وداع واستقبال!

محمود هلال:

هكذا هي متوالية الأيام: نودّع فيها اليوم ونستقبل غداً، ويمضي الزمن فنودع سنة ونستقبل سنة أخرى. وقد ودعنا الأسبوع الفائت سنة 2020 التي كانت سنة عجفاء بامتياز، سنة من سنوات الجمر العجاف التي كانت صعبة وقاسية على الصعد كافة، والتي حملت منذ بدايتها الوباء والبلاء، وفتك فيها بالبشر فيروس كورونا اللعين وأصاب الآلاف وأودى بالمئات من أبناء شعبنا وكذلك على مستوى العالم. نتيجة ذلك يمكن أن نسمّي السنة الفائتة: سنة كورونا، مثل السنوات التي حل فيها الطاعون والكوليرا وغيرها من النوائب.

على صعيد آخر، عانى الناس في هذه السنة الكثير من المصاعب وكانت أصعب من سابقاتها بالنسبة للحياة المعيشية، فتردّت أوضاع الناس وازدادوا فقراً وقهراً وجوعاً وبرداً، ويمكننا أن نقول: فلترحل هذه السنة مع آلامها وأوجاعها إلى الجحيم.

ونحن في بداية السنة الجديدة 2021 نأمل أن تحمل هذه السنة الجديدة الخير والبركة والأمن والسلام والصحة والسلامة والفرح والسعادة لجميع السوريين، ونأمل أن يحققوا فيها كل ما تمنوه ولم يتحقق من أحلام في سنوات سابقة.

غريب أمر هذا الزمان، يمضي مسرعاً أسرع من ذلك الزمان الماضي بكثير، وكأن الوقت يضيق أكثر فأكثر، فيمضي العام دون أن نستطيع أن نحقق فيه أحلامنا، فنؤجلها مرغمين إلى العام الذي يليه، وهكذا ننقلها من عام إلى آخر، فتتضاءل وتنكسر!

هل هناك من يستطيع أن يوقف عجلة الزمن لكي نحقق أحلامنا المؤجلة، أو لكي تدوم اللحظات الجميلة التي عشناها في الزمن الماضي لوقت أطول؟ لو عدنا إلى صيغة التهاني بالعام الجديد لوجدناها تحمل الصيغة ذاتها: (نتمنى أن تحقّق في هذا العام جميع أمنياتك، وأن تكون هذه السنة أفضل من التي سبقتها)، لكن يبقى السؤال: متى يأتي ذلك العام الذي نحقق فيه كل ما نتمنّاه؟ إلى متى ستبقى أحلامنا مؤجلة؟

ما هو مُلاحظ أننا نعيش في زمن يحمل الكثير من القلق والخوف والتوجس من المستقبل، هل سبب ذلك السرعة الزائدة التي نعيشها في هذا العصر، إذ أصبحنا غير قادرين على مواكبته واللحاق به؟ أم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عندنا وفيما حولنا وما نعيشه من مآسي الفقر والجوع والعنف، أم بسبب ما نسمعه ونشاهده عبر وسائل الإعلام كل يوم وكل ساعة يصدمنا ويزيد من إحباطنا ويقلل من نفحات التفاؤل في نفوسنا؟!

يقال إن آباءنا وأجدادنا كانوا يعيشون أفضل منا، وأنا أستغرب كيف كان هؤلاء يعيشون أفضل، إذا كان كثير من أساسيات الحياة الضرورية ووسائل الرفاهية التي نعرفها معدومة في زمانهم، إذ كانوا لا يعرفون آنذاك الكهرباء ولا الاتصالات ولا التكنولوجيا ووسائل النقل شبه معدومة، وحتى النقود كانت بين أيديهم قليلة؟

أعود وأكرر السؤال: لماذا يكون ذلك الزمان أفضل؟ هل لأن الناس في الماضي كانوا يتدبرون أمورهم الحياتية والمعيشية ببساطة أكثر منا، أم كانوا يعيشون على مبدأ (الحياة حلوة بس نفهمها)، ونحن الآن لا نستطيع فهم هذه الحياة، حتى بتنا نتحايل عليها؟ أم كان هناك تسامح أكثر ومحبة أكبر بين هؤلاء البشر؟! أم الطيبة والأخلاق الحميدة كانت موجودة عند الجميع! أم الجميع كانوا يعدون أنفسهم أسرة واحدة يساعد فيها الغني الفقير، فكانت أحوالهم بألف خير وعاشوا بأمان واطمئنان وراحة بال أكثر!؟

أخيراً، لقد ولى العام الفائت مع آلامه وأوجاعه إلى غير رجعة، وكل ما أتمناه هو أن يكون هذا العام أفضل من سلفه، وألا يكون أسوأ منه على أقل تقدير، وأن نتسلح بالأمل والتفاؤل من جديد، وأن نعمل على تحقيق أحلامنا بالعمل لا بالتمني فقط، وألا يدخل اليأس إلى قلوبنا، وأن نشرع الأبواب للعام الجديد ونلاقيه بابتسامة وعزيمة أكبر.

العدد 1102 - 03/4/2024