الأسعار ترتفع والحكومة صامتة

السويداء- معين حمد العماطوري:

لعل حلم المواطن هذه الأيام بات يقتصر على المواد الغذائية التي تسد حاجة جوعه ورمق عيشه بالحد الأدنى منه، وليس بالبطر والرغبة كما هم السادة المسؤولون، إذ شكل ارتفاع الأسعار الجنوني خلال الأيام القليلة الماضية إحباطاً حقيقياً في بصيص الأمل الذي قد يدخل مخيلة المواطن من حكومته التي تعقد اجتماعاتها وتصرح في وسائل الإعلام أنها تعمل على تحسين الوضع المعيشي، وبالنهاية، بعد كل اجتماع تزداد الأسعار ويقع المستهلك في منزلق الدولار وارتفاعه، والتجار على أهبة الاستعداد لزيادة الأسعار دون الرجوع إلى سياسة سعرية مقترحة من الوزارة المعنية، لأنهم على يقين أنها في خدمة تطلعاتهم وابتزازهم.

ومن يدخل إلى أسواق السويداء لا يسمع سوى أصوات تعلو بوجود الخضار والفواكه، وأناس يتزاحمون دون شراء أي من حاجياتهم لضعف القوة الشرائية ودخلهم الذي يكاد لا يفي لشراء خمسة ليترات من مادة الزيت المهدرج وليس الصافي، وهذا يعني أن جرس ناقوس الجوع صمّ آذان جميع المسؤولين ولم يحركوا ساكناً، فما معنى ذلك؟

هل الحكومة قاصدة أن تصم آذانها عن سماع أصوات الناس؟

 المتتبع لأسواق السويداء يرصد ارتفاعاً غير مسبوق بأسعار زيت دوار الشمس الذي وصل سعر عبوة 4 ليترات منه إلى 32 ألف ليرة، أما السكر فقفز سعر الكيلو إلى 2700 ليرة، ولحق به الأرز الذي تراوحت أسعار الكيلو منه بين 2700 إلى 4800 حسب النوع طبعاً مع اختلاف الأسعار بين محل وآخر، وقد بات حلم المواطن تناول علبة سردين أو طون أو بيض دجاج، أما اللحوم البيضاء والحمراء فهي تجاوز لموائد الفقراء نحو فقط الأغنياء والمعنيين في قرار مصير الشعب، إذ كيف للمواطن أن يشتري كيلو البندورة بـ1300 ل. س وصولاً إلى 1500ل. س، أما كيلو البصل فقد تجاوز عتبة 1200 ليرة ويبقى الليمون الحامض والثوم ملك السوق بعد أن تجاوز كيلو الحامض 4 آلاف والثوم 11 ألف ليرة، أما الفليفلة الحلوة فبلغت سعر الكيلو منها 3500 ليرة، ومشتقات الحليب من الألبان والأجبان رغم أنها حاجة أساسية في كل منزل يكاد يراه المواطن في الأفلام والمسلسلات الرمضانية أو الشامية التاريخية، بعد أن وصل كيلو اللبن المسحوب الدسم إلى 5 آلاف، واللبن كامل الدسم إلى 10000 ليرة. أما الأجبان فتبدأ بورصتها من 9 آلاف إلى 12 ألف ليرة للكيلو.

وهذا يدل على أن الحكومة غير قادرة على تحديد سياسة سعرية نقدية والتحكم بأسعار السوق المحلية، رابطين ذلك بحججهم المعلبة: الحصار الاقتصادي وضعف الموارد، ولكن الهدر والفساد والسرقة والابتزاز الذي يزيد في نهب المواطن فلا علاقة للحكومة بمكافحته، على ما يبدو، بحيث بات المواطن على ثقة تامة أن هذه الحكومة لا تستطيع أن تستمر بسياستها البيروقراطية الجوفاء، وبالتالي فقدت ثقة الشعب وبات الأصوات تعلو وتعلو برحيلها.

هناك رؤية لدى العديد من الاقتصاديين بإيجاد حل لتلك الأزمة، إذا استطاعت الحكومة تطبيقها، ولكن لا ثقة بذلك لأن حيتان الابتزاز وسرطانات الاستغلال مسيطرون على السوق والاسعار وعلى أرواح المواطنين، بحيث بدأ العد التنازلي للموت البطيء عند معظم الفئات العمرية من جيل الشباب وأصحاب الطاقات العملية، خاصة بعد أن طرحت ورقة 5000 ليرة، وهو مؤشر على تدهور الاقتصاد على حد قول أحد الاقتصاديين.

يذكر الأستاذ الدكتور تيسير المصري (الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد الثانية بالسويداء) أنه من الطبيعي في مثل هذه الظروف خصوصاً مع عدم وجود (سياسات استراتيجية متكاملة): اقتصادية ومالية ونقدية، اللجوء إلى تمويل العجز، بطباعة الأوراق النقدية دون أن يقابلها زيادة في الإنتاج أو ازدياد في الاحتياطي النقدي وأن تفقد الليرة السورية قوتها الشرائية، لأن طرح فئة الـ 5000 للتداول في سوق العملات، ليس سوى أحد مظاهر فقدان القوة الشرائية لليرة السورية. ككتلة نقدية جديدة تضاف إلى الكتلة المتداولة، دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات، ويمكن أن يفاقم حالة التضخم الذي يرتد سلباً على المستوى المعيشي للسكان. أما إذا استبدلت بعملات موجودة في التداول فقد لا يكون لها مثل هذا التأثير. وهذا الأمر متوقف على قرارات السلطات النقدية المعنية، وإن طرحها بقيم مالية كبيرة له آثاره السلبية في نفوس السكان، وفي مناخ الاستثمار السائد. وهي توحي بأن القدرات الشرائية للدخول ستضعف وأن تلبية الاحتياجات المادية والمعنوية للأفراد والمجتمع، ستتناقص، وتنبئ المستثمر المحلي والأجنبي بعدم استقرار اقتصاد البلاد وباحتمال حدوث تغيرات حادة في الأسعار وكلف الانتاج وبازدياد صعوبات تسويق المنتجات والخدمات.. وهذا يمكن أن يدفع الى هروب الاستثمارات خارج البلاد، وفشل مشاريع قائمة… وبالتالي يحدث تراجعٌ اقتصادي إضافي، ولا يمكن تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الظروف السائدة، إلا بوقف الهبوط الكبير في القوة الشرائية للعملة الوطنية، ويمكن أن يتحقق في حال اعتماد استراتيجية وطنية تحمي موارد البلاد، خاصة مواردها المادية والبشرية والعلمية، وتستغلها أفضل استغلال، وتدعم الهوية الوطنية للبلاد.

إذاً ما عسانا أن نقول؟ وهل نبقى رهائن الموت البطيء؟

أم رهائن القرارات غير المدروسة، والتي تصب في مصلحة التاجر المبتز والمستغل؟

العدد 1102 - 03/4/2024