تشير التقديرات في كلّ أنحاء العالم إلى تعرض ما يقرب من 120 مليون أنثى تحت سن العشرين لأشكال مختلفة من الاتصال الجنسي القسري. وفي حين لا توجد تقديرات عالمية متاحة للعنف الجنسي ضدَّ الأولاد، تشير البيانات الواردة من 24 دولة ذات دخل مرتفع ومتوسط إلى أن معدل انتشار تلك الممارسات يتراوح بين 8٪ إلى 31٪ بين الفتيات و3٪ إلى 17٪ بين الأولاد دون سن 18 عاماً.
البالغون الذين مروا بأربع تجارب طفولة سلبية أو أكثر، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والجنسي والعاطفي، هم أكثر عرضة بنسبة 7 مرات للتورط في العنف بين الأشخاص إما بوصفهم ضحايا أو بوصفهم مرتكبي ذلك النوع من الجرائم، وهم أكثر عرضة لمحاولة الانتحار بنسبة 30 مرة.
اعترف واحد من كل 20 رجلاً بممارسة سلوك جنسي عبر الإنترنت تجاه الأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن 12 عاماً.
بعد كل ما تقدّم، وأمام الواقع الذي يعيشه أطفالنا، هل نتلمّس أيّ أثر فاعل وجاد لمواجهة مختلف أشكال العنف والاستغلال التي تواجه الشريحة البريئة الأضعف في مختلف المجتمعات؟!