صوم!

محمود هلال:

حلّ شهر رمضان ومازال المواطن السوري يعاني من تدهور أوضاعه المعيشية والحياتية، ويعاني شتى أشكال الاستغلال وأبشعه، من تجار الحروب والأزمات، ويعاني أيضاً من غلاء فاحش بالأسعار مع تراجع القوة الشرائية لليرة، بسبب ضعف الرواتب والأجور وعدم تناسبها مع الأسعار الخيالية، إذ لا يتجاوز أفضل راتب الـ 200 ألفاً، بينما الأسعار زادت عشرات الأضعاف، وباتت المائدة الرمضانية تفتقد إلى العديد من الأطباق الأساسية.

وكما هي العادة مع حلول الشهر الفضيل، تقفز جميع الأسعار لتصل بقفزة واحدة إلى المريخ، وقلما تجد سلعة واحدة بقيت على حالها. فمنذ اليوم الأول لرمضان شهدت أغلب المنتجات الزراعية والسلع المتوفرة في الأسواق زيادة كبيرة في أسعارها، ويمكن قياس ذلك ابتداء من باقة البقدونس والبقلة مروراً بالبطاطا والباذنجان وصولاً إلى الخيار والليمون، ولا تنس الفواكه بجميع أنواعها.. وكذلك حدّث ولا حرج على أسعار اللحوم التي تراوح سعر الكيلو منها بين 60000 ليرة، وفي بعض المناطق وصلت إلى 100 ألف ليرة، والفرّوج الذي حلق عالياً ووصل إلى نحو 40 ألف ليرة، وكذلك الأرز والسمون والألبان والأجبان وكل ما يخطر على بال المستهلك.

والسؤال الذي يُطرح دائماً: ما الذي يحصل بين يوم وليلة؟ وما الذي يتغير على السلع بين شعبان ورمضان؟ أم أن هناك ذرائع ومبررات واهية جاهزة لذلك سلفاً؟!

وحلّ في هذا الشهر الأول من نيسان، يوم الكذب، والسؤال: كيف يتوافق الصوم مع الكذب؟! رمضان هو شهر الصوم، شهر العبادة، شهر الرحمة، لكن للأسف التجار لا يصومون، بل يكذبون ويغشون ويقسمون أعظم الأيمان ليحولوا هذا الشهر إلى موسم لتحقيق الأرباح وتكديسها من خلال زيادة الأسعار، واستغلال حمّى الشراء التي ترتفع في رمضان.

وكما هو معلوم، الأسواق تحكمها دائماً عملية العرض والطلب، ولكن أحياناً ينصاع الناس تحت تأثير الشائعات والخوف من ارتفاع الأسعار في رمضان، والمطلوب هو زيادة الوعي الاستهلاكي، إذ يمكن أن يحصل كلٌّ على حاجياته بشكل يومي ولا داعي للإسراف غير المبرر في هذا الشهر، والمطلوب أيضاً أن يبقي مصروفه كباقي أشهر السنة وألا يغالي كثيراً في المشتريات، وبذلك قد يمنع الغلاء ويخفّف، إلى حدٍّ ما، من استغلال التجار لهذا الشهر.

ومن جهة أخرى على المواطن أن يقوم بالدور الرقابي على السلع المطروحة في الأسواق، فهناك باعة يحاولون تمرير بضاعة وسلع فاسدة أو منتهية الصلاحية وبأسعار عالية، وعليه ألا يتردد في الاتصال بالجهات الرقابية والمعنية، التي هي عليها بالأساس القيام بهذه المهمة، وأن تشد أزر المواطن وتكون شريكة معه في ضبط الأسواق ومحاربة الغش وألا تتركه فريسة لضعاف النفوس وعديمي الأخلاق والضمير.

طبعاً حمى ارتفاع الأسعار في رمضان لا تنحصر في الأكل والشرب فقط، وإنما تمتد إلى السلع الأخرى كالألبسة وخاصة ألبسة الأطفال التي تصبح أسعارها فلكية وتفوق التصور، إذ يستغل التجار حلول العيد، وهذا يفرض على الأهل شراء الألبسة الجديدة لأطفالهم، الأمر الذي يعني دفع نفقات إضافية ويزيد كذلك من مديونية الأسر الفقيرة التي لا تستطيع الدفع نقداً.

إن المواطن الذي صمد وضحى وقاوم يستحق بكلّ تأكيد تأمين الحياة الكريمة له وحمايته من استغلال التجار والفاسدين والغشاشين، وذلك بضبط الأسواق، وبأن تقرر زيادة سريعة للرواتب والأجور لأصحاب الدخل المحدود والموظفين، لتقليص الفجوة الكبيرة الحاصلة بينها وبين الأسعار.

وكل رمضان وأنتم والوطن بألف خير!

العدد 1104 - 24/4/2024