للعام الجديد.. آمال منسيّة وقهرٌ مُقيم

إيمان أحمد ونوس:

مع الأيام الأخيرة للعام الراحل وإطلالة عام جديد، لا نبتغي كلاماً إنشائياً تقليدياً ككل الأعوام، ولا نصبو لآمال ملّت مطالبنا لأنها وعاماً بعد آخر باتت من منسيات السوريين في وطن خابت آماله أيضاً في أن يكون وطناً يحمل لأبنائه كل الخير والأمان والحماية والكرامة.. وطناً يكون الملاذ في المحن، والأمان حين يدهمنا الخطر، والطمأنينة حين الخوف من طامع أو مستغل.

بعد سنوات وسنوات من حرب مرّت وكأنها ما زالت كابوساً يرابط على صدورنا رغم انطفاء نيرانها وخمود ضجيج مدافعها وهدير طائراتها وأزيز رصاصها، لكن نيران الغلاء كانت وما زالت أشدَّ ضراوة، ورصاص الفساد والفاسدين الذين اغتالوا كل الوطن وأبنائه وخيراته أفظع وأكثر وحشية لأنهم لم يتركوا حتى بقايا فتات لملايين السوريين الذين تركوهم أفقر فقراء العالم.. وضجيج الشعارات والخطابات الفارغة من أيّ معنى وفعل حقيقي أشدُّ فظاعة، لأنها لا تحمل إلاّ الاستهزاء ممّن صبر وصمد وتمنّى أن يعود الوطن حصناً منيعاً لنكون في ربوعه موفوري الكرامة والإنسانية التي هجرتنا منذ سنوات وسنوات.

بعد كل ما لاقينا وما عانينا، وبعد كل الآمال التي كانت تحدونا عاماً بعد آخر بأن نعيش ضمن نطاق المقبول والمعقول، وبعد كل الخيبات والهزائم والخواء الذي لفّ ويلفّ كل ساعات أيامنا.. بعد الصقيع الذي عشّش في حنايا أرواحنا.. وهجير الإهمال والفساد الذي التهم بقايا إنسانيتنا، بعد كل هذا، لم يعد لنا آمال ننسجها ولا أحلام نصوغها، ففاقد الإنسانية والكرامة لا يمكن للآمال أو الأحلام أن تجد لها مكاناً في أجندات أيامه وسنواته.. لاسيما أن حكوماتنا المتعاقبة طيلة سنوات الحرب وما تلاها لم ترَ فينا ما يستحق التقدير رغم كل ما قدمناه من تضحيات، فجاءت خططها ومشاريعها استناداً لتلك الرؤية.. نعم، تلك الحكومات لم ترَ سوى مصالحها ومصالح أثرياء الحرب وتجّارها وحُماتها الذين يعملون على بقائها واستمرارها على سياسة التجويع رغم كل الخيرات التي تجوب أسواق العالم ونحن منها محرومون.. وكذلك استمرارها في رسم سياسات ضريبية لم يشهد لها التاريخ والاقتصاد مثيلاً لأنها تعتمد جيوب الذين تسميهم مواطنين رافداً أساسياً لخزينتها رغم الفقر والجوع والذلّ الذي نعيش، في تجاهل تام وهروب من الضرائب المفروضة على كبار التجّار والمستثمرين وأثرياء الحرب الذين باتوا كالفطر في ربوع البلاد يسرحون ويمرحون ويلقون القرارات دون حسيب أو رقيب.

فهل يمكن لحكومات كهذه أن تكون منقذاً، أو أن تحقق الآمال المرجوّة؟ أم هل يحقُّ لها أن تحكم وطناً كان لوقت ما وطناً، ومواطنون كانوا يوماً مواطنين وباتوا اليوم أشباه بشر يبحثون عن بقايا إنسانيتهم في حاويات أولئك الذين استوطنوا البلاد وحصدوا خيراتها؟

وعليه، لا نرى في القادم الجديد سوى المزيد من الآلام والقهر والفاقة والجوع.. فلم يعد في أيدينا ما يكفي كسرة خبز فكيف بحبّة دواء صارت ضنينة على كل مريض، أو لحظة دفء باتت أحلاماً منسيّة لغالبيتنا.. كيف لا وكل القرارات الحكومية غير المسبوقة في تاريخ الحكومات لم تترك ثغرة يمكن أن تنفذ منها كي تُضيّق الخناق أكثر على المسحوقين أساساً إلاّ واستغلّتها.. كيف لا ونحن نرى أن أيَّ كائن غريب في البلاد هو أفضل منّا في الحقوق، بينما نفوقه نحن في الواجبات؟ ألا نستحق أن نكون في نظر تلك الحكومات بشراً ننعم بإنسانيتنا ولو بحدودها الدنيا؟ ألا نستحق أن تكون لنا أحلاماً وآمالاً يحملها لنا العام الجديد؟ ثمَّ، ألا يستحق السوريون حكومات تعمل على مبدأ الوطن والمواطنة التي ينص عليها الدستور؟ عسانا نحظى بتلك الحكومات يوماً قبل أن نغادر هذه الحياة التي لم ترتقِ بنا وبإنسانيتنا التي نستحقها؟؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024