التقرير السياسي الاقتصادي والمعيشي المقدم من المكتب السياسي لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد 25 – 26 /2021/11

ناقشت اللجنة المركزية التقرير السياسي واﻻقتصادي والمعيشي الذي قدمه المكتب السياسي، وأقرته بعد إدخال التعديلات المناسبة.

القسم السياسي:

أيها الرفاق؛

مستجدات عدة طرأت على المشهد السياسي، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الفترة ما بين اجتماعي اللجنة المركزية (السابق والحالي)، ونستعرض في تقريرنا أهم هذه المستجدات، وموقف حزبنا والمهام المطروحة أمام منظمات الحزب وجميع الرفاق، ونذكّر هنا بأن قيادة الحزب وصفت المرحلة الراهنة بأنها (الأخطر بتاريخ سورية المعاصر)، وطرأت هذه المستجدات وما سينتج عنها من تداعيات لتؤكد صحة تقييمنا.

 

على الصعيد الدولي والعربي

رغم الإيحاءات الصادرة عن الإدارة الأمريكية بالتعامل الإيجابي مع المشكلات الدولية التي تعيق استتباب الأمن والسلام العالميين، فإن السلوك العملي لإدارة بايدن لا يختلف من حيث الجوهر عن السياسات المعهودة لقلعة الامبريالية العالمية. فهي توتّر الأوضاع في أوربا، إذ تعتزم نشر قواعدها وصواريخها النووية في بولندا في سياق التهديد المباشر لروسيا، وشكلت حلفاً جديدا مع أستراليا وبريطانيا كي تمارس الضغوط على الصين، وتعرقل حل الخلاف حول اتفاق 5+1 مع إيران، وتحتل أراضي سورية، وتساند بقايا الإرهابيين وأنصار التقسيم في مسعى لتعقيد الأزمة السورية، ولإفشال الجهود السلمية لحلها، وتسعى مع حلفائها في المنطقة إلى ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على سورية، مترافقة مع عروض مفخخة بهدف الاحتواء.

إن مقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، والحذر من عروض الوسطاء (المطبّعين) يعد اليوم حسب اعتقادنا حجر الزاوية في تصليب سياستنا الوطنية، فما لم تحصل عليه الإدارة الأمريكية عن طريق غزو الإرهابيين، يجب ألّا تحصل عليه عن طريق الأفخاخ.

 

في الوضع الداخلي

  • أولاً- التهديد التركي:

وجد أردوغان في اللجوء إلى سياسة التهديدات باستخدام القوة والتلويح بالاجتياح العسكري للأراضي السورية، الطريقة الوحيدة للخروج من أزمته السياسية في الداخل، والأزمة التي يعانيها الاقتصاد التركي، إضافة إلى إصراره على لعب دور مرجّح في اختيار المستقبل السوري.

تهديدات أردوغان وممارسات المنظمات الإرهابية التابعة له في عفرين وشمال حلب والمنطقة الشرقية اصطدمت بإصرار سوري على تحرير إدلب وعفرين والمنطقة الشرقية من الاحتلال الأمريكي والتركي، وقد حُشد مزيد من القوات السورية، كما اصطدمت هذه التهديدات بالموقف السياسي الروسي والذي دُعم بوجود للطيران الروسي في القامشلي، كذلك لم يفلح أردوغان حتى الآن بفك الارتباط بين الأمريكيين والإدارة الذاتية حتى بعد لقائه ببايدن مؤخراً، كل ذلك أدى إلى تراجع التهديدات التركية مؤقتاً، لكننا لا نستبعد أن يرتكب أردوغان حماقة العدوان العسكري للخروج من أزمته.

ونكرر هنا موقف حزبنا بمقاومة الاحتلال التركي بجميع الوسائل ومنها المقاومة العسكرية.

  • ثانياً- الاعتداءات الصهيونية:

تناغم التهديد التركي وحشد القوات التركية مع الاعتداءات الصهيونية على مناطق عدة في البلاد، والمتابع لمغزى هذه الغارات الصاروخية يستنتج دون عناء الهدف الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني والمتمثل بإرهاق الجيش السوري، وتعقيد أي جهد سلمي لحل الأزمة السورية، وفرض الحلول التي تسعى إليها الإدارة الأمريكية وخاصة تقسيم سورية، وفرض الوصاية التركية على المناطق الشمالية والشرقية، وضرب محور المقاومة لضمان الاستباحة الصهيونية للمنطقة بأسرها.

 

  • ثالثاً- جهود التسوية السياسية:

رغم التوقعات المتفائلة بحدوث اختراق في مجرى لقاءات اللجنة الدستورية في جنيف، وترحيب أمريكي بعقدها، خرج الاجتماع الأخير لهذه اللجنة دون نتائج ملموسة، وفي تقرير بيدرسون عن أعمال الاجتماع الأخير، طالب بتدخل فاعل للولايات المتحدة وروسيا والدول الأخرى المتداخلة بالأزمة السورية، كما حمّل الحكومة السورية مسؤولية تمييع المفاوضات.

حزبنا كما تعلمون أكد على الحل السلمي للأزمة السورية وفق الثوابت الوطنية وبالاستناد إلى حوار سوري شامل تشارك فيه جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية.

وأعلن عن اتفاق الدول الراعية لمنصة (أستانا) على عقد اجتماع خاص للبحث في جهود التسوية السياسية، وذلك في الشهر القادم.

إن الاختراق المطلوب للقاءات جنيف مستحيل، حسب اعتقادنا، إذا لم تتخلَّ معارضة الرياض وأنقرة عن تبنّي مواقف الأمريكيين والأتراك ومبدأ (قم لأجلس مكانك) من جهة، ومن جهة ثانية موافقة الوفد الحكومي على بحث تعديل أو وضع دستور جديد يلبي طموح السوريين إلى دولة سيدة.. حرة.. ديمقراطية وعلمانية.

  • رابعاً- احتواء (أمريكي) بديلاً للصدام:

نشرت الصحافة الأمريكية والعالمية بعض التحليلات والوثائق التي تؤشر إلى سلوك جديد للإدارة الأمريكية تجاه المسألة السورية، ويتلخص هذه السلوك بالاستعاضة عن سياسة الصدام المباشر وغير المباشر مع الحكومة السورية، بسياسة (احتواء) سورية عبر حزمة من المشاريع المسوقة عربياً بشقيها السياسي والاقتصادي:

  • عودة سورية إلى الجامعة العربية.
  • إعادة العلاقات مع دول الخليج ومصر ودول عربية أخرى.
  • وعود بمساهمة فاعلة في إعادة الإعمار.
  • مشاريع مشتركة بمشاركة سورية (غاز-كهرباء) إلى لبنان.
  • استثناء أمريكي كيفي من قانون قيصر، وآخرها استثناء متعهدي منظمات الأمم المتحدة في سورية، وتحويلاتهم من وإلى المصارف السورية والدولية.

وكعادتها تلجأ الإمبريالية الأمريكية عند فشلها في إركاع البلدان المناوئة لعدوانيتها بالعدوان المباشر إلى إخضاعها عن طريق أخذها من الداخل، وهذا ما نبهنا إليه حتى قبل الأزمة والغزو الإرهابي عبر وثائق حزبنا وصحيفة (النور).

في هذا السياق تأتي زيارة الوفد الإماراتي الأخيرة إلى سورية، والحديث بعد الزيارة عن تنسيق ومساهمة إماراتية في تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوقيع عقد لإنشاء محطة كهروضوئية في ريف دمشق.

إن الانفتاح على سورية جاء بعد تضحيات لا تقدر بثمن بذلها الشعب السوري وجيشه الباسل في مواجهة الإرهاب والعدوان المباشر والحصار الظالم الذي خطط له ونفذه تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وكان الهدف الرئيسي لهذه المواجهة هو الحفاظ على السيادة.. ووحدة الأرض والشعب، ورفض تقسيم البلاد، ومقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني الساعي إلى استباحة المنطقة العربية والشرق الأوسط برمته، إضافة إلى تحقيق طموحات السوريين بمستقبل ديمقراطي.. علماني.. تقدمي، وهذا ما علينا التمسك به اليوم، وعدم التنازل عنه بعد تغير سياسات الدول تجاه سورية باتجاه الإذعان للأمر الواقع رغم محاولاتها المستميتة في الماضي القريب لخلق واقع جديد يتلاءم مع مصالح الأمريكيين والصهاينة باستخدام المنظمات الإرهابية وتمويلها ومساندتها.

لسنا ضد الانفتاح على سورية وخاصة بعد انتصار الشعب والجيش السوري، وهزيمة الإرهاب، بل العكس تماماً إذ يؤدي ذلك إلى فك الحصار السياسي والاقتصادي الذي فرضته الامبريالية الأمريكية وشركاؤها على بلادنا، ويساعد على تسهيل تنفيذ استحقاق إعادة الإعمار، وربما يساهم في إنعاش الاقتصاد السوري مما ينعكس تحسيناً للأوضاع المعيشية التي أرهقت السوريين، ولكننا وفي الوقت ذاته، نطالب بالحفاظ على الثوابت الوطنية السورية، والاستمرار في مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومساندة نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ودعم حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير، وإنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

  • خامساً -الحوار بين الحكومة والمنظمات الكردية:

يبذل الجانب الروسي محاولات حثيثة لاستئناف الحوار بين الحكومة وممثلي المواطنين الأكراد، واكتسبت هذه المحاولات أهمية بالغة بعد التهديدات التركية باجتياح المنطقة الشرقية وشمال حلب، وصدرت العديد من التصريحات عن المنظمات الكردية بأهمية استئناف الحوار والتنسيق مع الجيش السوري لمواجهة العدوان التركي المرتقب.

بعض هذه التصريحات لا تضع شروطاً على الحوار.. إلا الحوار، وبعضها الآخر يتضمن بعض الشروط الخاصة بحصة من إيرادات النفط ووضع (قوات سورية الديمقراطية) داخل تنظيمات الجيش السوري.

حزبنا الشيوعي السوري الموحد كان وما يزال مع الحقوق الثقافية المشروعة للشعب الكردي، وأهمية استهداف المنطقة الشرقية بخطة تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة بعد تهميش طويل لإنماء هذه المناطق، وأكد ومازال يؤكد أن نيل الحقوق السياسية والدستورية، التي يناضل حزبنا لتحقيقه يخص جميع السوريين.. بمختلف أطيافهم الإثنية.

لذلك نرى أن الحوار المفتوح غير المشروط هو السبيل الآمن للحفاظ على السيادة السورية، وتحقيق طموحات جميع السوريين بدولة ديمقراطية.. علمانية، تتسع لأطيافها السياسية والاجتماعية والإثنية.

 

أيها الرفاق؛

بعد استعراض أهم المستجدات السياسية، تبدو واضحة أمامنا صعوبة المرحلة التي تمر بها سورية، وشعبها وقواها السياسية الوطنية، ومنها حزبنا الشيوعي السوري الموحد.

وهذا ما يضع على عاتق حزبنا مسؤوليات ومهامّ لا بد من إنجازها على الصعيدين السياسي والتنظيمي:

  • الاستمرار في مقاومة الاحتلال الصهيوني الأمريكي التركي للأراضي السورية بجميع الوسائل.
  • التأكيد المستمر على سيادة بلادنا ووحدتها أرضاً وشعباً.
  • مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعم الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة.
  • التأكيد على موقف الحزب ببذل الجهود لإنجاح جهود التسوية السياسية للأزمة السورية مع الحفاظ على الثوابت الوطنية.
  • في أي تسوية سياسية للأزمة السورية لا بد من الاستجابة لطموحات الشعب السوري السياسية والدستورية والديمقراطية.
  • استمرار بذل الجهود لعقد مؤتمر حوار سوري شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، بهدف إنهاء الأزمة السورية ورسم المستقبل السوري الديمقراطي.. العلماني.
  • وللنجاح في تنفيذ هذه المهام علينا النضال مع القوى السياسية داخل الجبهة الوطنية التقدمية وخارجها، لدعم صمود بلادنا في مواجهة الاحتلال وبقايا الإرهابيين.

 

القسم الاقتصادي والمعيشي:

بات جليّاً للجميع أن الحكومة السورية اقتربت من حسم الأمر في اختيار التوجه الاقتصادي للبلاد، فبعد فترة امتدت منذ ما قبل الأزمة والغزو الإرهابي، حتى بدء عملية الاستقرار النسبي بعد استعادة معظم الأراضي السورية؛ كانت سياسات الحكومات المتعاقبة تحابي الأثرياء والنخب المالية (البازغة) وكبار التجار والمستوردين، وتهمّش مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، متذرّعة بتراجع الإيرادات العامة وظروف الأزمة والحرب، والحصار الجائر ثم (قانون قيصر)، لكن سياساتها كانت تتوضح شيئاً فشيئاً، خاصة بعد اعتمادها منذ عامين تقليص الدعم الاجتماعي، وتعويم أسعار السلع والخدمات، والتغاضي عن سيطرة المحتكرين وسادة الأسواق، في الوقت الذي ضربت عرض الحائط بكل النداءات والمناشدات بردم الهوة بين الأجور والأسعار، وأخيراً خصخصة 38 شركة ومصنعاً عائدة للقطاع العام الصناعي، تحت (مظلّة) الشراكة مع القطاع الخاص.

الوضع الاقتصادي لأهم القطاعات الاقتصادية المختلفة:

لنبدأ بالأداء الحكومي المترجم للبيان الوزاري المقدّم لمجلس الشعب، والذي لم يختلف من حيث الجوهر والأدوات والوعود عن بيانات الحكومات السابقة.

وعودٌ خلبية بدعم مطلق لقطاعي الزراعة والصناعة، دون إجراءات حقيقية تحدث فارقاً في وضع هذين القطاعين.

القطاع الزراعي

  • يواجه بشقّيه النباتي والحيواني تهديداً داخلياً تفوق آثاره ما خلفته الحرب القذرة من آثار.
  • السياسات الزراعية المعتمدة لم تستطع أن توائم بين الإمكانيات والاحتياجات.
  •   الدعم المقدّم لهذا القطاع لم يستطع أحد أن يقيس أثره على القطاع وتفرّعاته، فظل رقماً غير مرصود.
  • القرار بعودة العملية الإنتاجية كهدف، ودعم الزراعة بالمطلق، كانت أدواته أضعف من أن تكون حاملاً حقيقياً لقطاع منهك خارج من الحرب بخسائر بنيوية طالت الإنسان والأرض والمستلزمات وكل ما تم إنجازه خلال سنوات طويلة ماضية.

كل هذا أدى لزيادة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في ظل تراجع الإنتاج والإنتاجية، وانخفاض مؤشرات الأمن الغذائي، وبالتالي تراجع دوره على المستوى الوطني نتيجة العديد من الأسباب، وأهمها عدم توفير المستلزمات الأساسية من أسمدة وأدوية مكافحة وبذار وارتفاع أسعارها بشكل لا يستطيع الفلاح شراءها حتى لو توفرت.

أما القطاع الصناعي فمازال يرزح تحت وضع اقتصادي صعب ومعقد إضافة إلى المشاكل السابقة التي كان يعانيها، زاد عليها تبعات الحصار وجشع السماسرة وضعف أدوات الخروج من الوضع المأزوم.

التحديات الحقيقية يمكن أن يشار لبعضها وتتلخص في:

  • ضعف الرؤيا المستقبلية لهذا القطاع وعدم وضوحها.
  • ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج نتيجة الصعوبات في عملية الاستيراد.
  • ارتفاع تكاليف النقل والشحن.
  • انعكاس هذه الارتفاعات في الأسعار على تكاليف السلع المنتجة، وبالتالي المزيد من الضغط على المواطن.
  • تعقيد إجراءات منح القروض للمنتجين، إضافة إلى الفوائد المرتفعة.
  • نقص القطع الأجنبي، نقص الوقود والكهرباء.
  • جمود الأسواق وانخفاض الطلب المحلي بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتوقف العديد من المنشآت الصناعية والتجارية عن الإنتاج.
  • ضعف الإجراءات الحكومية المتخذة في مواجهة هذه الأوضاع.
  • عدم اعتماد وعدم تنفيذ برنامج متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي، وليعالج بيئة العمل التي يعمل ضمنها بكل مكوناتها الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية، وخاصة حل المشاكل البنيوية التي تتلخص بقدم خطوط الإنتاج، ونقص اليد العاملة المتخصصة والخبيرة، وضعف السيولة.
  • ازدياد حجم القطاع غير المنظم (اقتصاد الظل) والمنفلت من كل الضوابط.

القرارات والمراسيم التي صدرت بهدف تأمين مستلزمات الإنتاج للقطاع الصناعي وإعفائها من الرسوم الجمركية رغم أهميتها، لم تنعكس على جودة الإنتاج، ولا على تخفيض أسعار المنتجات في القطاعين العام والخاص.

كيف تعلن الحكومة في بياناتها وتصريحات المسؤولين فيها عن دعم الصناعيين والمنتجين بشكل عام، وتصدر في الوقت ذاته قراراتها المحبطة لأي جهد فعلي لتدوير عجلة الإنتاج؟

  • رفع أسعار السماد.
  • رفع أسعار الأسمنت.
  • رفع أسعار العلف.
  • رفع أسعار المازوت للصناعيين.
  • رفع أسعار الكهرباء والاتصالات.
  • وأخيراً البدء بتصفية القطاع العام الصناعي تحت شعار (التشاركية)، وعرض 38 شركة ومصنعاً منه للشراكة مع القطاع الخاص، والنية تتجه لعرض المرافق العامة للاستثمار على غرار الموانئ.

وتصدر تصريحات حكومية بالتعويل على تحفيز الاستثمار الوطني والأجنبي لإنهاض الاقتصاد السوري بعد صدور قانون الاستثمار، رغم علم الجميع أن الاستثمار الفعلي بحاجة إلى استقرار.. وأمن، وبيئة قضائية وإدارية نزيهة.. مستقلة، وقدرة شرائية لدى غالبية السكان، أكثر من حاجته إلى نصوص تشريعية وقانونية جامدة.

الأوضاع المعيشية:

وصل تدهور الوضع المعيشي لغالبية المواطنين السوريين إلى حدود مأساوية تنذر بالخطر، فقد اتسعت الهوة بين الدخول والأسعار وتفاقمت أكثر فأكثر، في الوقت الذي تواصل الحكومة فيه رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي، والمواد التموينية المدعومة، والكهرباء والاتصالات والأدوية، وتفرض المزيد من الضرائب والرسوم غير المباشرة على جميع الخدمات والمعاملات الحكومية، أما حجم الدعم الوارد في موازنات الحكومات، وآخرها الدعم المقدر في موازنة عام 2022 والبالغ نحو 5 تريليونات ليرة، فالله وحده يعلم أين يذهب!

وفي الوقت الذي تتذرع فيه الحكومة بعدم توفر المواد ونقص الإمدادات من الخارج، تجد هذه المواد على الأرصفة في سوق سوداء أصبحت (بيضاء) وعلى المكشوف.

والمثير للاستهجان هنا أن تقنين المشتقات النفطية والمواد المدعومة الأخرى بحجة العقوبات ونقص الإمداد، قابله إجراء حكومي بتوفيرها حسب الطلب، ولكن بأسعار لا يتحمّلها ولا يقدر عليها إلّا الأثرياء وتجار الأزمات وحرامية الأسواق!!

الحكومة والقطاع الخاص يرفعون أسعار السلع والخدمات متذرعين بارتفاع سعر الدولار، لكن ماذا عن المواطن السوري؟!

متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاع العام قبل الأزمة كان 15 ألف ليرة سورية، وفي القطاع الخاص 13 ألف ليرة، أي ما يعادل آنذاك 300 دولار، أي ما يعادل نحو مليون ليرة بأسعار الدولار اليوم، أما متوسط الأجور حالياً فيبلغ نحو 85 ألف ليرة، لكنها تساوي 30 دولاراً فقط!!!  فكيف سيتدبر المواطن أمر غذائه ودوائه ودفئه الذي يسعّر حسب الدولار؟

نطالب الحكومة بزيادة الرواتب والأجور بنسبة كبيرة، فبعض المؤشرات تنذر بالمجاعة.

عجز الموازنة.. من أين؟

بلغ العجز المقدّر في مشروع موازنة عام 2022، نحو 4 تريليونات ليرة، أي نحو 30% من حجم الموازنة البالغ 13 تريليون ليرة.

وزير المالية صرح أن تدارك العجز سيتم عبر زيادة الإيرادات العامة، أي ببساطة شديدة من جيوب المواطنين، بعد زيادة الضرائب والرسوم غير المباشرة التي يتساوى في دفعها الفقراء والأغنياء باعتبارها الأسرع في التحصيل، وأيضاً الضرائب المباشرة.

أما نحن فقد طالبنا، ونكرّر هنا، أن العجز يجب أن يستوفى من الضرائب المباشرة على الأرباح والريوع، وملاحقة المتهربين ضريبياً، واسترداد الأموال المنهوبة من الدولة، وتحسين إيرادات الفوائض الاقتصادية من مشاريع الدولة بعد تطويرها ودعمها.

الدعم الاجتماعي .. إلى أين؟

أيها الرفاق..

أصبح واضحاً أن النهج الذي تتخذه الحكومة.. وأصحاب القرار، هو تقليص الدعم الاجتماعي شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى إلغائه وتعويم الأسعار، كما أوصى خبراء صندوق النقد الدولي قبل الأزمة السورية، وكما يرى حزمة من الاقتصاديين الليبراليين، وترك الأمر للسوق الحر من جميع القيود الاقتصادية والإدارية.

وحسب تصريحات وزير المالية في مجلس الشعب، تستعد الحكومة (لتوجيه) الدعم إلى مستحقيه، عن طريق حرمان فئات ثرية ستختارها استناداً لبيانات تمتلكها عن أوضاعهم المالية، ورغم أهمية عدم استفادة الأثرياء من الدعم الاجتماعي، إلّا أن هذه الخطوة لن تخفف أعباء الدعم، إذا تبلغ نسبة الفقراء من المواطنين السوريين نحو 85%، والنسبة الباقية من المواطنين لا يشكل حصولهم على الدعم فارقاً كبيرا في زيادة أو نقصان حجم الدعم الإجمالي.

المسألة الأكثر أهمية حسب اعتقادنا هي ضمان حصول المواطنين على الدعم، وألاّ يدخل في زواريب الفساد والسرقة، وأن تتوجه اعتمادات الدعم الاجتماعي إلى القطاعات التي تؤمن السلع والخدمات للفئات الفقيرة، كالمشافي العامة.. والمستوصفات العمالية، ودعم السلع الغذائية الأساسية كالخبز والمواد التموينية والمشتقات النفطية، ورعاية أُسر شهداء الإرهاب والجرحى.

الدعم المقدر في موازنة 2022 يبلغ نحو خمس تريليونات ونصف، أي نحو 40% من حجم الموازنة، والمطلوب من الحكومة تسهيل وصول هذا الدعم إلى مستحقيه، وهذا ما ينبغي العمل عليه من قبل جميع القوى السياسية في البلاد، وفي مقدمتها حزبنا الشيوعي السوري الموحد، عبر اتصالاتنا مع المسؤولين.. وعن طريق المذكرات الموجهة إلى أصحاب القرار، وعبر صحيفة (النور) أيضاً.

اجتثاث الفساد مهمة وطنية كبرى

إن أي خطوات ايجابية ملموسة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ستصطدم بمخطط حزمة من الفاسدين المنتفعين من استمرار الأزمة ومعاناة المواطنين، لذلك لا بديل عن مكافحة هؤلاء وغيرهم، واجتثاث الفساد بدءاً من إغلاق المنافذ التي يتسلل من خلالها إلى جميع مفاصل الدولة.

وكما جاء في مقررات المؤتمر الثالث عشر لحزبنا: (إن القضاء على الفساد مهمة وطنية واجتماعية وطبقية وإنسانية في آن معاً).

الآفاق

لا يبدو حسب اعتقادنا أن تحسناً ملموساً سيطرأ على أوضاع الاقتصاد السوري، إذا لم تنجح جهود التسوية السلمية للأزمة السورية، فخسائر الأزمة والغزو الإرهابي ناهزت 600 مليار دولار، وفقدت سورية إيرادات ثروتها النفطية والمحاصيل الاستراتيجية، وهاجرت إلى الخارج أموال المستثمرين والصناعيين واليد العاملة الفنية، فإذا أضفنا إلى ذلك السياسات الحكومية التي همّشت الاقتصاد الحقيقي المتمثل في الصناعة والزراعة، وراكمت المعضلات المعيشية التي تطحن الفئات الفقيرة التي باتت تمثل أكثرية الشعب السوري، نصل إلى وضع لا يمكننا معه حصر آمال الانتعاش الاقتصادي بعودة العلاقات مع هذه الدولة أو تلك، أو توقيع عقود لإنشاء بعض المشاريع مع هذا الطرف أو ذاك، فزيادة إيرادات الخزينة نتيجة للمنح والقروض وبعض المشاريع المشتركة، لا تنعكس بالضرورة على إنهاض القطاعات المنتجة.. ولا على تحسين الوضع المعيشي المأساوي للمواطنين السوريين، فالأمر مرهون بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتوازنة، وبالعدالة في توزيع عوائد النمو.

أيها الرفاق..

ما يمكننا استنتاجه من عرضنا السابق، أن الصراع الطبقي سيشتد أكثر فأكثر بين أكثرية دخلت خانة الفقر، وبضمنها طبعاً الطبقة العاملة والمزارعين الفقراء وجمهور المثقفين وجميع متلقي الأجور، وأقلية تسعى بهذه الطريقة أو تلك لامتلاك كل شيء. لقد أصبح الصراع الطبقي مكشوفاً.. علنياً، ونعتقد أن ذلك سيترك تأثيره على العملية السياسية في البلاد.

لذلك فإنّ على حزبنا الاستعداد لمواجهة هذه التحول في السياسة والاقتصاد، عبر النضال السياسي والنقابي، وبالتحالف مع جميع القوى السياسية والنقابية المتضررة من السياسات النيوليبرالية.

العدد 1102 - 03/4/2024