تفعيل التشابك الزراعي الصناعي
فؤاد اللحــــام:
يُقصد بالتشابك الزراعي الصناعي العلاقة التبادلية والترابط بين سلسلة حلقات الإنتاج في هذين القطاعين، فيما يتعلق بتوفير احتياجات كلٍّ منهما حالياً ومستقبلاً، سواءٌ من مستلزمات الإنتاج والإنتاج الجاهز أو نصف المصنّع.
يلعب التشابك الزراعي الصناعي دوراً هاماً في تطوير هذين القطاعين والقطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى، ويساهم بشكل ملموس- في حال إدارته بالشكل المطلوب – في تحقيق العديد من أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ففي المجال الزراعي، يحقّق التشابك الزراعي الصناعي مجموعة من الأمور الهامة، في مقدمتها توفير الطلب المستقر والدائم على الإنتاج الزراعي والحيواني، واستقرار دخل المزارعين واستقرارهم في أراضيهم، والتشجيع على التوسع وزيادة المردود وخفض الكلفة وتحسين النوعية، والمساهمة في خلق فرص العمل وتحسين سبل العيش. يضاف إلى ذلك تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وكذلك من المنتجات الغذائية وغيرها.
وفي المجال الصناعي، يساهم التشابك في تأمين مستلزمات الإنتاج الصناعي من المنتجات الزراعية والحيوانية بشكل دائم ومستقر، وتوفير تكاليف الاستيراد والنقل والتخزين والقطع الأجنبي، وخلق طلب دائم ومتطور على المنتجات الزراعية والحيوانية، وتلبية احتياجات القطاع الزراعي من مستلزمات الإنتاج والآليات الزراعية والأسمدة وأجهزة الري الحديث والأعلاف والأدوية البيطرية والمبيدات ومواد التعبئة والتغليف. إضافة إلى زيادة الطلب على منتجات وخدمات القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى، مثل البناء والنقل والمواصلات والتدريب والتعليم والبحث والتطوير وتوفير فرص ومجالات عمل جديدة في هذه المجالات.
أدت الأزمة إلى منعكسات سلبية عديدة على التشابك الزراعي الصناعي، من أهمّها: تدمير العديد من المعامل العامة والخاصة، وقصف وتخريب وتلويث مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، إضافة إلى خروج مساحات واسعة من الأراضي التي تنتج مستلزمات الإنتاج الصناعي، مثل القمح والقطن خارج سيطرة الدولة. ويضاف إلى كل ذلك ضعف الإجراءات الحكومية في معالجة هذه الأسباب والمشاكل، وفي مقدمتها موضوع تسعير المحاصيل التي تقوم الجهات العامة بشرائها وتسويقها كالقطن والقمح والشوندر والتبغ والعنب العصيري والحليب وغيرها، بما يشجع المزارعين على الاستمرار في الإنتاج وتسليمه للجهات العامة المعنية سواء التي تقوم بتسويقه أو استخدامه كمادة أولية.
على أرض الواقع، يفتقر القطاع الزراعي، اليوم، إلى مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد ومحروقات ومبيدات …الخ، بالنوعية والكمية وبالسعر المناسب لهذه المستلزمات، إضافة إلى ارتفاع أجور الخدمات التي تحتاجها عمليات زراعة المحاصيل المنتجة وقطفها وحصادها وتسويقها ونقلها. كما تعاني المنشآت الصناعية التي تستخدم مستلزمات الإنتاج الزراعية من انخفاض كميات الإنتاج وتدني نوعيتها وارتفاع أسعارها، ما يؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار المنتجات النهائية، وحتى نوعيتها، ما ينعكس على تسويقها داخلياً وخارجياً.
معالجة المشكلات العديدة التي ذُكر قسمٌ هامّ منها تتطلب دراسة مستفيضة ومتخصصة لكل من هذه المشكلات تمهيداً لاقتراح الإجراءات الفعالة اللازمة لمعالجتها والبرنامج الزمني لتنفيذها. وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة هنا إلى إحدى الصعوبات التي تواجه التشابك الزراعي الصناعي وهي تسعير الجهات المعنية للمحاصيل الزراعية التي تسوقها أو تستخدمها في الإنتاج كالقمح والقطن والشوندر السكري والتبغ والعنب العصيري وغيرها.
لقد اعتدنا خلال المرحلة الراهنة على قيام الجهات العامة المعنية بالإعلان عن سعر المحصول بعد دراستها لتكاليفه. ويكون رد الفعل على هذا السعر إما الترحيب به من قبل بعض الجهات لفترة قصيرة و/ أو انتقاده بعد فترة وجيزة لعدم تناسبه مع تكاليف الإنتاج وعدم تحقيقه عائداً مجزياً يشجع على الاستمرار في إنتاجه وتسليمه للجهات العامة المعنية. وقد أدت هذه الحالة إلى تراجع كميات الإنتاج المسلّمة للجهات الحكومية أو تهريبه أو الاستعاضة عنه بمنتج آخر أكثر مردودية.
من هنا من الممكن أن يكون الحل الأنسب والأفضل لتسعير هذه المنتجات هو إعلان الجهات المعنية عن سعر اولي يتضمن الأسعار الفعلية والتقديرية لمكونات هذا السعر في فترة الإعلان عنه، والتعهّد بتوفير مستلزماته بالوقت وبالسعر وبالنوعية المطلوبة، وعكس أية زيادة فعلية تطرأ على أسعار وتكاليف هذه المكونات خلال الفترة الفاصلة بين زراعة المحصول وتسليمه، وبذلك يكون السعر المعلن في البداية سعراً أولياً تتعهد الجهات المعنية بعكس أية زيادات طارئة عليه خلال هذه الفترة لحين استلامها له.
من المؤكد أن هذا الإجراء من شأنه أن يعالج موضوع التسعير، لكنه في الواقع، يجب أن يكون جزءاً مكملاً ومتكاملاً من دراسة مستفيضة ومتخصصة تتضمن الإجراءات الفعالة اللازمة لمعالجة المشكلات التي تواجه التشابك الزراعي الصناعي والبرنامج الزمني المحدد والملزم لتنفيذها.