الصحافة مهنة ورسالة.. مهنة البحث عن المتاعب

ريم داوود:

يقضي الإنسان حياته منذ نعومة أظفاره توّاقاً للحرية في كل جوانب حياته، ساعياً لتحقيق كل ما يتمنّاه جاهداً في تحطيم أي قيود مفروضة عليه، فإذا ما نظرنا جيداً في تعريف هذا المصطلح الضخم وتصنيفه، فسنجد أنه يُقسم إلى قسمين: حرية عامة، وحرية خاصة.

أما الخاصّة منها فتتضمّن حرية التعبير والرأي، حرية الاختيار، وحرية الإعلام والمعتقد والدين والسياسة والاقتصاد. وفي زحام هذا الحديث عن الحريات تأتي الصحافة في مُستهلّها.

تعدُّ الصحافة سلطة رابعة، فهي العجلة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في جميع بلدان العالم، ذلك أنه ليس هناك ديمقراطية ما لم يكن هناك صحافة حرّة، كما أنها ليست حكراً ولا وقفاً على فئة دون غيرها، فهي محصلة من محصلات حرية الاعتقاد، وتعكس إرادة شعب بأكمله، ويجدها البعض فنّاً من الفنون، في حين يراها آخرون مهنة يمتهنها البعض لكسب العيش، بينما يرى المؤمنون بها رسالة وميثاق صدق وأمانة، ولواء ذمّة يحملونه مع كل خبر يتبنّونه.

لكن الصحافة في الاصطلاح هي النشرة المطبوعة بشكل دوري، وتشمل أخباراً ومعلومات عامة تمثّل من خلالها صوت الشارع.

تكمن حرية الصحافة في ممارستها دورها على أكمل وجه في نشر الأخبار والمعلومات الموثوقة دون أي تدخل أو ضغوط داخلية كانت أم خارجية، كما أن حريتها لا تتجزأ في أداء واجبها ضمن حدود القانون، باحترام حقوق الأفراد وحرمتهم وخصوصياتهم وواجباتهم.

لقد أدى الوعي بأهمية الدور الذي تنهض به الصحافة في حياة المجتمعات إلى إثارة جدل حول حاجتها إلى الحرية، وضرورة رسم حدود لهذه الحرية أحياناً.. جاء في كتاب خليل صابات:

)إن حرية التعبير لا تذهب إلى حدّ تعريض أمن الدولة الداخلي أو الخارجي للخطر، ولا تذهب كذلك للتحريض على اقتراف الجرائم حتى لو كان هذا التحريض قد جاء عن إيمان فلسفي أو ديني أو سياسي. فعندما تدرك الصحافة مسؤوليتها، وعندما تفهم أنه لايوجد حقوق دون واجبات، تصبح جديرة بالحرية التي كُفلت لها تحت شروط معينة).

وعليه لا بدّ أن تسعى الصحافة إلى تحقيق المصلحة الكبرى، أي مصلحة الوطن قبل كل شيء، لكن في الوقت ذاته لاتستطيع فعل ذلك إذا ما كانت مقيّدة مكبّلة عاجزة عن أداء واجبها تحت شروط وضغوط واعتبارات معيّنة.

إننا جميعاً ندرك صعوبة وخطورة العمل الصحفي إذا ما أراد صاحبه توثيق معلوماته وكشف الغبار عنها، حالة من الترقّب والانتظار، مشاعر مختلطة من الانتصار والانكسار يصارعها ذاك الباحث إذا ماكانت المادة المبتغاة دسمة، فضلاً عن بعض التهديدات بين الحين والآخر بهدف كفّ يده وإيقاف جهده في التنبيش.

تعمل الصحافة على نطاق واسع ضمن العالم مقدمة خدمات متنوعة من تقديم الأخبار، مروراً بالتثقيف والتوعية والحديث في السياسة والطب والجغرافيا والتاريخ والفلك والاقتصاد والترفيه والجمال، وصولاً إلى تقديم الإعلانات التي أحدثت انقلاباً في عالم الصناعة والتجارة وتهافتاً للتنافس في نشر الإعلان الأفضل، وهنا تكمن أهميتها، وتنبع أيضاً من تأثيرها الكبير والمباشر على نسبة كبيرة من الأفراد، ولا سيما أنها تكون موجهة لجميع الفئات العمرية، محمّلة بالمتعة والهدف، وهذا ما يجعل منها سلاحاً ذا حدين، له من الإيجابيات ما يملك من السلبيات.

فلكم أيها الصحفيون، يا أبناء صاحبة الجلالة، كل تقدير لما تقدمونه من دور فعّال في تصحيح مسار البيئة الإنسانية، والكشف عن مكامن الفساد وملاحقة الفاسدين، وفي العمل على حماية المجتمع من الانحدار والانحراف السلوكي.

العدد 1104 - 24/4/2024