حقـوق عـلى ورق

غزل حسين المصطفى:

كنتُ أُفكّر في نقطة بداية لمقالي هذا وأبحث وأتصفّح موقع(فيسبوك) لعلّني أجد ضالّتي فتلمع في رأسي الفكرة، وفعلاً بضع ثوانٍ من القراءة كانت كفيلة بأن تصعقني، أُدرك تماماً سوء الحالة التي وصلنا إليها، لكن لم تُسعفني مُخيّلتي البسيطة في توقّع مستقبل كهذا.

كان المنشور لصديقتي تتحدّث عن موقف حقيقي صادفها في أفخم شوارع دمشق، فقد طرقت زجاج سيارتها طفلة على إحدى إشارات المرور، وما إن فتحت لها النافذة وكانت تُدرك مُسبقاً أنها ستطلب المال لقاء سلعة ما أو استعطاف مُعيّن، لكن الأمر لم يكن كذلك، رفعت الطفلة يدها وأبرزت في الأخرى قطعة زجاج مكسورة، وبدأت تجرح نفسها وتُهدّد صديقتي بأنها لن تتوقّف إلاّ لقاء المال، وسوف تنثر الدماء عليها.

تصوروا أيها السادة هول المشهد، إنها طفلة، وعلى بعد أمتار عديدة تبيّن وجود والدتها أو المسؤولة عنها مُتمركزة في نقطة معينة تنشر رعاياها هنا وهناك لجني المال بأفكار شيطانية غير إنسانية بالمطلق.

لا أعرف ماذا يمكن أن يكون تعقيبي على هذا، فأنا مُشتّتة بين مجموعة معطيات، ولكن كلها تصل بي إلى استنكار واستهجان الموقف، صدقاً كلُّ الكلام يعجز عن التعبير.

لا نُنكر اليوم أننا وصلنا إلى ما هو أعظم من الحرب العسكرية، ذلك القناص وتلك القذائف لم تفعل بنا ما تفعله الآن الحرب الاقتصادية. في الحرب كُنّا ندرك الأطراف المتصارعة ربما، أو قد نعرف من الجاني ومن الضحية، لكن اليوم كُلنا ضحايا والفعل مُقيّدضدّ مجهول، لأن أصحاب الكلمة والقرار يتقاذفون التُّهم ولا نصل معهم إلى تصريح يُثلج الصدور الثائرة ويُبدّد تساؤلاتنا.

بغضِّ النظر عن كل شيء ممّا سبق فيما يتعلّق بالحرب والاقتصاد، نعود لنقطة البداية والسؤال هل مانحن عليه مُبرِّر لحالة التكالب على أكل الحصّة الأكبر والوصول إلى رصيد أكبر!

أين إنسانيتنا، قيمنا، أخلاقنا!؟

أين أصحاب الطاولات المستديرة والأيام العالمية والشرائط الملونة عن واقعنا؟!

أين حقوق الإنسان!؟

أين الإنسان على الخارطة؟!

كيف يمكن أن نُمسك زمام الأمور بعد أن ضاعت كل الخيوط وتُهنا؟!

تنبيه:

إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية غير قابلة للتصرّف. فهي حقٌّ لكل الناس في كل مكان من العالم، وليس بوسع أيّ أحد أن يتخلّى عنها طوعاً، كما لا يحقّ للآخرين سلبها من أي شخص.

لكن تلك الحقوق تنصُّ على الكثير من البنود التي لم أجد لها أيّ أثر في نطاق المجتمع السوري، ليس تعميماً إنما الحالات مُختلفة مُتفاوتةلا تنطبق على الكل.

لكن ما نعيشه كلنا اليوم، وأقصد بـ(كلنا) أفراد الشعب الذين مرّت الحرب من فوق صدورهم وتركت ندوبها، ولا نشمل من كانت الحرب قد حملتهم على أكتافها أثناء المسير وأخفضت صوتها كي يناموا ملء جفونهم وأجوافهم محشوّة بما لذَّ وطاب والدفء يُدغدغ عظامهم.

نحن من ننتظر بفارغ الصبر أن تنتظم مواعيد تقنين الكهرباء لنضبط توقيت حياتنا على موعد قاطع التيار الكهربائي.

نحن من نتلمّس الدفء بالحب، فليترات المازوت تلك قد لا تكفي ليالي الشتاء الطويلة، والتقنين والخطط الاقتصادية للاستهلاك هي سيّدة الموقف.

نحن من ننتظر على موقف الحافلة طويلاً في كل الظروف، ونبدأ بمسلسل(التدفيش) عند وصولها.

نحن من نأكل من خبز الأفران الحكومية بعد عناءانتظار لطابور طويل، وقد تكون ربطة الخبز غير جيدة لأسباب تتعلّق بالدقيق والتخمير و…و… الخ لكنّنا نأكل ونحمد الله ونشكره.

نحن من يتقاذفنا سعر الدولار وتُحكم أيادي التُجّار الإطباق على رقابنا.

نحن من يعتبر التعليم رفاهية لأن العمل هو سبيل العيش الوحيد للفرد.

نحن من أجبرنا على استبدال الأساسيات لتُصبح كماليات ونعيش على التيسير.

نحن من تخلق لنا بعض الأمطار مشكلة في السير ومشكلة في التصريف لتُغرق البيوت وتتحوّل خيرات الله نكبة.

نحن من سُميَّت عندنا الوزارة بـ(وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) وقد لا يجد الطالب الجامعي في المخبر أيُّ مادة قابلة للتطبيق فيكون البحث العلمي على الورق.

نحن من يساوم الطفل على حياته من أجل قروش وهو من يجب أن يساومنا على أيّ جائزة سيحصل في حال تفوقه.

نحن من ينام الناس عندنا في الحدائق العامة وعلى الأرصفة.

نحن من ستجد عندهم أطفالاً مرميين بالقرب من حاوية ما.

ونحن من تزداد عندنا حالات الاغتصاب والتّحرّش.

أيكفي ما ذكرت؟ أم تريدون أن أحكي لكم المزيد!؟

بالمختصر نحن نفقد إنسانيتنا فلا حزن على حقوق كُتبت على الورق!

العدد 1104 - 24/4/2024