أحلام وردية

مرح محمد نبيل السمكري:

أخبرني يوماً عن أحلامه قائلاً: أعرف أنها أحلام مستحيلة التحقيق، إلاّ أني أغرق بها يومياً في الساعات التي اختلي بها بنفسي، أحلم أن أكون مثقف جداً، لدي دراية بكل المجالات، أحلم أن أحصل على عمل محترم، براتب محترم، أعيش من خلاله حياة محترمة، أحلم أن تكون لدي سيارتي الخاصة والمريحة التي تُغنيني عن وسائل النقل العامة، أحلم أن أملك منزلاً خاصاً بي، واسع المساحة، فيه حديقة صغيرة وبضع ألعاب لأولادي، إضافة لمسبح صغير، أحلم أن أسافر بعيداً بهدف السياحة والاستجمام، وأرى ما خلق الله على هذا الكوكب، أحلم أن أتزوج بفتاة أحبها، جميلة ورقيقة، لا فتاة تقبل بي وبهمومي التي ترافقني، أحلم أن أعيش بلا تهديد، وأن تكون كافة مطالبي مؤمّنة، وأن تكون لدي كرامة، كل ما سبق ذكره مقدمات ليكون لدي كرامة، أرجوكِ لا تسخري من أحلامي الوردية الطفولية، فهي ملاذي الوحيد في هذه الغابة.

هذه ليست أحلام!! هذه حقوق، حقوق بشرية يجب أن يتمتّع بها كل إنسان لكونه إنسان فقط، بغضِّ النظر عن عرقه ودينه وشكله، حقوق تضمن لك العيش بكرامة.

في بداية التاريخ لم يكن يوجد ما يُسمّى حقوق إنسان، وجودك مع المجموعة القوية فقط ما يضمن لك حقوقك، ووجودك مع مجموعة غيرها يعني أنك مسلوب الحقوق والكرامة والأمان، ولكن بعد عدة ثورات وحروب تمّ الوصول إلى منظومة حقوق الإنسان في العام 1948 وهذه المنظومة تنصُّ على قوانين يجب أن يتمتّع بها كل شخص على حدٍّ سواء، ومن هذه القوانين حقّك في العيش والأمن والسكن والغذاء والتعليم والتعبير بحرية وإلى آخره من هذه المفردات التي لا تعرف الشعوب العربية منها إلاّ أسمائها.

فنحن دول العالم الثالث نعلّم الخليقة معنى أن تكون مسلوب الكرامة، لأن الحكومات فيها هم فقط البشر الذين يتمتّعون بحقوق إنسانية، أمّا الشعوب فلا ترتقي لدرجة الحيوانات في حقوقها، الشعوب فيها فقط أرقام على شاشات التلفاز وصفحات وكالات الأنباء بين قتلى ومعتقلين ومهجّرين، مجرّد مخلوقات يؤمّنون دخلاً لحكوماتهم، ويدفعون ثمن الصراعات السياسية بين الحكومات، الحكومات التي تشبه وحوش ضخمة تتحارب فوق مدينة فتهشمها تحت أقدامها.

كل ما يهمهم هو البقاء في مناصبهم أطول فترة ممكنة، أمّا الشعوب فلتذهب إلى الجحيم، فالحكومات تُمارس عليهم أشدُّ أنواع الطغيان، اعتقالات تعسفية حتى لا يجرؤ أحد على لفظ كلمة تطعن بها، حرية التعبير أضحت نكتة نضحك عليها حتى البكاء، ضرائب تفوق قدرة المواطن، ووظائف تشعرك أنك عبد، لتخرج من العمل وتجد قيمة مرتّبك مكتوبة على حذاء في إحدى واجهات المتاجر، أمّا المنازل فهي لا تصلح للسكن البشري، وبالنسبة للتعليم فإنه أشبه بما يُسمّى سر بالمكان، تقضي ما يقارب 15 سنة من حياتك في رسالة التعليم وأنت لا تملك من العلم إلاّ قليلا، مؤلمة مناظر الوجوه المُتعبَة، والعيون المُنكسِرة، مؤلمة أشكال النساء التي استغنت عن رقّتها وصارت أشبه بالرجال بغية تأمين قوت أولادها، مشاهد المواطنين على مواقف وسائل النقل العامة مُبكية، أشكالهم على طوابير الغاز وهم يتوسلون من أجل الحصول على جرّة، منظرهم وهم يسيرون على ضوء قداحاتهم وهواتفهم بسبب انقطاع أو انعدام الكهرباء.

ويبقى الملاذ للشعوب هو الهجرة، وشعوب أخرى اختارت الثورات التي أدّت إلى قمع أكبر واستبداد أكبر، والحلُّ لا يأتي إلاّ من الحكومات، فلا يمكن للمواطن العربي الحصول على حقوقه إن لم تمنحه إياها جكوماته!

العدد 1104 - 24/4/2024