(وهلّأ صار بدّك تروحي.. والقصة هيّ.. هيّ!)

إيناس ونوس:

وكان أن تحقق الحلم الذي طال أمده، بعد أعوامٍ من الدراسة وتحصيل أعلى الشهادات، وبعد فترةٍ من التعارف والارتباط، تكلل الحب الذي جمعهما بالزواج، وأخيراً.. غدت مملكتهما الخاصة كما كانا يسميانها واقعاً حياً، وحان وقت تبلور الأحلام والأقوال إلى أفعالٍ حيةٍ على الأرض. مضت فترة الزواج الأولى كما رسما لها وخططا، وبدأت الأيام تتتالى، وأخذا يتعرّفان كلٌّ منهما على الآخر أكثر فأكثر عن كثب، فكان ما فاجأهما وكان ما هو معروف سابقاً كعادة كل الأزواج في السنة الأولى بعد العيش اللحظي المشترك، وعلى عادتهما اعتمدا النقاش في كل مرة وأمام كل موقف، رغبة بتجاوز السلبيات أو الأمور التي من الممكن تجاوزها رغبةً باستمرارية هذه العلاقة ووصولها إلى بر الأمان المنشود. وأخذت السنوات تتوالى، ما جعل عدة مسلكياتٍ تظهر لها وتبدأ تطفو على السطح ولم يعد بالمقدور تجاوزها، ولم يعد النقاش فيها مجدياً. وبعد تكرار المحاولات استنتجت أنها غير قادرةٍ على تغيير أيٍّ منها، خلافاً لما كانت تعتقده سابقاً بأنها تمتلك ما يؤهلها لتغيير بعض المسلكيات حينما تمنح الحب والدفء والحنان، وظناً منها (بناء على ما تبدّى لها من قِبَله في فترة الارتباط) بأنها إن قدَّمت شيئاً ما سيقابله بالمثل إن لم يكن أكثر، أو على الأقل يعترف به ويقف سيفاً في ظهرها، وسنداً لها في الأوقات الصعبة التي ستمر بهما ككل الناس. غير أن المفاجأة قصمت ظهرها وأحلامها وروحها، حينما وجدته أول من يتخلّى عنها في الملمّات، وأول من يلومها عندما يتعرضان لموقفٍ من البديهي أن يكون هو المواجه الأول فيه أو من يُفترض أن يمتلك زمام المبادرة لحلّه. وبعد عدة محاولات من قبلها معه لأن يتعامل بأسلوب مغاير، إلاّ أنه في كل مرة يزداد تعنتاً، وصلت إلى نتيجةٍ مفادها ضرورة أن تمتلك هي زمام المبادرة وتقود هذا المركب كي يصل إلى شاطئه بأقل الخسائر إمكانيةً، وبعد أن استجمعت قواها وأقنعت نفسها بما عزمت عليه، أخذت تنفذ ما قررته، إلاّ أنه كان لها بالمرصاد، رافضاً هذه الشخصية التي كان يعشقها فيما مضى، لأنها بدأت تحل محلّه، واصفاً إياها بـ (المسترجلة)، فما كان منها إلاّ أن بادرت بحلٍّ مغايرٍ، فتنازلت له عن كل الصلاحيات التي من واجبه أن يقوم بها، وخاطبته ذات نقاش: (حسناً، فلتقم أنت بدور الرجل بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وسأقوم أنا بدور المرأة أيضاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وبهذا لا أكون قد تجاوزتك بشيء، ولك ما تريد بكل الأمور)، وبعد مضيّ فترةٍ على اتفاقهما، وجدته غاضباً، غير راضٍ عمّا تقوم به، فعادت المشادّات بينهما، سألته: (ماذا تريد؟ وكيف يمكن أن ترضى؟ لم تبقَ وسيلة إلّا اتبعتها كي نرتاح معاً ويرتاح الأولاد الذين باتوا يلحظون ما نحن عليه، فما العمل!؟)، وطبعاً كما كل السنوات السابقة لم تصل إلى نتيجة، لا تعرف إن بادرت بأي أمر ماذا ستكون العاقبة.. وصارت غير قادرةٍ على الاستمرار بهذه الحياة، لذا، وبعد عدّة حوارات مع نفسها ومع أقرب أصدقائها، توصلت أخيراً لقرارها الذي تعرف تماماً أنها ستدفع ثمنه باهظاً، من عمرها، من جسدها، من روحها، إلّا أنها أصرّت عليه، فطالبته بالانفصال بكل هدوء مذكّرةً إياه بتعهداته السابقة فيما مضى، في حال وصلا إلى طريقٍ مسدود.

وكان الانفصال، وها هي ذي تعيش مع أولادها بعيداً عنه، متحمّلةً كل الأعباء التي يمكن للمرء أن يتخيلها، مقابل أنها ارتاحت من التعامل مع إنسانٍ لا يعرف ماذا يريد، ولا كيف يعيش.

ذات ليلة، وبعد أن نام الأولاد، جلست مع ذاتها كعادتها بعد أن تنهي جميع أعمالها، تصغي إلى أغنيةٍ لطالما حلمت أن تحقق كل كلمةٍ فيها، وهذه الأغنية جعلت شريط حياتها ماثلاً أمام ناظريها، فتتالت صور ارتباطهما وحبهما، وزواجهما وسنواتهما معاً، مستذكرةً كل كلمةٍ وكل حرفٍ قيل وقتذاك، وبالمقابل كيف وصلت إلى ما كانت تتمنى ألا تصل إليه.

(كوني قمح وسكر..

كوني ورد وعنبر..

وقنديل الزوار..

يا مشوار من دار لدار..

يا يا يا حلوة!)

العدد 1104 - 24/4/2024