(قدّ اللي فات من عمري بحبّك!)

ريم داوود:

إنها سنة ٢٠١٤ عامي السادس والعشرون، بداية كما أرادها الله: أجراسٌ تُقرع معلنة مطلع حياة جديدة، ترانيم ترجمت مشاعر الحب بسطور خطّت باكورة الارتباط. إنه يوم زفافي.. كانت تلك أول مرة أضع فيها مساحيق التجميل بهذا الشكل، كنتُ مختلفة تماماً، كيف لا وقد استغرقت خمس ساعات في صالون التجميل، مشاعر من الخوف والفرح ممزوجة ببعض القلق غزت خلجاتي، فأنا اليوم أُزَفُّ عروساً.

انتهت مراسم الزواج مطلقةً زغاريد جدتي التي طالما حلمت أن تراني عروساً، أنهينا ترتيبات الزفاف من تهنئة وتصوير شاكرين جميل محبة الناس ومشاركتهم لنا، على الرغم من الأوضاع الأمنية السيئة التي كانت تسيطر على المنطقة آنذاك. ركبتُ وزوجي السيارة نتبادل نظرات الفرح والسرور، نعم، لقد فعلناها: فرغم كل الصعوبات، رغم كل العقبات التي واجهتنا، نحن اليوم زوجان.

نظرت إلى عينيه فرأيته يبادلني العهد الذي قطعناه بأن يكلّل حبنا بالمودة والاحترام والتفاهم.

مرّ على زواجي ما يقارب الشهر، وفي كل يوم كانت مسؤولياتي تزداد، لكني كنتُ سعيدة بها، فأنا اليوم سيدة منزلي، كما قال زوجي، وكم كنت فرحة بهذه العبارة، عاودت العمل بعد أن انتهت إجازتي، فقوبلتُ بترحيب من الزملاء والزميلات. ووسط جلسة أنثوية بامتياز انهالت عليّ عشرات الأسئلة: (كيفا العروس؟ كيف لقيتي الزواج؟) وتسأل أخرى: (دخلك نصيحة ولا بلاها هالعلقة؟) وتضيف إحداهن: (يا أختي الحرية حلوة، شو بدك بزلمة يقلك روحي ولا تروحي؟!). ضحكت والبشاشة ملأت معالم وجهي، وقبل أن أتلفّظ بعباراتي انهالت سهام إحداهن: (روقوا عالبنت، لسّاتا عروس! حبيبتي متلك متل كل لي تزوجوا: كم يوم بالعسل، وببلش الأخد والعطا، وبتقولي: ياريت!).

كلمات كانت كاللهيب أضرمت النار داخلي وجعلتني أدخل في صراع مع ذاتي، هل يُعقل أن تكون محقّة، وأن يكون ما خطّطتُ له مجرّد أوهام وأحلام؟ أيعقل أن يكون زواجي مجرّد مرحلة أمرّ بها؟ كلّا، لا يمكن، فأنا وزوجي متفاهمان! ظلّت كلمات زميلتي تراودني بين الحين والآخر، لكنني في كل يوم كنت أكتشف كم كانت مخطئة. في كل يوم كان زوجي يثبت لي عكس ما تفضّلت به، ويترجم حبه بأفعال من الرجولة سماتها، رجولة حقيقية، رجولة لم أخطئ في اختيارها. مضت ست سنوات على زواجي ولا يزال زوجي يثبت لي ذلك.

في حديث دار بيني وبين إحدى الفتيات العازبات عن الزواج والارتباط والمسؤوليات، أدلت بما لديها مؤكّدة أن شبّان اليوم غير مكترثين بالزواج، ينظرون إلى الفتاة على أنها مجرّد صديقة لا أكثر. أضفتُ مقاطعة بعض الشيء، معارضةً ما تفضّلت به مؤكّدة لها أنه على مرّ العصور والأزمنة، ورغم كل الخلافات بين الذكور والإناث والثورات العارمة التي تطالب فيها الإناث بحقوقهن من طغيان الذكور، ورغم كل ما يتبجّح به الذكور من أقاويل وترّهات عن الإناث، لم يستطع كلا الجنسين أن يتخلّى أحدهما عن الآخر، وكلٌّ منهما في بحث دؤوب عن شريك مناسب يتابع معه مسير الحياة. فقلت: يا صديقتي، أتقبلين مني المشورة؟ قالت: بكل سرور! فقلت: عليك يا فتاة أن تُحسني الاختيار، فالزواج مؤسّسة إذا أحسنّا إدارتها فاضت علينا بوافر نعمها، إنه خطوة مقدّسة، تناغم بين الشريكين، أيام من الإشراق تكسوها رياحين الحنان، والأكيد أنها لا تخلو من المصاعب والعراقيل. فبالتفاهم والمودة، بالصبر والإتقان يتجاوز الشريكان كل ثغرة ويقفزان فوق مطبّات الزمان، كل ما عليك يا عزيزتي أن تقاطعي بين العقل والقلب عند اختيار الشريك. نحن اليوم نواجه شرخاً كبيراً في المؤسسة الزوجية، وهذا يعود لأسباب وعوامل عدة، لكني أكيدة أن لكلٍّ من الزوجين القدرة على تجاوزها بالرحمة والمحبة والتفاهم، فخلاصة الزواج: كثير من المسؤولية ممزوجة بكثير من التفاهم والحب.

العدد 1102 - 03/4/2024