القرار والمحتوى والتوقيت

الدكتور سنان علي ديب:

مثلما لكل قرار ظرفٌ ومسبّب وسبب معين، كذلك يلعب التوقيت دوراً مهماً وقد يكون الأهم.

فإن جاء القرار في ظل الظروف المواتية التي تجعله مقبولاً وعلاجاً أو بلسماً وذا فوائد جمّة ستنعكس على البيئة المحيطة، وهذا يتناسب مع أخذه بالتوقيت المناسب، فمثلاً ازدياد الفجوة بين الدخول وحجم المبلغ المطلوب لتأمين الحاجات والخدمات الضرورية يتطلب ردم هذه الفجوة عبر تغيير الأسعار بما يحقق السعر العادل الموازن بين المواطن والمنتج والوطن، وأي تأخير بهذه المعادلة سيكون القرار غير محقق للفوائد التي كانت منتظرة ولو جاءت بالتوقيت، أو زيادات في الدخول إن كانت بطرق غير عامة ومرئية عبر التعويضات والتحفيزات أو عبر منح دورية متتالية أو زيادة في الأجور، وهذه تصبح أقل جدوى نفسية وعلاجية كلما تأخرت وما دام لا يمكن ضبط الأسعار التي ترتفع بلا ضوابط فأي زيادة في الأجور تأتي متلازمة مع تنقيص للقدرة الشرائية، وتالياً تصبح نقمة للأغلبية ما دام تواتر رفع الأسعار لا يقابل بمثيله لكتلة الدخول، وهكذا تكمن الحكمة والعقلانية والكفاءة لمتخذي القرار وصوابيته بقراءة صحيحة للظروف القائمة ووضع الخيارات العديدة لعلاجه وأخذ الخيار الأقوم والأكفأ والأكثر صوابية، وملازمة هذه القرارات بتوقيتها المناسب المجدي البناء.

وكذلك الأمر بالنسبة للنقد الذي يجب أن يكون نقداً موضعياً بناء فاعلاً، وهذا ما يتحقق عندما يكون في التوقيت المناسب ووسط معرفة دقيقة صحيحة ناجمة عن قراءة دقيقة لجعله ذا فائدة بناءة وموجهة وأداة للتصحيح، وهذا يتعلق بالظرف وبالناقد وبالتوقيت وكلما اكتملت الشروط الصحية للنقد صعبت الحجج والتبريرات لمن يحاول كمّ الأقلام والافواه ومنع أي رأي لا يناسب مصالحه ويقوض تجاوزاته وفساده وتخبطاته. وأهم المعايير هي الوطن وظرفه في التوقيت الذي يقيم به الفعل. وعدم مراعاة التوقيت والظروف القائمة سيجعل نتائجه وتقبله عكسياً، كمن يرمي الزيت على النار، وكثر من يستغل الظروف لتمرير أمور تؤخذ من مجهر الانتهازية واللا وطنية وتكون ذات نتائج سلبية.

وهكذا نجد أن التوقيت من أهم معايير تقييم الأفعال والقرارات وما دام هناك منها ما نجده غير صحيح وغير وطني وفي الظروف الطبيعية لا يكون تقييمنا مماثلاً.

وبأي حال يبقى الوطن والمواطن ومصلحتهما هي البوصلة الحقيقية لتقييم أي سياسة أو قرار أو فعل. وتبقى العدالة وتحقيقها واجب دعاة الوطنية ومعيار الحكم عليهم.

ورغم الظروف القاسية التي يعاني منها الوطن والمواطن لظروف استثنائية تداخلت فيها الموضوعية مع الذاتية، ولكن التوقيت المناسب لانبثاق النور ودحض الظلمة لم يعد بعيداً، وكلما ازدادت الظلمة قرب وقت إشعاع النور.

العدد 1104 - 24/4/2024