من يجرؤ على الإجابة؟!
د. أحمد ديركي:
تبقى فلسطين، مهما خانتها أنظمة العالم برمّته وبكل مسميات هذه الأنظمة، بوصلة النضال والقضية الأساسية لكل مناضل أينما وُجد في العالم. تبقى بوصلة النضال لأنها القضية الأساسية الحاملة لراية حق نضال الإنسان في تحرير أرضه من كل أشكال الاحتلال، مهما تنوعت صيغ هذا الاحتلال.
كل داعم، سواء كان شخصاً أو نظاماً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، للقضاء على فلسطين هو خائن يستحق الاعدام. والإعدام سوف ينفذه المناضلون لتحرير فلسطين لا غيرهم.
جرت إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين برعاية وحماية قوى الاستعمار، بعد أن تقاسمت أرض إمبراطورية (الرجل المريض). ومنذ إقامة هذا الكيان ظلّ يرتكب أبشع جرائم يمكن للعقل البشري أن يتخيلها بحق الشعب الفلسطيني، وبحق كل مناضل لتحرير فلسطين تحت رعاية وحماية قوى الاستعمار. كيان يمثل العقلية الإجرامية وتراكم خبرات وتقنيات الإجرام الاستعماري. فقوى الاستعمار تتفنن في ابتكار وسائلها الإجرامية وتدرب الكيان الصهيوني لتنفيذها، فيرتبط الفكر الإجرامي الاستعماري بالفعل الإجرامي.
ومهما قيل عن توصيف هذا الإجرام الاستعماري المنفذ بواسطة الكيان الصهيوني يبقى القول عاجزاً عن التوصيف. وها نحن اليوم منذ أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم نشهد مدى نسب تطور العقل الإجرامي الاستعماري المنفذ بواسطة الكيان الصهيوني في فلسطين وفي خارجها.
أي بعبارة أخرى، الراعي الأول لعقل الإجرام العالمي هو الولايات المتحدة الأمريكية، وما الكيان الصهيوني سوى إحدى أدوات هذا العقل الاجرامي. فمن يحتل فلسطين هو العقل الإجرامي الأمريبكي، ومن يرتكب أبشع الجرائم بحق البشرية هو الأمريكي، ومن يقتل المقاومين لهذا الإجرام هو الأمريكي. أيْ الأمريكي هو العدو الأول، متى قُتل يموت بالفور الكيان الصهيوني. وما دام التعامل مع الكيان الصهيوني خيانة تستحق الإعدام، فالتعامل مع الكيان الأمريكي جريمة أبشع من الخيانة، لذا فإنها تستحق الإعدام بلا محاكمة.
نعم، الكيان الأمريكي لا (الدولة) الأمريكية. فالتشابه واضح جداً بين الكيان الأمريكي والكيان الصهيوني من ناحية التأسيس. الأمريكي، وهو في الأصل مجموعة من المنفيين الأوربيين، أباد سكان الأرض الأصليين، الهنود الحمر، وأقام كيانه الاستعماري على أرضهم ملغياً وجودهم، ومحولا إياهم إلى تحف تعرض في بعض المتاحف. والكيان الصهيوني غرسته بالقوة القوى الاستعمارية، وتحديداً البريطانية والفرنسية، نعم، تحديداً البريطانية والفرنسية، ومن يقول فقط بريطانيا عليه أن يعود إلى دراسة تاريخ المنطقة، على أرض فلسطين، ومنذ أن غرس على أرضها وهو يعمل على قتل وتهجير الشعب الفلسطيني. واستكمل رعايته الكيان الأميركي ليستكمل هذا الكيان الصهيوني مسيرة تأسيسه على غرار ما فعله الكيان الأمريكي.
والأوربي، وفقاً للتاريخ الإجرامي، لا يختلف كثيراً في إجرامه عن إجرام الكيان الأمريكي، وما جرائم الحرب العالمية الثانية إلا دليل راهن على هذا العقل الإجرامي. وجرى توريث الفكر الإجرامي الأوربي والأمريكي للصهيوني لينفذه في الشعب الفلسطيني وفي كل مقاوم لهذا الكيان وما يمثله.
غُرس الكيان الصهيوني لمهمة محددة ومعروفة، منذ أول غرسه، في العالم العربي. عالم دوله الآن تكرس غرس هذا الكيان على أرض فلسطين. عالم عربي كثير من دوله لا تكتفي بالتطبيع مع الكيان بل تدعمه أيضاً في محاولته القضاء على الشعب الفلسطيني. فالأردن المطبعة تفتح حدودها لتزويد الكيان بما يحتاجه، وتغلق حدودها بوجه مساعدة الشعب الفلسطيني، وتقمع شعبها وتمنعه من المشاركة في مساندة الشعب الفلسطيني. مصر المطبعة تقوم بما تقوم الأردن. الإمارات المطبعة تفتح أسواقها للاستثمارات الصهيونية لتسهيل تمويل الأسلحة التي يستخدمها الكيان لقتل الشعب الفلسطيني. قطر تفعل فعل الإمارات. وحامي الحرمين الشريفين غير المطبع علناً حالياً يعقد صفات أسلحة مع الكيان الأمريكي بمليارات الدولارات، وهي طريقة غير مباشرة لدعم الكيان الصهيوني مادياً لقتل الشعب الفلسطيني. لا مجال لذكر بقية الدول العربية المطبعة وخيانتها للقضية العربية. دول مطبعة مع كيان يهينها يومياً وينتهك اتفاقيات التطبيع معه ولا تجرؤ حتى على قول إن هذا الكيان لا يلتزم ببنود التطبيع معها. (مثال: هنا يمكن العودة بالحد الأدنى إلى إعادة قراءة بنود التطبيع، اتفاقي كامب ديفيد، المذلة مع مصر للاطلاع على قضية معبر فيلادلفيا). ولا تجرؤ حتى على النطق بإمكانية إلغاء اتفاقيات الذل المبرمة مع الكيان. كيف لها أن تفعل هذا وهي تلعق حذاء الكيان الأمريكي كي يبقي حكامها على كرسي الرئاسة؟
ما دام الكيان الأمريكي ومبعوثوه المفاوضون الناطقين باسم الكيان الصهيوني، كما مبعوثي الكيان الصهيوني الناطقين باسم الكيان الأمريكي، مرحّب بهم في أي بلد عربي، فهذا فعل خيانة يستحق إعدام فاعله.
كل علاقة (طبيعية) بين أي دولة عربية والكيان الأمريكي هو فعل خيانة للقضية الفلسطينة وللمقاومة الفلسطينية لأنه كيان لا يختلف عن الكيان الصهيوني إلا بالشكل.
فما يحدث من خيانة الدول العربية، المطبعة والتي بطريقها إلى التطبيع، للقضية الفلسطينية أقل ما يقال فيه:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض
فما أشرفكم!
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟!
(من قصيدة مظفر النواب)
وهذا ما فعلته (المغتصبة)، لم تسكت وما زالت تقاوم، وما زال حكام العرب يدخلون كل زناة الليل إليها، وما من حاكم منهم يجرؤ على إجابة سؤال مظفر:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟!