خلص الحكي!

محمود هلال:

تتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية المواطنين السوريين يوماً وراء يوم، وهناك توجه اقتصادي نحو اقتصاد السوق يجري تنفيذه شيئاً فشيئاً، بذريعة الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة علينا ونقص الإيرادات، وبذلك يدخل اقتصادنا في متاهة اقتصاد السوق الحر، وندخل معه في دوامة الأرقام والتصريحات والتبريرات المتناقضة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، الأمر الذي يصعب على المتلقي فهمها وحلها.

هناك لعبة للتسلية يسمّونها (من غير كلام)، ومبدأ اللعبة هو أن يقوم أحد الحاضرين بتقديم حركات وإيحاءات وإشارات ورموز، وعلى المشاركين في اللعبة أن يحزروا ماذا يقصد بهذه الحركات. وفي حال استنفد الوقت المخصص له، تفرض عقوبات عليه، وعلى الفريق الذي يمثله، يقررها الفريق الخصم.

هذه اللعبة هي أشبه بنشرات الأخبار التي تقدَّم للصم والبكم على التلفزيون، إذ تقدَّم بالطريقة نفسها عبر الإشارات والرموز، لكن الطريف في الأمر أن الصم والبكم يفهمون على المذيع الذي يقدم النشرة وتظهر صورته في زاوية الشاشة، ونحن أحياناً لا نفهم على المذيع الرئيسي، لقساوة المشهد أو لغرابة الأرقام.

قد يكون هناك تشابهٌ إلى حدٍّ ما بين نشرات الأخبار تلك المعدّة للصمّ والبكم وتصريحات المسؤولين والخبراء الاقتصاديين عندنا أحياناً، عندما يتعلق الأمر بالشأن الاقتصادي والاجتماعي، وما يتعلق بمستوى المعيشة ودخل الفرد والنمو الاقتصادي والأرقام التي يطلقونها حول الفقر والبطالة والدعم الحكومي وغيرها من القضايا الهامة والحساسة التي تتعلق بموضوع الرواتب والأجور وكفايتها لما تحتاجه الأسرة السورية في الشهر.

ولو دققنا في الأرقام وأردنا مطابقتها على الواقع، لوجدنا اختلالاً كبيراً وتختلف حسابات الحقل عن حسابات البيدر.. فالمواطن أصبح لا يلحظ أيّ تحسن في مستوى معيشته أو في دخله إلا إذا كان المطلوب استخدام جهاز يعمل بالأمواج فوق الحسية، ولكنه يمكن ببساطة أن يشعر بضعف راتبه، وتآكل قوته الشرائية، وانعدامها أمام وحش الغلاء المستفحل، وذلك دون استخدام أي وسائط مساعدة عادية أو تكنولوجية.

لا شك أن 10 سنوات من الحرب أنهكت السوريين، وهناك صعوبات جمة يواجهونها لتأمين احتياجاتهم الأساسية خاصةً بعد تقليص الدعم الحكومي للفئات الفقيرة والمتوسطة بزيادة أسعار الخبز 100% وتخفيض مخصصات الفرد والأسرة من هذه المادة الأساسية والهامة، وكذلك المازوت زادت أسعاره أكثر من 170% إن زيادة سعر الخبز والمازوت ستؤدي إلى ارتفاعات في أسعار جميع السلع والخدمات الأخرى، الأمر الذي يجعل وضع الفئات الفقيرة والمتوسطة مأساوياً رغم الزيادة الأخيرة للرواتب والأجور.

وهناك اختلاف حول الفقر ونسبته، وكم عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر وعدد الذين يعيشون فوقه! وهناك من يقول ليس عندنا فقر، بل عندنا فئات أقل دخلاً، فإذا كانت الشريحة العظمى من العاملين بأجر لا تستطيع إعالة أسرة من 4 أشخاص، مع استمرار تصريحات المسؤولين بتأكيد الخطوط الحمر والدعم الحكومي للمواد الأساسية وغيرها (عالطالع والنازل)، فما هو حال المواطنين الذين لا دخل ثابتاً لديهم؟!

باختصار خلص الحكي، وإننا نعيش في دوامة الأرقام والتصريحات، وأصبحت حياتنا مثل نشرات الأخبار التي تبث للصم والبكم وبتنا بحاجة إلى بطاقة ذكية تفك رموز شيفرة حياتنا المعقدة.

العدد 1105 - 01/5/2024