طوفان الأقصى.. ذريعة أم نتيجة؟ قراءة في جذور الصراع

د. عبادة دعدوش:

تتدحرج الأحداث في المنطقة ككرة ثلجية، تُظهر دوامة من التوترات والحروب التي تؤجّج الأوضاع في كل من غزة ولبنان.

بعد طوفان الأقصى، خرجت التساؤلات.. هل هو سبب هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة، أم أنه نتيجة لعقود من الاحتلال والمعاناة؟

لتحليل هذا الأمر، يجب علينا الغوص في عمق الآلام والتجارب، ومقارنة الجرائم التي ارتكبها الكيان المحتل منذ تأسيسه، بالتحولات التي أحدثتها قوى المقاومة خلال أحداث (طوفان الأقصى).

 جذور الصراع.. من الاحتلال إلى الثورة: منذ النكبة عام 1948، تعرض الشعب الفلسطيني لممارسات قمعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي. شَهد التاريخ على جرائم مُروّعة، تبدأ من التهجير القسري لملايين الفلسطينيين، وصولاً إلى الاعتداءات المُتكرّرة على حقوقهم الإنسانية، ولا تنتهي عند تفكيك الأراضي ومصادرتها وتهويدها. هذه الانتهاكات المُمنهجة وضعت بذور الألم التي تفجّرت لاحقاً في صراعات ونزاعات مُتعاقبة، لم تنطفئ نيرانها حتى اللحظة.

على الجانب الآخر، تبرز التجربة الفلسطينية في المقاومة كاستجابة لأجيال من الظلم. فقد تشكّلت قوى المقاومة كستار للدفاع عن الحقوق والمقدسات، مُشعلةً فتيل الأمل في وجه اليأس. وأمام كل اعتداء، تزداد العزيمة، ويُعيد الأبطال تشكيل ملامح التاريخ. هنا نجد أن طوفان الأقصى ليس فقط صاعقة تندلع بين حين وآخر، بل هو تجسيد لإرادة الشعب في مواجهة الظلم. طوفان الأقصى هو تعبير عن القلق الإقليمي والدولي، فمع تصاعد الأحداث في المنطقة العربية، يُصبح طوفان الأقصى هو الشمّاعة التي تُعلّقُ عليها جميع حروف الأزمات.

وهنا، يجب علينا طرح السؤال التالي: هل تعود كل هذه الأزمات فعلاً إلى هذا الحدث المُفاجئ، أم أن المشكلة أكبر وأعمق من ذلك بكثير؟

تُجسّد الجرائم الإسرائيلية المتتالية في غزة ولبنان واقعاً مُؤلماً، فقد تعرضت شعوب هذه المناطق لانتهاكات فظيعة. فمع كل قذيفة تُطلق، أو مئذنة تُهدم، يرجع الصوت المدوي لذكريات النكبة إلى الأذهان. هنا يُظهر طوفان الأقصى نفسه كعرض ميداني للتصعيد، ولكنه ليس السبب الجذري. بل إنه نتيجة لعقود من المعاناة والاحتقان.

في هذه المعركة، تُواجه قوى المقاومة التحديّات بعزيمة وتصميم لا يلين. مع تفاقم الأوضاع، يتحول الغضب الناتج عن الاعتداءات إلى طاقة تُحرّك الجماهير للتمسّك بحقوقهم، فتندلع شرارة المواجهة. ومعركتهم لا تتعلق فقط بالأقصى، بل بمسار تاريخي مليء بالآلام وتراكمات الذاكرة الجمعية التي تتطلّب مُحاسبة واهتماماً.

بين الجرائم والردود عند المقارنة بين ما ارتكبته القوات الإسرائيلية منذ تأسيس الكيان المُحتّل، وما قامت به قوى المقاومة خلال طوفان الأقصى، نجد أن كل طرف لديه سرديته الخاصة. فبينما تستند الجرائم الإسرائيلية إلى اعتداءات مُمنهجة تهدف إلى تفكيك الهوية والوجود الفلسطيني، تُقدّم قوى المقاومة نفسها كمدافع عن الأرض والمقدسات. ويمكن القول إن طوفان الأقصى هو ذروة لحظات التوتر التي تلت تجارب الماضي الأليم. ولكن، لا ينبغي أن نعتبره السبب الجذري لكل الأزمات. بل هو محطة مُعقّدة تكتنز الكثير من الدروس والعبر، صاخبة بالمشاعر والحماسة، قابلة للتحوّل إلى حركة عالمية تدعو لوضع حدٍّ للظلم.

في النهاية، إن العمل نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة يتطلّب فهماً عميقاً للجذور التاريخية للصراع، والتأمّل في التجارب المُتعدّدة التي خاضتها الشعوب في سبيل حقوقها.

طوفان الأقصى قد يُعتبر جزءاً من تلك التجربة، لكنه يظلُّ ناقوساً يدق للإشارة إلى أن الصراعات في المنطقة لن تُحلّ ببساطة، بل تحتاج إلى حوارات حقيقية تُعيد الاعتبار للعدالة والحرية. ذلك أن القضية ليست مجرد أحداث متقاطعة، بل هي أكبر من ذلك بكثير!

العدد 1132 - 13/11/2024