شبابٌ ضاعت طموحاتهم على ناصية الحلم

وعد حسون نصر:

للشباب العربي، وطبعاً شبابنا السوري له الحصّة الأكبر من هزائم الإحباط، في ظلّ حرب دمّرت المشاعر وحطّمت الشعور والرغبة بالتقدّم، فبقي هذا الشباب يبحث عن حلمه التائه خلف جدران اليأس. اقتلعت الحرب آمالهم من جذورها، وكثرت مشكلاتهم ابتداء من الدراسة في الجامعة والتخرّج وانتهاء بالالتحاق بسوق العمل والارتباط والاستقرار وحتى الحلم بأسرة صغيرة. وأكثر ما يصطدم به الشباب السوري من الجنسين هو مخلّفات الحرب من وضع اقتصادي حال بينهم وبين تحقيق طموحاتهم بدراسة مُحبّبة وموهبة تريد الولادة والنضوج، فكثير من الشباب بجنسيه ونتيجة الوضع المادي التعس اضطر لترك الدراسة والاتجاه للعمل في ورشات صغيرة أو محال تجارية، وكثير من شبابنا هاجر وفي داخله آلام الرحيل، وقد ترك ذكريات الطفولة فوجد نفسه لا يستطيع العودة للوطن الأم، فالحرب دمّرت منزله وصبغت سبورة مدرسته بالأحمر، والوطن خذله حين جعل منه مجرماً، فعاش الشباب السوري غربة داخل الوطن وخارجه، ألم كبير توّج نفوسهم الفتية حتى غدت مثل كهل كبّله التعب وأرهقه الركض وراء لقمة العيش ليستمر في التنفس فقط على سطح هذه الحياة البائسة لشباب بعمر الورد. لم تنتهِ الحرب بعد حتى أتى وباء كورونا فحصد الأرواح ونهش الأجساد، أقفلت الدنيا أبوابها بوجههم، فنامت طموحاتهم حزينة، كل الأمور اختلفت من حولهم، منهم من فقد العمل، ومنهم من أجّل الدراسة ريثما تسمح له الظروف ليعود من جديد ويتمّ رسالته بالعلم، ومنهم من صرف نظره عن الدراسة واستسلم للعمل وتحمّل قسوته وبشاعة اربابه، كل هذا أحاط بشبابنا، قيّد آمالهم وحدَّ من طموحاتهم، وللأسف كأن كل جيل يسلّم راية القهر للجيل الذي يليه، وتتوالى المأساة جيلاً بعد جيل تلوّح بالخيبة،  معظم شبابنا يعيش حالات من الضياع والشتات أدّت إلى تدهور نفوس جيل كامل عاش حسرة الحرمان، فبتنا نرى الانحراف والفساد والانحلال الخلقي، وكثيرون باتوا يخرجون من همومهم للنسيان باللجوء للمخدرات، والكثير للأسف سلك طريق السرقة والسلب والنهب. .أسهل طريق لكسب المال ليلوّن حياته من جديد بألوان الفرح مع ثياب وردية، وكثير من الفتيات حصراً اختصرت الطريق على ذاتها من خوض الصعوبات بأن تتزوج من رجل يمتلك المال وإن كان يكبرها بالسنّ، المهم أن لا تخبئ أحلامها وحبها للحياة بحقيبة الظهر وهي تتجوّل من منزل إلى آخر تبيع العطور والزينة، أو أن تسعد أصحاب المال بالليالي الحمراء على جسدها المنهوش بفكّي الدهر المسعور وقهره المغروس كمخالب الذئب في خصرها النحيل.

نعم، هي الحرب، هو الوباء، هو الحصار، وهو الغلاء، كلهم تآمروا على الشباب السوري، خلعوا باب أحلامه، سرقوا ضحكته، سلبوا شبابه الجميل حتى هرمت خلجاته وشابت خصلات شعره وحاكت التجاعيد على الجبين والخدين حكاية شباب بعمر الورد دخل اليأس نفوسهم وقتل فيها العروق الحمراء المزهرة بالحب فغدت شحوباً على الوجوه الحالمة، وهنا ماتت كل الطموحات، فالحرب مثل (عزرائيل) تحصد الضحكات دون أن تحسب للعمر حساباً، فهو ملاك الموت يحصد ثماره من الأرواح، لا يهتم إن كان الثمر أخضراً أو طازجاً وشهيّاً، وغدا الشباب السوري كما قيل عنهم: (الريح تحتهم وفي قلوبهم قبور من أحبوهم، وفي عقولهم الفكرة ونقيضها، على كتف يحملون صخرة سيزيف، وعلى الآخر أحلامهم الصغيرة وأعباءهم الشخصية، في الطريق الطويل الذي ما عادت تبدو نهايته، ولا إمكانية للعودة إلى بدايته، بلا زاد إلاّ تجاربهم الكثيفة على عمرهم الصغير، قائلين لأهلهم امكثوا).

هذه هي حكاية عمر جميل رواه شباب يُفترض أن يكون واعداً بوجهه العاري للشمس، وضحكته الصادحة للريح، لكن للأسف أشعلت الرياح نار الحرب وقضى الوباء على ضحكة الشباب، ونامت الأحلام نفسها تحلم بغدٍ أجمل.

لكن، ومع هذا يجب ألا نستسلم لكل هذا اليأس، علينا أن نكسر الجدار الفاصل بين طموحنا والنور، لعلّ الشمس تدخل من جديد غرفنا المظلمة، تُنشِّط أفكارنا بدفء أشعتها، ننهض من جديد لأن الحياة تستحق وجودنا، لابدّ أن تزول هذه الغمامة ونرتدي ثوب الفرح، فالبركة بالشباب النابض بالوجود، بالحياة، بالدم النقي المُحمّل بالأوكسجين ينثر في الجو شهقة ولادة تبشّر بالخير القادم بعد يأس، فلا يأس مع الطموح لأنه من صنع شبابنا.

العدد 1102 - 03/4/2024