الزواج مؤسّسة تنتج عواطفنا بقوالب معيّنة

وعد حسون نصر:

ربما يكون الزواج مؤسّسة تنتج عواطفنا بقوالب معينة.. أحياناً، وبالنظر إلى الروتين اليومي داخل منازلنا، يصبح الزواج مؤسّسة لها إدارة وأركان، وإن لم نتمكّن من إدارتها بشكل سليم فربما تفشل وتنهار. كثيرون منّا نساءً ورجالاً وخاصّة ممّن يعيشون ضمن ظروف منزلية مُحاطة بالتشتّت والقلق وعدم الاستقرار يعتقدون أنه بمجرد دخولهم القفص الذهبي (الزواج) سوف تنفتح لهم أبواب السعادة ويحققون كل ما يطمحون له، وأكثر من يظن هذا الشيء هنَّ الفتيات، خاصة إن كن يعشن في كنف أسرة ذات طابع متشدّد، هنا تعتقد أنها مجرّد ارتدت الفستان الأبيض تلوّنت حياتها وأيامها بلونه، متناسية مشقّات الحياة التي تبعدها كل البعد عن أحلامها الوردية، ومع أول طفل يشعُّ بضحكته داخل العائلة الجميلة تزداد الضغوط أكثر وأكثر ويختلف نمط الحياة كلياً: يهجر النوم هذه العائلة الجميلة مع بكاء الصغير الجائع ليلاً أو المتألم لبزوغ أسنانه، ويتحول الليل نهاراً والنهار ليلاً، وتبرد عواطفنا مع كل نفحة برد ألمّت بنا وبالصغير، فيصبح الزواج حقاً مؤسسة توظفنا بها بكل إرادة وإصرار، بكل شوق لاستلام منصب الإدارة الجديدة، رويداً رويداً تزداد الفوضى، نهمل أشياء على حساب أشياء، ويصبح هناك أولويات تهمّنا أكثر من قبل، ويصبح الحب بالفعل وليس بالكلام. هنا تصبح علبة الجبنة أهم من قطعة الكيك، وربطة البقدونس أهم من باقة الزهور، حتى جورب طفلنا أهم من فستان سهرتنا، ويزداد الخلاف بكثرة التفاصيل ومعه يزداد العتب مع قلة النوم، وتتربّع كلمتا (لو، وياريت) صدر جلساتنا الرومانسية. ولكثرة تسلّط هذه الكلمات ضمن الجلسة تتحول جلسة المشاعر الحميمية إلى جلسة عتب وتشهير، وبعدها كلمات غاية في الكراهية، وندخل فراشنا وكل منّا يلقي اللوم على نفسه، لماذا دخلت هذه المؤسسة الفاشلة، وبدل أن أتقاضى لقاء تعبي بتُّ أدفع كل شيء، حتى مشاعري أصبحت عبارة عن كذبة معلّبة ضمن عبوات نفتحها لنتجرّع منها القليل، ربما تكون جرعة للحب وننسى لبضع ساعات أو أيام مشقة العمل الطويل بمؤسسات الحياة وقد صُنّف الزواج من هذه المؤسسات.

لعلّ السبب يكون أحياناً باعتبار بعض الفتيات أن الرجل هو المسؤول الأول والوحيد لتأمين كل ما يلزم هذه الأسرة، متناسين أن الزواج هو شراكة بين طرفين يقع عليهما مسؤولية كل شيء، من المشاعر حتى الطعام والشراب والأطفال، وكل شيء يقع على عاتق طرفين أساسيين في إدارة هذه المؤسسة. أيضاً لا ننسى أن البعض من الرجال يعتقد أن المرأة وخاصة إذا كانت غير موظفة وفقط ربة منزل لا تتعب ولا تشعر بالضجر، مبرراً لنفسه أنها طوال اليوم في المنزل، فمن أين التعب وهي تجلس فقط أمام التلفاز متناسياً التعب الجسدي والنفسي من الروتين اليومي، والقلق من المسؤولية الجديدة مع أول حمل، وبوجود الأطفال فإنه من الطبيعي أن يوجد عبء التربية والتدريس، عبء الاهتمام والمتابعة، كل هذا الروتين قاتل جداً وخاصةً أنه مستمر. ومع الضائقة المادية في زمننا هذا، بات من الصعب أن تستمتع الأسر ذات الدخل المحدود بالرحلات والسهرات، لذلك مع استمرار البقاء الوقت الدائم في المنزل سوف تزداد الخلافات وتجعل من المشاعر مجرد واجب زوجي عند الطرفين، وبالتالي لابدّ أن نخلص لمقولة مريم (بطلة رواية طوق الياسمين) للكاتب الجزائري واسيني الأعرج: (كنتُ أظنُّ ان الزواج سيفتح كل أبوابي المُغلقة، ولكن يبدو أنه مؤسسة لا تختلف عن بقية المؤسسات الأخرى التي لا تعمل إلاّ على تغريب عواطفنا وتعليبها والتصديق بالكذبة الجميلة التي نبتدعها باستمرار حتى لا نموت قهراً).

وكما يقول البعض من الطرفين: المتزوج والأعزب، إنه بينما بعض المتزوجين يسعون للخروج من قائمة التعساء على حسب رأيهم، يسعى العزاب للدخول في قائمة السعداء على حسب ظنهم. وبالتالي يبقى الزواج هو حلم كل إنسان يبحث عن السعادة، العائلة، الطمأنينة والسكن الروحي ونحن نجعل منه أجمل مؤسسة بعلاقة التشاركية حتى بالمشاعر والحميمية، فهل هناك أجمل من استقرار متوج بأطفال هم أساس الحياة وبقاء البشرية!؟

العدد 1104 - 24/4/2024