انفراجات بنكهة (صفقة العار)!

كتب رئيس التحرير:

من يدقّق في السياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط منذ بداية التحريض لتمرير (صفقة القرن)، تتضح له تحولات هامة في جوهر التوجه الأمريكي باتجاه إعادة رسم هذه السياسات موسومة بخاتم صهيوني، بعد تمرير (الصفقة). ومادامت المسألة الفلسطينية هي (بيضة القبّان)، هي السلم والحرب، ومصدر التوتر.. والانفراج، ومادامت السياسات الأمريكية تسعى إلى تسليم الكيان الصهيوني مفاتيح المنطقة، لاندماج المصالح، فلتأتِ الانفراجات.. والتعقيدات فيها، تبعاً لسيرورة هذه الصفقة!

ماهي مؤشرات هذا التحول الأمريكي؟

1-إصرار على رفض أيّ مسعى دولي لوقف تدهور العلاقات الأمريكية_ الإيرانية، بل على العكس تماماً التوجه نحو توتيرها أكثر فأكثر، رغم مخاطر هذه السياسات على حلفاء أمريكا في الخليج.

2-توريط آل سعود في استمرار حربهم القذرة في اليمن، وإفشال أي جهد سلمي لوقف القتال واللجوء إلى المفاوضات.

3-تدخل فظّ، علني وسري، في الشؤون اللبنانية، وربط الإنقاذ بحزمة من الشروط، أولها القطيعة مع السوريين.

4-إثارة الأطراف المتناحرة في العراق، وتشجيع بقايا الدواعش على استمرار إثبات الوجود، وإعادة النظر بتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وتحفيز الأطراف الليبية على استمرار الحرب في ليبيا ودور أردوغان في تنفيذ المخطط.

5-الضغط على زعيمي الأغلبية (نتنياهو وغانتس)، بهدف تأجيل كل الخلافات والتفرغ لفرض الصفقة.

6- عرقلة الجهود السلمية لحل الأزمة السورية، بالاشتراك مع أردوغان، وتراجع ترامب عن قراره بسحب قواته من سورية، وعودة الدبلوماسية الأمريكية إلى الإيحاء بضرورة تسليم البلاد إلى أعداء (الأسد)، وتسليط (قانون قيصر) على رقاب السوريين، والإيعاز إلى أدواتهم في الخارج والداخل السوري لبدء حملة تجويع الشعب السوري.

7- إرسال الإشارات والرسائل مع حلفاء.. وشخصيات،بأن جميع هذه المشكلات ستجد الحلول المناسبة، ولكن تبعاً لموقف جميع الأطراف من تنفيذ (الصفقة)، وإتمام المخطط الأمريكي_ الصهيوني باستباحة المنطقة.

حلفاء أمريكا في المنطقة استوعبوا الرسالة جيداً، وربما كان بعضهم أشد حماساً من الأمريكيين أنفسهم لتمرير الصفقة، إذ راحوا يطبّعون ويزورون الكيان الصهيوني في السر والعلن، ويقدمون النصائح المغلفة بالتهديدات، للقادة الفلسطينيين، بضرورة قبول التخلّي عن الأرض والحقوق والهوية!

ما العمل؟

هناك قول مأثور للراحل الشيوعي الوطني الكبير (خالد بكداش) يقول فيه: (إن إغضاب الاستعمار أسهل بكثير من إرضائه)، فهو لن يرضى بالتنازل ولو كان جوهرياً، بل يسعى إلى التسليم.. إلى إذلال الشعوب، واستباحة الأرض والثروات.. يسعى إلى التركيع.. والتحكم بعد ذلك حتى بالهواء الذي تتنفسه رئات البشر، لذلك قلنا في الماضي ونكرر اليوم: لا بديل عن المقاومة والصمود.

فلسطينياً، يدرك إخوتنا في المقاومة الفلسطينية أن برق المساومات والصفقات المنفردة ورعودها، وترجّي الأمل من الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، أتى بـ(صفقة العار)، وأن الخضوع للأمريكيين ومهادنة المروجين والناصحين والمطبّعين لن تأتي إلا بضياع الأرض والحقوق.. إلى الأبد، وأن صمود الشعب الفلسطيني وحده، هو الرد على نفي الوجود واقتلاع الأمل بإحقاق الحقوق الفلسطينية من الجذور، ليبقى بعدها حلم الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية أثراً بعد عين. ويدركون أيضاً أن مقاومة (الصفقة)، بجميع أشكال المقاومة وبضمنها المقاومة المسلحة، هي حجر الزاوية في إفشال المخطط الأمريكي الصهيوني.

في سورية، وبعد صمود الشعب السوري وجيشه الوطني وتضحياتهم، التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها، وبعد النجاحات التي تمثلت في استعادة معظم الأرض السورية من أيدي الإرهابيين، وإفشال الغزو المدعوم من التحالف الدولي المعادي لسورية الذي قادته الامبريالية الأمريكية وتركيا وآل سعود، لا بدّ من استكمال مقومات النصر النهائي على بقايا الإرهابيين، وتحرير كل شبر من الأرض السورية، ومقاومة العدوان التركي الغاشم والاحتلالين الصهيوني والأمريكي، واستعادة سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً. ونقولها هنا بالفم الملآن: إن التهاون في تهيئة مستلزمات صمود سورية وشعبها في مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني يعرّض بلادنا وشعبنا لمخاطر التقسيم.. والتفتيت الديني والطائفي والإثني، والتنكّر لكل التضحيات التي بذلها الشعب السوري منذ ما قبل الاستقلال وحتى اليوم.

إن التمسك بالثوابت الوطنية، يعني اليوم استمرار المواجهة وجمع كلمة السوريين بالاستناد إلى مؤتمر وطني شامل، يضم أطياف الشعب السوري السياسية والاجتماعية والإثنية، للتوافق على المرتكزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنهج متكامل هو: نهج الصمود والمواجهة. ويأتي في طليعة هذه المرتكزات معالجة الوضع المعيشي المتدهور للمواطنين السوريين، الذي وصل إلى حد ينذر بمخاطر اجتماعية قد يستغلها أعداء سورية، خاصة بعد تشديد الضغوط الأمريكية والأوربية، وتفعيل (قانون قيصر)، واشتداد شهوة المحتكرين وأسياد الأسواق.. والفاسدين.. وسارقي المال العام، إلى مزيد من دماء الشعب السوري.

فلتتوقف لامبالاة بعض مراكز القرار!

ولتتوقف الحملات المشبوهة لإذلال السوريين وتجويعهم، بهدف النيل من صمودهم وراء جيشهم الوطني!

أيّ خطر.. لا يعادل خطر فقدان الأرض.. ووحدة الشعب.. والسيادة.

العدد 1104 - 24/4/2024