كفانا موتاً ودماراً.. نحن شعوب نهوى الحياة ما استطعنا إليها سبيلا

إيمان أحمد ونوس:

كأن قدرنا في هذه الأرض هو الحروب المُعمّدة بالقهر والحزن والموت العبثي، رغم أننا وعلى مرّ التاريخ والأزمان شعوب تعيش الحياة بكل أبعادها المحمّلة بالفرح والحب والأمل.. مثلما كانت أوطاننا بلاد الجمال والأمان والسلام.. بلاد كانت إلى وقت قريب موئل الباحثين عن الجمال والسعادة.. وموطناً للذين ضاقت بهم ديارهم وبلادهم.

نعم، نحن شعوب لا تهوى الحروب والموت والخراب، لكننا ابتُلينا منذ حوالي القرن من الزمن بسرطان استنزف طاقاتنا الخاصة والعامة، مثلما صار وبقي بأخطاره القائمة والمُحتملة حتى اليوم شمّاعة حكومات استنزفت هي الأخرى غالبية الأحلام والطموحات بذريعة المواجهة والتصدي لمخاطر هذا العدو الأزلي. وهكذا، وصولاً إلى ما عاشت غالبية الدول العربية في العقدين الأخيرين من حروب كانت أقذر وأقسى وأشنع حروب عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية من حيث التفتيت والتقسيم والموت والدمار والقهر مُتعدّد الأشكال والاتجاهات. حروب فرضتها مصالح دولية واسعة تسعى لبسط هيمنتها من أجل استغلال خيراتنا واستنفادها، وحروب أخرى داخلية بفعل مصالح ضيّقة لا تتعدّى شهوة السطوة والسلطة والمال والتبعية المُخزية، على حساب خراب بلدان بكل ما فيها من مقومات التطور في مختلف مجالات الصناعة والتجارة والزراعة.. الخ، وكل ما تحتويه من تراث وآثار تتغنّى الشعوب ببهائها، حتى أُدرج الكثير منها في سجلات التراث العالمي، لكن الطامعين أرادوا دفن هذا التراث ومحوه من الوجود، كي نكون مثلهم شعوباً بلا ذاكرة ولا تاريخ أو تراث يدوّن حضورنا الإنساني.

إن ما نشهده من حروب اليوم، لاسيما في غزة ولبنان وسورية عار يندى له جبين البشرية جمعاء، بسبب الصمت الدولي عن جرائم العدو الصهيوني الذي يسعى منذ أن أُنشئ إلى طمس معالم الحياة العربية في المنطقة، ليسود فيها منطقُهُ ورؤاه التي يحاول بناء وجوده الزائف عليها.  هي حرب على حساب شعوب تسعى أولاً للسلام والأمان، مثلما تنشد التميّز والتمازج مع الشعوب قاطبة.

من هنا يمكننا أن نُدرك أبعاد وأهداف تلك الحرب الهمجية، التي أطاحت ودمّرت مدناً بأكملها، مثلما شرّدت وهجّرت شعوباً صارت أشلاءً مبعثرة في أرجاء المعمورة بعد أن كان بعضها كسورية ولبنان ملاذ اللاجئين والتائهين، والهاربين من نير الطغيان والحروب.

أجل، هي حرب يهدف حطّابوها ووقّادو نارها أن يعيدوا تشكيل المنطقة بما يتوافق مع أطماعهم في مخزون البلد وثرواته، مثلما يهدفون لطمس وإبادة معالم وآثار حضارة عمرها آلاف السنين، ويسعون لترويض شعوب لم ترضخ يوماً لأعتى أشكال الاستعمار والاستبداد، لكنهم اليوم يتحدثون باسمهم في كل المحافل، وهم غافلون ومتغافلون عن أنه لو تُرك الخيار للشعوب، لانتهت تلك المأساة ولما طال أمدها كما يريد نيرون مصالحهم.

فيا أيها الطغاة والقتلة والسفاحون.. يا كل مجرمي الحروب وتجّارها وسماسرتها، كفاكم طغياناً واستباحة لحياتنا، لأماننا وسلامنا.. أوقفوا آلة حربكم هذه، فنحن شعوب تهوى الحياة ما استطاعت إليها سبيلا.

العدد 1132 - 13/11/2024