إلى أين؟ وإلى متى؟!

سليمان أمين:

مضت السنة العاشرة للحرب على الوطن السوري الذي يجمع تحت سمائه كل ألوان الحياة، على تنوّع انتماءاتها الحضارية والعرقية المتعددة الأطياف، التي حاول كثيرون تشتيتها وتشويهها سواء من الداخل والخارج، ولن نتكلم عن المؤامرات، فالمؤامرة الحقيقية والجوهرية هي الفساد ونهب الثروات وحرمان الشعب الكادح من حقوقه ومن ممارستها وفق ما نص عليه الدستور السوري وقوانينه الناظمة، التي جرى تطبيقها فقط بما يصب بمصلحة القلة من أصحاب رؤوس الأموال وأثرياء الحرب الذي نهضوا من تحت خط الفقر وأصبحوا في الأروقة العليا، بتجارتهم غير الشرعية ضد الإنسان والوطن، والمشاركة بتدميره دون أي رادع، ولا من يحاسبهم.

وإذا عدنا إلى ما قبل الحرب لوجدنا الكثير من حقائق هؤلاء الذين تاجروا بوطننا وإنساننا لسنوات وسنوات دون حسيب ولا رقيب، هناك كثير من الأسئلة التي تدور في عقل كل مواطن سوري لا يستطيع البوح بها، كما هناك كثير من الغضب الموجع داخل كل سوري بات اليوم قابعاً خلف قضبان الجوع والفقر ومصادرة كرامته ومحاولات إذلاله بشتى الطرق، وكل ذلك يخالف قوانين البلاد وقوانين الإنسانية عامة.

عشر سنوات بات فيها التراجع في كل شيء واضحاً وكبيراً جداً، ومازال مسؤولونا ومحللوهم بمختلف نماذجهم وأنواعهم يلومون الحرب ويتخذونها مشجباً يعلّقون عليها فشلهم الذريع في إيجاد الحلول والبدء بمعالجة مشكلات الواقع الاجتماعي والخدمي والمعيشي، بسبب القضاء على القطاعات المنتجة وإهمالها لحساب المصالح الشخصية لبعض التجار المتحكمين بالاستيراد والتابعين لأشخاص أعلى منهم، ولم تعد هذه الأوراق خلف الكواليس بل باتت علنية، فمعظم الشعب بات يعرف من هو مستورد المتة والمتحكّم بتجارتها وتسعيرها، ومن هو مستورد السكر والرز والزيت وغيرها من السلع الأساسية المعيشية التي باتت مخصصة لفئة من الناس، ولا يستطيع معظم الناس الحصول عليها بسبب ارتفاع أسعارها اليومي، بعد أن تحولت السوق السورية إلى بورصة سوداء علنية يتحكم فيها هؤلاء التجار الميامين الأشاوس الذين (دافعوا) عن الوطن بتهجير شعبه و تفقير وتجويع من بقي هنا، ليستملكوا ما بقي من الوطن، وأي صوت يعارضهم فمصيره سيئ، وها نحن اليوم بتنا في حال أسوأ بعد سنوات الحرب المرهقة، فما كان من حكومتنا وتجارها سوى إيجاد وسيلة تحميها وتحميهم من توجيه النقد وفضح فساد مسؤوليها وكشف أوراق كثير ممن يعتلون المناصب في أروقة المؤسسات، باستخدام قانون الجرائم الإلكترونية، فبدأت حملة الاعتقالات بحق كل من يفضح مسؤولاً أو يتكلم بملف فساد يخص أحدهم، وما أكثر الحالات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة بحق بعض الصحفيين ومفتشين قانونيين نزيهين وغيرهم من المواطنين الآخرين الذين يكتبون بحق معاناتهم الذي يعيشها الشعب، إضافة إلى كشف أوراق بعض الفاسدين الكبار، مع غياب كامل للنقابات والقضاء الذين يجب أن يتمتعوا بسلطة في الدفاع عن حقوق المواطنين وآرائهم وحريتهم التي نص عليها الدستور وهي حقوق مقدسة في كل دول العالم.

كيف للمواطن اليوم بعد هذه المعاملة السيئة التي يعامل بها ضمن وطنه وأرضه والفقر المدقع الذي يعيشه، أن يثق بحكومته وبمجلس الشعب الذين لا يمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم الشخصية، فلم نرَ منهم أي قرار حتى اليوم يصب بمصلحة المواطن، ولو عدنا بالقرارات لوجدنا أن معظمها جعل من المواطن مجرد حصالة لجمع الأتاوات لا أكثر ثمناً لبقائه في وطنه، كما قالها بعض المواطنين، معبّرين عن غضبهم مما آلت إليه الأمور، وخصوصاً في الفترة الأخيرة التي تعتبر الأكثر سوءاً خلال السنوات العشر الأخيرة، فلم يعد بإمكان أغلب المواطنين تأمين لقمة عيشهم نهائياً، فراتب الموظف بات لا يكفي سوى لشراء عبوة زيت وكيلو سكر وكيلو رز وجرة غاز، من دون أي تعليق حكومي على الارتفاع الجنوني للأسعار، ولا إيجاد حلول واقعية، بل مجرد تصريحات يصفها المواطنون بالمستفزة للحالة التي أوصلتنا إليها الحكومة.

في النهاية لا بدّ لنا من أن نتساءل: إلى أين نحن ذاهبون أكثر من هذا القاع الموحل؟

متى نشهد تغييراً يكون لصالح الشعب ويصب بمصلحته لا بمصلحة المسؤول وأبنائه المدللين المرفهين!؟ متى يطبق القانون العام ويتوقف إذلال المواطنين واعتقال من عبّر عن رأيه وأشار إلى الفساد؟

أين نحن في القادم؟ عشر سنوات وحياتنا معلقة على لائحة الأرقام، ضاع شبابنا وضاعت أعمارنا.. فإلى متى؟

العدد 1104 - 24/4/2024