مسؤولون منفصلون عن الواقع!

سليمان أمين:

قرارات تتلوها قرارات تعكس الفشل الإداري الذي وصلت إليه مؤسساتنا بفضل مديرين غير مدركين ماذا يفعلون!؟ قرارات منفصلة عن الواقع تماماً، وكأننا نعيش في بلد ينعم فيه المواطن بالرفاهية المطلقة، هل بات المنصب في سورية مجرد مخبر لتجارب بعض المسؤولين؟ وهل بات المواطن بنظرهم حقل تجارب لا أكثر؟ ألا يكفي الألم والقهر الذي تحمله المواطنون الذين بقوا في وطنهم خلال سنوات عشر مضت؟ ألم يحن الوقت ليكرّم هذا الشعب الذي صمد بدل أن يذلّ كل يوم وتهدر كرامته من أجل الحصول على لقمة عيشه التي باتت مغمسة بالدم والألم.

سنوات مرت بالفشل والعجز عن وضع حكومة ومسؤولين مؤمنين بالعمل، لديهم دراسات وخطط عملية تخرجنا من بوتقة الحرب والضائقة الاقتصادية، والسبب الأساسي هو غياب المعايير الأساسية في اختيار حكومة تحمل مؤهلات وخبرات بناءة، دون النظر إلى الولاءات والقربى، وهذا الأكثر سلباً بأن فلان من جماعة فلان أو قريب فلان، وإذا عدنا إلى مؤسساتنا وجدنا أن أغلبهم قريب فلان أو تابع لجهة ما، والأكثر عجباً هو أنهم يقولون هذا ما يتوفر لدينا من أشخاص يتمتعون بالشروط المناسبة لإدارة المنصب، وهنا نتساءل ماهي هذه الشروط؟  إذا كان خريجو المعهد العالي للإدارة وغيرهم من حاملي الشهادات والخبرات العليا من أصحاب الفكر النير لا يجري تعيينهم، بل تتوالى خسارتهم بهجرتهم إلى بلاد تقدر مستواهم الفكري وتستثمرهم بالشكل المناسب، وهذا ما نحن عليه منذ سنوات طويلة: صناعة الأدمغة وتهجيرها إلى بلاد أخرى لتستثمرها، ونحن نغرق أكثر نحو القاع.

وقد عرت الحرب كل شيء وأزالت الغطاء عن الفشل في مؤسساتنا، إن كانت حكومة لا تستطيع أن تضع خطة في زمن الحرب، فكيف ستنعش البلد في زمن السلم وتضعها على درب التطور والتقدم، حكومة بأكملها تشغلها بطاقة ذكية تم اختراعها لغايات كثيرة، وأتت بالفشل الذريع، فماذا بعد؟ حكومة بأكملها لم تجد خطة حتى اليوم لإنعاش القطاع الزراعي والحيواني وتنشيط الصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي فماذا بعد؟ حكومة بأكملها لم تجد طريقاً حتى اليوم لحل الأزمات المعيشية، بل زادت الطين بلة وبات شغلها الشاغل: الخبز، وآخر ما وصلت إليه هو قرار توطينه، الذي يعتبر الأسوأ حتى اليوم، والذي انعكس بشكل سلبي على المخابز والمواطنين، خبز يصل إلى المواطن غير صالح للاستهلاك البشري ، يتلوه قرار قتل العاصمة دمشق بإغلاق المحلات التجارية مساءً، والمطاعم الساعة 1 ليلاً، هذا القرار القاتل الذي لم يحدث حتى في ظل انتشار كورونا، فالعاصمة دمشق تطفئ أنوارها لأول مرة في التاريخ، لتخرج بفضل مسؤوليها الذين لم يتعلموا يوماً كيف يحبونها ويعشقون سماءها وياسمينها، ولن يتعلموا، فالمنصب وسلطة المال أعلى وأقدس لديهم من حب الشام التي كانت ومازالت منارة العالم كله وستبقى بفضل من يحبونها شامخة ولن يطفئ نورها قرار مسؤولي محافظتها المحترمين التعسفي الذي سوف يقضي على الحياة في دمشق، دمشق النابضة بالحياة .

فضلاً عن موضوع الكهرباء والماء الذي بات في وضع كارثي حقيقي، دون إيجاد أي حلول واقعية لعلاجه ووضع خطط جديدة لتوليد الكهرباء، بل ما حصل هو تسويق حقيقي لصفقة الألواح الشمسية التي بدأ العمل عليها من عام 2015 من قبل أحد مالكي الجامعات الخاصة في سورية، ولعل هذه الألواح كانت موجودة بالمستودعات منذ زمن وتم إخراجها اليوم للعلن، بعد أن تم العمل على إضعاف الشبكة الكهربائية في سورية وتهميشها لسنوات دون وضع خطة حقيقية لصيانتها وتحسين واقعها، أو البحث عن مصادر جديدة لتوليد الكهرباء، مع أنه كان هناك الكثير من الطروحات لخبراء في الطاقة ولكن لم يؤخذ بها ولم تتجه الحكومة نحو استثمارها، وكثير من هؤلاء الخبراء ترك البلد وهاجر ليستثمر أفكاره في بلاد أخرى.

لقد انعكس واقع الكهرباء السيئ على المياه، التي باتت في أسوأ حالاتها، بسبب سوء التنسيق بين مديريتي الكهرباء والمياه وغياب الخبرات في هذا الشأن، فالكهرباء في بلد والمياه في بلد أخر وليس هناك حدود شقيقة بينهما، وهذا انعكس سلباً على المواطنين الذي وقعوا ضحية تجار المياه الذين نشطت تجارتهم بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، دون وجود أي رادع لتسعيراتهم التي تتغير كل يوم بازدياد الطلب عليهم، فلا يمكن لإنسان في القرن الحادي والعشرين أن يعيش بلا ماء أو كهرباء، وإذا سألنا ما الحل؟ تغلق الحكومة أذنيها بالذهب كي لا تسمع أنين المواطنين ووجعهم فهم آخر همّها، فالأهم على ما يبدو هم التجار.

ختاماً

ما الهدف من كل هذا التدمير الممنهج للواقع المعيشي، وإشعال دوافع الغضب في نفوس المواطنين الذي لم يعد بمقدورهم التحمل أكثر، فليس هناك شعب آخر يتحمل ما تحمّله السوريون حتى اليوم؟ من هي اليد الخفية التي تعمل على تدمير ما تبقى في سورية بدفع شعبها للهجرة أو الضغط عليه لحدود لا تُحمد عقباها، فكثرة الضغط لا تولد سوى الانفجار والخراب، ويجب أن تضع الحكومة القادمة ذلك في تقويمها اليومي، فالحكومات بنت الواقع ويجب ألا تكون منفصمة عن واقعها كحكوماتنا التي مرت لسنوات عجاف.

العدد 1102 - 03/4/2024