نحو المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد.. تقرير اللجنة المركزية إلى المؤتمر: الفكر السياسي الحديث يُجمٍع على أن العلاقة المثلى بين الشعب والدولة هي العلاقة التي تقوم على مبادئ المواطنة

تنشر(النّور) في هذا العدد الفصلين الثّالث والرّابع من تقرير اللّجنة المركزيّة المُقدم للمؤتمر الثّالث عشر للحزب، الذي سيُعقد في النّصف الثّاني من شهر تشرين الثّاني القادم، وهما الفصلان المتعلقان بالحزب وقضايا فكرية ونظرية (وكانت قد نشرت الفصلين الأول والثّاني في العدد الورقيّ السّابق: 876 بتاريخ 4/9/2019).

ونكرر هنا أننا نرحب بجميع الملاحظات والاقتراحات حول مضمون التّقرير، وسننشرها في ملف خاص.

 

الفصل الثالث: الحزب

لقد نشأ الحزب الشيوعي السوري في تربة وطنية اجتماعية مهيأة لانعطاف جذري في فكر النهضة العربية، وأحدثت التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من تحديات أمام حركة التحرر الوطنية العربية وإشعاع ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وضعاً واقعياً، جعل نشوء الحزب الشيوعي السوري ضرورة موضوعية وخياراً قابلاً للتنفيذ في النصف الأول من عشرينيات القرن العشرين. وفي 24 تشرين الأول 1924 تقرّر في (الحدث) إحدى ضواحي بيروت، إنشاء حزب شيوعي، وفي 28 تشرين الأول من العام نفسه اعترفت اللجنة التنفيذية للكومنتيرن بالحزب عضواً في الأممية الشيوعية.

-في نيسان 1930 عقد مؤتمره الأول، الذي أكد فيه على: (تقويض النظام الرأسمالي الاستعماري، وإنشاء النظام الاشتراكي على أنقاضه).

-أصدر الحزب في 7 تموز عام ،1931 الوثيقة البرنامجية الأولى، التي أكد فيها ضرورة النضال لتحقيق الاستقلال التام، والوحدة السورية، وسحب الجيوش الأجنبية المحتلة وإلغاء الانتداب والديون العثمانية وإلغاء امتيازات الشركات الأجنبية، ومصادرة ممتلكاتها.

-وفي عام 1934 دعا الحزب لعقد مؤتمر زحلة لمناقشة الوحدة العربية، واتخاذ موقف واضح بشأنها.

-وفي حزيران من العام نفسه أصدر جريدة (نضال الشعب)، وعقد مؤتمرين عامين للعمال في سورية ولبنان.

-ومع مرور الأيام والسنين توطدت مواقف الحزب وتوضحت أكثر، وتشكلت التنظيمات في معظم المدن والقرى، متّن الحزب علاقاته وتحالفاته مع القوى الوطنية لمواجهة القوى الرجعية والاستعمار والإقطاع، وعُرف بحزب العمال والكادحين والمثقفين الثوريين.

-في كانون الأول 1943- وكانون الثاني 1944 عقد الحزب مؤتمره الثاني، وأقرّ المؤتمر الميثاق الوطني الذي تضمن: استقلال سورية وسيادتها التامة، نظام جمهوري ديمقراطي وطني- المساواة بين جميع السوريين – تأمين الحريات العامة..الخ. وحمل لواء النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وأُطلق عليه (حزب الجلاء) و(حزب الخبز والحرية).

-وفي 11 أذار 1955 أصدر جريدة (النور) التي أوقفت عن الصدور في كانون الأول عام ،1958 وعادت للصدور في 13 أيار 2001.

– لقد عقد الحزب خلال هذا التاريخ النضالي الطويل اثني عشر مؤتمراً، ومجلسين وطنيين. ركّزت جميعها على:

أولاً- التمسك الحازم بالوطنية مبدأً وممارسةً:

-انصبّ اهتمام الحزب، منذ فجر وجوده حتى يومنا هذا، على القضية الوطنية، وانطلق من كون هذه القضية كانت وستبقى الحلقة الأساسية في نضاله. وقد تعامل معها وعالجها بالشكل الملموس، الملائم لكل وضع.

-إن المبدأ الأول الذي ارتكز عليه الحزب، منذ بياناته الأولى دفاعاً عن الثورة السورية الكبرى ونشاطاته المختلفة إسناداً لها، حتى أول برنامج أصدره في تموز عام ،1931 إلى يومنا هذا، مروراً بوثائق سائر المؤتمرات التي سبقت_ هو التمسك الحازم بالوطنية مبدأ وممارسة. (فالوطن بالنسبة للحزب هو المنطلق، والوطنية هي السلاح الأمضى كي يبقى الوطن ويستمر النضال في داخله من أجل جميع مكونات التطور والتفاعل والتغيير.

 

ثانياً- حزب يعبر عن مصالح (الشعب والوطن):

-جاء في مقدمة النظام الداخلي: الحزب الشيوعي السوري الموحد هو اتحاد كفاحي طوعي لمواطنين سوريين يعبّر في سياسته عن مصالح (الشعب والوطن). إنه حزب يتوجه لجماهير (المواطنين السوريين، ويؤكد في الوقت نفسه هويته الطبقية، وإن عماده الأساسي هم العمال والفلاحون والمثقفون والكادحون جميعاً). إن هذه الصيغة هي إغناء لمفهوم (وطن حر وشعب سعيد) الشعار الذي أقره المؤتمر الوطني الثاني للحزب نهاية عام 1943- أوائل عام 1944 وقد أصبحت الصيغة: (حزب للشعب والوطن).

-إن هذا الوصف طرح مهام الحزب ودوره في إطار آفاق أوسع وأرحب.

-فـ (حزب الشعب تعني أنه مفتوح لجميع المواطنين، للشعب كلّه، وأن الشعارات الأساسية التي يناضل في سبيلها هي شعارات تهمّ الغالبية العظمى من جماهير الشعب، وتهمّ الشعب بأكمله.)

-و (حزب للوطن) بمعنى أن الحزب يضع القضية الوطنية في الدرجة الأولى، ويُخضع جميع القضايا الأخرى لها، وفي هذا الإطار يصوغ سياسته العامة ومواقفه.

 

ثالثاً- الماركسية- اللينينية… مرجعية الحزب الفكرية:

-إن مرجعية الحزب الفكرية هي الماركسية_ اللينينية، ومنهجها المادي الجدلي والمادي التاريخي، ومنجزات العلم، وكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني.

-لقد شدّد الحزب على المنهج المادي الجدلي والجدلي التاريخي، لأنه يشكل جوهر الماركسية وجوهر اللينينية، وماعدا ذلك من المسائل النظرية الأخرى فهو خاضع للدراسة والتحليل النقديين، كما أنه قابل للتطوير وفق تطور العلوم والمتغيرات.

-إن الماركسية هي منهجية بالأساس وطريقة في التفكير وأداة تحليل، قبل أن تكون تصورات وافكاراً وإيديولوجيا خاصة في واقع محدد، وزمان محدد، تندمج عبرها المفاهيم والتصورات النظرية والوقائع لتشكل معاً تصوراً عن الواقع وعن آليات تغييره.

 

رابعاً- التحالفات والجبهة:

-التحالف مع القوى الوطنية والتقدمية مبدأ أساسي من مبادئ الحزب، وهو يرى أنه ضرورة موضوعية لا يمكن تجاهلها، فالمهام المطروحة أمام البلاد هي مهام كبيرة تتجاوز قدرات أي حزب سياسي أو طبقة اجتماعية، وهي مهام سياسية واقتصادية واجتماعية ذات طابع وطني عام تخصّ وتهمّ جميع الطبقات والفئات الاجتماعية الوطنية.

-كما يرى الحزب أن الوحدة في التعددية والتنوع، لذلك يؤكد ضرورة الانفتاح على جميع القوى والتيارات السياسية والهيئات والشخصيات الاجتماعية الوطنية، على أساس ما يجمع، وهو المسألة الوطنية وحماية البلاد وتطويرها باتجاه تقدمي.

-لقد ناضل الحزب من أجل الجبهة الوطنية، ثم من أجل الجبهة الوطنية التقدمية، وشارك في المباحثات التي جرت بشأنها، وفي إعداد ميثاقها ونظامها الأساسي. وتستمر مشاركة الحزب حتى يومنا هذا ومساهمته في تعديل ميثاق الجبهة ونظامها الأساسي. وقدم العديد من الاقتراحات لتطوير الجبهة وتحسين عملها وأدائها.

-وكان من أهم هذه الاقتراحات التي قُدِّمت بمذكرة عام 2016: تعديل ميثاق الجبهة وخاصة النص الوارد في الميثاق حول الدور القيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي، بما يتناسب مع التعديلات التي جرت في الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه، والنص فيه على التعددية السياسية لنظام الحكم.

-كما قدم الحزب مذكرة في مطلع عام 2019 تضمّنت اقتراحات حول تطوير صيغة عمل الجبهة بما ينسجم مع التطورات الجديدة، ويعزز قدرتها، وكذلك زيادة دور الرقابة الشعبية والمشاركة الشعبية والمشاركة السياسية الفعلية لأحزاب الجبهة في إدارة أجهزة الدولة، وتنشيط النقابات والمنظمات الشعبية في القيام بالأعمال الجماهيرية المشتركة. وفسح المجال عملياً للعمل في أوساط الطلاب والشباب، وفي تحسين العمل الإعلامي وإشاعة ثقافة الحوار، وفسح المجال أمام أحزاب الجبهة للاستفادة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ودعم صحف الجبهة، وغير ذلك من الاقتراحات الملموسة.

 

خامساً- وحدة الشيوعيين السوريين:

-إن استمرار حالة الانقسام في صفوف الشيوعين السوريين هو حالة تقلق جميع الشيوعيين والقوى الوطنية والتقدمية، التي تشعر بأن الهجوم الاستعماري الصهيوني الرجعي على سورية هو في أشدّه، مما يتطلب بذلك جهود أكبر وأكثر من أجل توحيد الشيوعيين السوريين، بغية تنظيم عملية شاملة للدفاع عن البلاد وعن الفكر الاشتراكي.

-وقد حقّق المؤتمران السادس والسابع الموحد، خطوتين توحيديتين هامتين.

-إن الحزب ينظر إلى وحدة الشيوعيين السوريين على أنها هدف نبيل ومهمة أولية ومطلوبة. من هذا المنطلق قدّم العديد من المبادرات، كما سعى للعمل المشترك والتنسيق الواسع مع أطياف الحركة الشيوعية في سورية، لمصلحة النضال الوطني والطبقي، ومن أجل مصلحة الشعب.

-كما دعا الحزب إلى إقامة تعاون واسع بين قوى اليسار في سورية لاستنهاض الحركة الشعبية، وتعزيز الثقة بوجود قوى قادرة على الدفاع عن مصالح الشعب ومستقبل الوطن.

-إننا نعتقد بأن ما يوحد بين فصائل الحركة الشيوعية السورية، لجهة المهام الوطنية والطبقية الراهنة التي تجابه بلادنا، أكبر وأهمّ بكثير من التباين في الرأي حول بعض القضايا غير الملحة اليوم، وأكبر كذلك من الأسباب الذاتية لدى بعض هذه الفصائل. وفي جميع الأحوال فإن هذه العوامل يجب ألّا تحول دون التنسيق والقيام بأعمال مشتركة في المجالات الوطنية والنقابية والجماهيرية المتفق عليها في الأوضاع الراهنة.

 

سادساً – في التنظيم الحزبي:

-مبادئ تنظيم الحزب:

-يعتمد الحزب في تنظيمه مبدأ المركزية الديمقراطية وفق أحكام أساسية مثبتة في نظامه الداخلي، تتلخص في:

-وجود مركز واحد يقود الحزب، تشكل الهيئات القيادية بالانتخاب، حرية النقاش في كل ما يهم الحزب في اجتماعات الهيئات والمؤتمرات، تنفيذ قرارات الأكثرية، توزيع المسؤوليات استناداً إلى السيماء السياسية والعملية الأخلاقية، مراعاة التجديد والتواصل، ممارسة النقد والنقد الذاتي.

-إن الأساس في مفهوم الحزب لمبدأ المركزية الديمقراطية هو:

-وحدة الإرادة والعمل في كل الحزب.

-التنوع في إطار الوحدة.

-هذان المفهومان يؤدّيان إلى نبذ التكتلات، وذلك عبر التقيد بالنظام الداخلي وبسياسة الحزب العامة من جهة، وإلى صون حرية التفكير والاجتهاد والاحترام المتبادل للآراء، ويحفظان حق الأقلية في إيصال آرائها إلى الحزب وفق الأسس الحزبية.

-في الوضع التنظيمي الحالي ومتطلبات المستقبل:

-إذا كانت السمة العامة والظاهرة للوضع التنظيمي الحالي هي التراجع عما كان عليه الوضع قبل الأزمة في سورية، والذي تجلى بانخفاض عدد أعضاء الحزب، بالمقارنة مع ما كان عليه عام 2010 وارتفاع أعمار أعضائه، وانخفاض نسبة الشباب والنساء، وقلة عدد الرفاق العمال والفلاحين بين أعضائه، ما أدّى إلى تناقص عدد الفرق، وتحول الاجتماعات الحزبية في عدد من المنظمات إلى اجتماعات هيئات عامة بين الحين والآخر، وضعف الاشتراكات المالية، ونقص الكمية التي كانت توزع من جريدة (النور) …الخ. فهذا يعود لأسباب موضوعية وذاتية، سبق أن ذُكرت بالتفصيل في وثائق الحزب السابقة. وأهمها هو الحالة المأساوية التي عاشتها البلاد، والتي أدت ليس إلى انقطاع عدد من الرفاق عن الصلة بالحزب، أو فيما بينهم، بل إلى انقطاع منظمات بكاملها ولفترة طويلة من التواصل مع قيادة الحزب.

-ولكن ما يلاحَظ أيضاً_ ودون الوقوع بحالة الرضا عن النفس_ هو التحسّن النسبي والتدريجي في الوضع التنظيمي خلال السنتين الأخيرتين، إذا ما قورن بالسنوات السابقة. فإذا انطلقنا في تقييم الوضع التنظيمي الحالي من خلال رؤية الواقع الموضوعي والظروف القاسية التي عشناها وما زلنا نعيش فيها، يمكننا القول: إن السمة العامة لأغلب منظمات الحزب حالياً أصبحت أفضل من السابق.

– وهذا يضعنا، منظماتٍ وأعضاء في الحزب، أمام مهام حزبية، تنظيمية، هدفها الرئيس هو: العمل لتحسين وتفعيل دور الحزب بما يتناسب مع الظروف والمستجدات الحالية ومستقبلاً من خلال تجاوز السلبيات والنواقص وتطوير الإيجابيات، أي العمل الجدّي لتنفيذ الشعار الذي أقرّه مؤتمر الحزب: (الارتقاء بالعمل التنظيمي إلى مستوى العمل السياسي للحزب )، وتهيئة الحزب تنظيمياً لما هو قادم.

-وصياغة رؤية تنظيمية متطورة تتناسب مع هذه المتغيرات، وتتوافق مع رؤية الحزب السياسية ومهامه، أي الوصول بالتنظيم الحزبي إلى مستوى يكون فيه قادراً على تنفيذ مهامه السياسية والطبقية والاجتماعية والثقافية.

-جوهرها هي إحداث نقلة نوعية للارتقاء بدور الحزب السياسي والاجتماعي، وتوسيع صفوفه وسط الجماهير من خلال تبني مطالبها والنضال في سبيلها بشكل واضح ومتميز.

-والعمل لإعداد الكوادر الحزبية وخاصة من الكوادر الشابة، التي ستتولى مسؤوليات القيادة مستقبلاً، وتجديد أشكال وطرائق عمل المنظمات الحزبية، عبر تحقيق مبدأ القيادة الجماعية، وتوزيع المسؤوليات والمهمات، ومتابعة تنفيذها، وتطوير الانتقاد والانتقاد الذاتي، وعدم السكوت على النواقص والأخطاء، وتجاوز بعض حالات الركود والترهل، والتخلص من عناصر النزعة الإدارية على جميع المستويات، وتشجيع روح المبادرة الفردية والجماعية، والانفتاح أكثر وأكثر على الناس وعلى القوى السياسية الوطنية والشخصيات الفكرية والثقافية  والفنية، من خلال تقديم خطاب إعلامي وسياسي متقدم ومتميز واقعي، وملموس وجذاب، يعبر عن مصالح الجماهير الشعبية وتطلعاتها الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، ويساهم ليس فقط في استعادة متدرجة للمواقع الفكرية والقواعد الاجتماعية الشعبية التي كانت للحزب، بل يسعى إلى توسيع صفوفه ووجوده بينها أكثر وأكثر من خلال صلات الرفاق المباشرة والمنتظمة مع الجماهير في المدن والقرى، في المعامل والمصانع، في الحقول والمزارع، في المدارس والجامعات، في النقابات والمنظمات المهنية…. الخ، من جهة، وعبر الارتقاء بأساليب نشر هذا الخطاب باستخدام – وإلى أقصى حد ممكن – التقنيات ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة من جهة أخرى. كل هذا ينبغي أن يتم بالتضافر والتعاون مع جميع القوى والشخصيات الوطنية والتقدمية المخلصة.

-المنظمات الجماهيرية الديمقراطية:

-اتحاد الشباب الديمقراطي:

-إن حزبنا الشيوعي السوري الموحد، وانطلاقاً من أهمية هذه الفئة ودورها، ومن كون الشباب هم الأساس في رفد الحزب بالكوادر الجديدة، وهم الأساس أيضاً في توسيع القاعدة الجماهيرية للحزب، كان قد وضع في مؤتمره الثاني عشر مهمة التوسع بين صفوف الشباب، ورسمت هذه المهمة التوجه الأساسي لمكتب الشباب المركزي، فوضع خطة مرحلية للتوسع بين الشباب، وقد نظّم وأقام عدة أنشطة مهمة من معسكرات صيفية وورش عمل مركزية، وعدداً من الأنشطة الشبابية الفرعية في المنظمات. ومن الواضح أنه قد أصبح مهماً أن نتعامل مع عمل مكتب الشباب المركزي على أنه عمل ذو بعد استراتيجي، يتطلب الدعم الكامل من قبل الحزب على مستوى المركز والمنظمات، لأن مستقبل الحزب مرهون بنجاح هذا العمل أو فشله.

-وانطلاقاً من أهمية شريحة الشباب ولأهمية العمل بين الشباب بتنظيم خاص بهم، عمل الحزب على تأسيس منظمة شبابية رديفة له تعمل بشكل مستقل بما يصب في توجهات الحزب السياسية تتمتع بطابع جماهيري واسع، ألا وهي اتحاد الشباب الديمقراطي السوري الذي جذب إلى الحزب عبر تاريخه مئات الشباب المناضلين. كان للأحداث التي تمر بها البلاد على مدى ثمانية أعوام أثرها الكارثي على الاتحاد، إذ فقدَ، شأنه في ذلك شأن الحزب، كثيراً من الكوادر وحتى المنظمات. وقد عمل الحزب على دعم المنظمة الشبابية وترميم قيادتها، وتشكيل هيئة قيادية مؤقتة من أجل الحفاظ على استمرار عمل الاتحاد، وتعمل هذه القيادة على إعادة بناء المنظمات الاتحادية في المحافظات. ومن الضروري التأكيد هنا على أهمية أن تدعم كلُّ منظمات الحزب جهودَ قيادة الاتحاد، في إعادة بناء منظمات الاتحاد في جميع المحافظات. إننا نتطلع إلى أن يكون المؤتمر الثالث عشر لحزبنا نقلة نوعية في دعم العمل الشبابي وتطويره، لاستعادة الدور الوطني للاتحاد، وبناء جيل شاب يؤمن بالقيم الوطنية والديمقراطية والعلمانية، خصوصاً في ظل سعي القوى والتيارات المنافسة لجذب الشباب إلى صفوفها، وتغذيتهم بأفكار متخلفة ومتطرفة وعدمية من جهة، ومتحللة من القيم الوطنية والنضالية والأخلاقية من جهة أخرى وتشكل تهديداً للشعب والوطن.

– رابطة النساء السوريات:

– منذ تأسيس رابطة النساء السوريات عام 1948 حتى اليوم، وهي تتوجه بنشاطها إلى جماهير النساء الكادحات من العاملات والفلاحات والمثقفات وربات البيوت.

– تبنت الرابطة الدفاع عن حقوق المرأة السورية، وساهمت في نضال شعبنا ضد الأحلاف والمشاريع الاستعمارية وضد الأنظمة الرجعية والديكتاتورية، في سبيل تحقيق الحريات الديمقراطية وفق مبادئ الاشتراكية العلمية.

– تأثر عمل الرابطة ونشاطها خلال السنوات الماضية، لأسباب عديدة، موضوعية وذاتية وانعكاسات الحرب على سورية، إلا أنها عادت تدريجياً للقيام بدورها، فعقدت بتاريخ 22/9/2018 مؤتمرها الثامن، وقد تم من خلال المؤتمر إقرار النظام الداخلي والبرنامج المطلبي، كما انتخب المؤتمر لجنة تنفيذية لقيادة عمل الرابطة على مستوى البلاد، وقامت اللجنة التنفيذية بالتواصل مع عدد من الفروع في المحافظات، والعمل لتشكيل فروع في المحافظات التي لا يوجد فيها فرع للرابطة، كما نظمت عدة أنشطة وفعاليات- منها الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسها، والاحتفال بيوم المرأة العالمي، وغيرها من الفعاليات والنشاطات.

-إننا نرى أن أمام مؤتمرنا الثالث عشر فرصة هامة للاستفادة من التجارب السابقة، والعمل بكل عزم وإصرار على إبداع الحلول الناجحة لما يواجهنا الآن وفي المستقبل.

 

الفصل الرابع: قضايا فكرية ونظرية

 

المواطنة:

-يكاد الفكر السياسي الحديث يُجمِع على أن العلاقة المثلى بين الشعب والدولة، بين المحكومين والحاكمين، هي العلاقة التي تقوم على مبادئ المواطنة. وتتضمن المواطنة بمفاهيمها الحديثة جانبين متكاملين:

الأول: الاشتراك في الوطن، فالوطن بما فيه من خيرات وجمال وثقافة هو لأبنائه كلهم، كما أن المواطنين يتشاركون في بناء الوطن وتطوره، كلٌّ بقدر ما يستطيع.

الثاني: هو التساوي في الحقوق الأساسية هي: الحق في العيش، أي حق الحياة، وحق التعبير عن الرأي في مختلف القضايا، والمشاركة السياسية عن طريق الانتخاب، والنشاط الحزبي، والحرية الشخصية في اختيار العمل، وحق التعليم وممارسة الهوايات، والحب والتمتع بالطبيعة والتجول، وتكوين الأسرة، وذلك كله في إطار دستوري قانوني، على أن يكون الدستور دستور مواطنة، أي دستوراً ديمقراطياً، وكذلك القوانين المنظمة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

-ونعني بذلك أن يحمي الدستور والقوانين المستندة إليه تلك الحقوق، ويمنع كل شكل من أشكال التضييق عليها والانتقاص منها، وإذا كانت المواطنة تعني إقرار الحكومة بتلك الحقوق، فإن ترتيبها وتدرّجها في الأهمية يختلفان من مذهب سياسي وفكري إلى آخر، فبينما ترى بعض التيارات والمذاهب أن الأهم في حقوق الإنسان هو حقوقه السياسية، ترى تيارات أخرى أن الحقوق الاقتصادية هي الأكثر أهمية، وأن الحق في العمل والضمان الصحي والتعليمي تفوق الحقوق السياسية أهمية. ويصل الأمر ببعض التيارات إلى وضع ما اصطُلح على تسميته بالديمقراطية الاجتماعية في تعارض مع الديمقراطية السياسية، ولا يخفى ما في هذا التعارض المفترض من تأسيس نظري للنيل من حقوق الإنسان وفكرة المواطنة.

-ولعل الرؤى المتباينة لحقوق الإنسان يمكن أن تتكامل بدلاً من أن تتعارض، فيقرّ الجميع أن للإنسان حقوقاً سياسية واقتصادية وثقافية، وأن تأمين فرص متساوية، حقاً لا قولاً فقط، يقتضي الخلاص من البطالة والجهل، كما يقتضي توفر الحقوق السياسية والثقافية والصحفية للأفراد والجماعات، ومثل هذا التكامل يحتاج إلى نضال دؤوب، ولا يمكن أن يجري ويثمر إلا في ظل نظام الديمقراطية السياسية. وبالتالي فإن الديمقراطية السياسية هي الحلقة الأولى والمفتاح المناسب للوصول إلى حال أفضل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

-وانطلاقاً من أن المواطنة تتنافى مع كل أشكال التمييز بين أبناء المجتمع، فإنها ترتبط بالعَلمانية ارتباطاً وثيقاً، ولا سيما بالمبدأ العلماني الأهم وهو: فصل الدين عن الدولة والسياسة والتعليم. ويؤدي غياب ارتباط المواطنة بالعلمانية إلى ضعف الديمقراطية، وبالتالي إلى غياب المواطنة. وفي مبادئ المواطنة ينتفي مصطلح الأقليات بالمعنى الطائفي والعشائري، لأن أبناء الوطن كلهم متساوون، ويبقى مصطلح الأكثرية والأقلية بالمعنى السياسي فقط. أي أن الجهة التي تحصل على أكثرية الأصوات في الانتخابات الحرة النزيهة هي التي تحكم، والأقلية تكون معارضة سياسية تعمل بالأساليب الدستورية والقانونية ساعية إلى الفوز في انتخابات قادمة، وهذا ما يعنيه مبدأ تداول السلطة.

-لكن المواطن يبقى مواطناً، سواء أكان في الأكثرية أم في الأقلية، فحقوقه مساوية لحقوق غيره، وحقوق الأقلية مساوية لحقوق الأكثرية، في النشاط السياسي والتعبير عن الرأي واستخدام وسائل الإعلام المختلفة.

 

المجتمع المدني:

-المجتمع المدني هو مجتمع مديني، وهو نتاج المرحلة الرأسمالية ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

-ويتمثل بالأفراد والمجموعات الناشطة في الشأن العام، المنخرطين في عمل الأحزاب والجمعيات والنقابات والاتحادات والقوى المهنية والشبابية والنسائية ومختلف المنظمات غير الحكومية والمستقلة عن إدارة السلطات أو تسييرها، والمنتظمين طوعاً والمتضامنين على نحو مشترك فيما بينهم، في ظل ما توفره لهم الدولة المدنية الحديثة، وبضمانة الدستور والقوانين المستندة إليه. ويعملون بموازاة سلطة الدولة رقيباً وراصداً عليها، وتكون نشأته طبيعية في أجواء الحرية والديمقراطية، وحين يتكون مستوى متقدم من الوعي العام والوعي الحقوقي بشكل خاص. ويتضمن الاعتراف بتعددية المصالح للقوى العاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

-وتكون نشاطات منظماته عابرة للأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات والإيديولوجيات والانتماءات العشائرية والقبلية والعائلية والمناطقية.

-وتظل الحاجة إلى وجود منظمات المجتمع المدني قائمة ما دام المجتمع الرأسمالي قائماً، كشكل من الرقابة الشعبية، وضابط موضوعي للخلل الذي قد ينتج عن اختلال العلاقة بين السلطة والأفراد لتمثيل مصلحة الجماعة، والدفاع عن حقوقها، ومراقبة التشريعات وتجاوزات السلطة.

-وتجدر الإشارة إلى أن بعض المؤسسات الدولية في البلدان الإمبريالية تستغل قضية حقوق الإنسان المنتهكة في بلادنا، والافتقار لقوانين مدنية عصرية، فتقوم برعاية وتمويل نشوء منظمات مرتبطة بها تحت اسم منظمات المجتمع المدني، واستغلالها في خلخلة أوضاع الدول التي لا تسير في ركابها، مما يجعل بعض القوى تتوجس من كل منظمات المجتمع المدني، وتكيل لها الاتهامات دون تمييز بين المنظمات الوطنية منها، والمنظمات المرتبطة والمتواطئة، مما يقتضي الحاجة إلى تشريع قانون ديمقراطي عصري ينظم عملية إنشائها وعملها، ويمنحها حق العمل وفق القانون، وينهي حالة الالتباس والجدل حول شرعية ووطنية منظمات المجتمع المدني.

 

الدولة المدنية:

-الدولة المدنية نتاج تطور تاريخي واكب صعود البرجوازية ونمط الإنتاج الرأسمالي في المجتمعات الغربية الأكثر تطوراً، ولاقت متطلبات الدولة الحديثة، وغدت تطرح ضمن شعارات وبرامج القوى السياسية والاجتماعية المعاصرة في بلادنا نقيضاً للدولة الدينية ولأنظمة الحكم الديكتاتورية والعسكرية، واعتبارها تجسيداً لمبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية.

-فالدولة المدنية تستمد شرعيتها من الشعب، وليس من الحاكم أو من (إرادة إلهية) تدّعي تمثيلها أي مرجعية دينية.

-فالدولة المدنية تعتمد قوانين وضعية ومؤسسات عصرية منتخبة تحمي كيان وحقوق الجماعات والأفراد، والتنوع الثقافي والاجتماعي، انطلاقاً من شرعة حقوق الإنسان، والقيم الإنسانية العليا، فهي تحترم الإنسان الفرد كمواطن حر وليس من رعايا القبائل والطوائف. وتسعى لتحقيق السلام والتسامح، وقبول الآخر، والمساواة بين المواطنين ذكوراً وإناثاً، وتقدر الكفاءة الشخصية والإنتاجية، وتعمل على ترسيخ الثقافة المدنية، وتعزيز الثقة بعمليات التعاقد والتبادل، وتحقيق التنمية ومجتمع المعرفة، وتأمين سبل الإبداع، وتضمن دوراً فاعلاً لمنظمات المجتمع المدني الشبابية والنسائية والنقابية والمهنية والأحزاب السياسية ومختلف المنظمات الديمقراطية والعلمانية غير الحكومية. وتحترم جميع الأديان، وتضمن حرية ممارسة المؤمنين للطقوس والشعائر الدينية، ولا تسمح باستغلال الدين لأهداف شخصية أو حزبية أو طائفية. وتعتمد الديمقراطية والعقلانية لتحقيق المصالح العامة، وتحول دون احتكار الدولة لمصلحة فرد أو نخبة أو نزعة إيديولوجية.

-وإجمالاً تقوم أسس وقواعد الدولة المدنية على أركان أربعة تتواكب معاً:

-أ / المساواة بين المواطنين رجالاً ونساءً، في الدستور وأمام القانون، وفق مبدأ المواطنة المتساوية للجميع، بغضّ النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو الإثني أو الجنسي أو السياسي أو اللغة أو الإعاقة.

-ب / حرية الرأي والضمير في قضايا ومجالات الفكر والسياسة والإيمان والمعتقد، مع عدم المساس بحرية الآخرين ومعتقداتهم.

-ج / الفصل بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية واستقلال كل منها.

-د / الشعب مصدر السلطات ومنشئ التشريعات من خلال ممثليه في مؤسسات منتخبة ديموقراطياً.

-تشكل هذه الأركان كلّاً متكاملاً لا يصحّ أن يؤخذ أحدها دون الآخر في تكوين الدولة المدنية الحديثة التي تستمد قوتها من وحدة مجتمعها وتماسكه.

-لقد غدا شعار الدولة المدنية في المرحلة الراهنة واحداً من الأهداف النضالية المعتمدة لكثير من القوى السياسية والاجتماعية في بلادنا، ومنها حزبنا.

 

الديمقراطية:

-الديمقراطية قاعدة ضرورية لإنجاز المهام المنتصبة أمام بلادنا في التحرر والتقدم.

-لا توجد صيغة للديمقراطية موحدة في العالم يمكن اعتمادها في كل البلدان، ولكن هناك بضعة مبادئ عامة استخلصتها وراكمتها الشعوب في سياق نضالها ضد الاستبداد، ومن أجل الحرية والسيادة الوطنية، ولتأمين مشاركة أوسع قطاعات الشعب في تحديد اتجاهات التطور في الدولة والمجتمع، وغدت من أولى مكونات الديمقراطية، وهي المتعلقة باعتبار الشعب مصدر السلطات ومشروعيتها، والانتخابات الحرة، وتداول السلطة وفق صناديق الاقتراع، وفصل السلطات، واعتماد مبدأ المواطنة المتساوية لكل مكونات المجتمع رجالاً ونساء ومن مختلف انتماءاتهم، والمساواة أمام القانون، واستقلال القضاء، وسيادة القانون على الجميع وعدم ممارسة أي عنف خلافه، وحرية الصحافة والتعبير، والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، وبالحقوق والواجبات الفردية والجماعية، والحق في تكوين الأحزاب والنقابات والتيارات المجتمعية وطرح برامجها لمواطنيها، ودعوتها لتأييدها، بكل الطرق والوسائل السلمية.

-إن المجتمع تحكمه علاقات بين طبقات وفئات ومصالح متصارعة أو متنافسة، مما يجعل الديمقراطية طريقة سلمية إيجابية لتنظيم تلك العلاقات تنظيماً عقلانياً، يوجِّه الصراع والمنافسة إلى ما يخدم مصلحة المجتمع وتقدُّمه.

-إن مبدأي الخيار الديمقراطي ونبذ العنف يجب أن يكرَّسا في دستور البلاد وفي برامج الأحزاب والمؤسسات المدنية والحكومية وممارساتها.

-إن الديمقراطية تخدم القضية الوطنية وتحفظ كرامة الإنسان، وتهيّئ الأجواء المناسبة لحشد جهود القوى السياسية والمجتمعية، لإنجاز مهام التحرر الوطني المنتصبة أمام بلادنا في تحرير الأراضي المحتلة، ومجابهة قوى الإرهاب، والضغوط الإمبريالية، ومعالجة قضايا التطور الاقتصادي والاجتماعي، وبناء الدولة العصرية المتجاوزة للاصطفافات ما قبل المدنية، ومكافحة الفساد والبيروقراطية والاستبداد.

-إن ضمان الحقوق والحريات الديمقراطية للمواطنين شرطٌ أساسي لازدهار الفكر والثقافة والإبداع والتقدم العلمي والمجتمعي، فالحرية والديمقراطية ليستا مجرد وسيلة أو غاية فقط، بل هما ضرورة تتصلان بتحقيق إنسانية الإنسان، والاعتراف به بوصفه مواطناً حراً، والمجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي تمارس فيه التعددية السياسية، وينتج سلطة دولة قوية، تستمد قوتها من مشاركة وتأييد أكثرية المواطنين رجالاً ونساء ومن مختلف مكونات المجتمع.

-وإضافة إلى هذه المبادئ العامة الأساسية، يمكن لبلادنا الاستئناس بتجارب البلدان الأخرى في صناعة النهج الملائم لظروف وطننا، فالخصوصية هي الشكل الملموس الذي تظهر فيه المبادئ العامة، وأن يترافق ذلك مع العمل على ترسيخ ثقافة مجتمعية ديمقراطية مصونة بالقانون، واقتران الديمقراطية بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات يعطيها بعدها السياسي والاجتماعي الأمثل.

-وغدا الانعطاف الجاد نحو هذا الطريق الديمقراطي ضرورة وطنية ملحّة لمستقبل بلادنا.

 

تحالف قوى اليسار:

-تعلن العديد من القوى في بلادنا موقعها ضمن نسق قوى اليسار، وانحيازها للطبقات الفقيرة، أي لأكثرية الشعب. وتضم أحزاباً ومنظمات وأفراداً من أوساط علمانية وديمقراطية واشتراكية وشيوعية، ومن العاملين في مجال الثقافة والفكر والأدب والفن. ويتحدد تموضع قوى اليسار من خلال مواقفها من مهام المرحلة الحالية، وهي مهام التحرر الوطني والاجتماعي والديمقراطية، والتي يندرج ضمنها: تنظيم المواجهة الفعالة لعدوانية النظام الرأسمالي الإمبريالي والصهيوني وقوى الإرهاب والرجعية، والعمل لتحرير الأراضي المحتلة، وبناء الدولة العصرية الديمقراطية التقدمية، كاملة السيادة، دولة المؤسسات والقانون والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، وإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، ومحاربة كل أشكال الفساد والبيروقراطية والاستبداد والاستغلال، والحد من الفوارق الطبقية في المجتمع، ومجابهة قوى اليمين من البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية والكومبرادور المترابطة مع الرأسمال الدولي وسياساته الاقتصادية الليبرالية المفضية لاستئثار النافذين وأصحاب الأموال والامتيازات بالقرار الاقتصادي والسياسي، ونهب ثروات البلاد على حساب إفقار سواد الشعب، وسلبه مكاسبه التي حققها بنضالاته المديدة، والوقوف أيضاً في وجه القوى السلفية والظلامية، التي تهاجم بشراسة مدعومة من أنظمة عربية وإقليمية متحالفة مع الصهيونية والإمبريالية.

-هذه المهام المتعددة، وغير المسبوقة، تفترض إيجاد صيغة تحالف متقدمة لمختلف قوى اليسار، صيغة تضمن تحالفها ومشاركتها الفعلية، وفي الوقت نفسه، الاحتفاظ باستقلاليتها التنظيمية والفكرية، وممارسة نشاطاتها في مختلف الأوساط بحرية، وتوحد قواها على أساس برنامج نضالي وطني طبقي علماني ديمقراطي تقدمي، يضمن الحريات العامة السياسية والاجتماعية، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والتنظيم والتعددية السياسية والثقافية، وتحتضنه القوى الشعبية الواسعة من العمال والفلاحين والمثقفين الوطنيين وكل أصحاب الدخول المحدودة وذوي الإنتاج الصغير والمتوسط، فتتشكل قوة نوعية تفوق مجموع قواها المتفرقة، وقادرة على انتزاع زمام المبادرة الفعالة في تحديد مصير التطور اللاحق للبلاد، انطلاقاً من الواقع الملموس، وتحديد أولويات الأهداف الموضوعية للمرحلة الآنية منها والبعيدة، باتجاه الأفق الاشتراكي، وأن تعطى أهمية خاصة للمسائل الملحّة في واقع الناس المعيشي في مجال الصحة والتعليم والتشغيل والسكن والغذاء والإنتاج.

-ومن أبرز واجبات القوى اليسارية نشرُ الوعي وتنوير الفئات الشعبية بمصالحها ودورها المفترض القيام به، وتهيئة المناخات الضرورية لإشاعة الديمقراطية والفكر العلماني العقلاني، وترسيخ الانتماء الوطني والثقافة الوطنية، ومقومات المواطنة، والدولة المدنية، ومجابهة الفكر السلفي الاغترابي المتعصّب، وتيارات النكوص إلى انتماءات ما قبل المدنية، التي تقيّد العقل بشروط الماضي المنقضي. فالثقافة والمثقفون الوطنيون جزء أساسي من حركة التقدم اليساري، ونشر الوعي الجماهيري والطبقي، وحشد القوى لدعم عملية التغيير ومواجهة قوى العدوان والاستبداد.

-إن نجاح قوى اليسار في العمل الجماهيري يرتبط إلى حد كبير بالقدرة على جذب الشباب إلى صفوفها، والاستفادة من طاقاتهم الإبداعية المتجددة، والشباب هم أيضاً بحاجة إلى وجود فاعل لقوى اليسار وبرامجها في التغيير وتأمين مستقبل آمن وأكثر عدلاً ومساواة وانفتاحاً على أفق الارتقاء العلمي والاجتماعي.

-إن أحزاب اليسار هي أحزاب تغيير للعلاقات الاجتماعية والتقدم نحو الأفضل، وعليها أن تدقق مسارها، من خلال الحوار الديمقراطي بروح انتقادية، وتصوّب أخطاءها دون تردّد، وتقوّم تجاربها وتتطهر من المظاهر البيروقراطية والانتهازية والفردية، وتربط الممارسة السياسية بالأخلاق والقيم الرفيعة، وتحسّن آلية عملها الجمعي، واختيار أشكال النضال الملائمة لكل مرحلة بحيث تؤمن تحشيد القوى الشعبية، والتقدم نحو الأهداف.

-إن مشروعاً واقعياً لتوحيد جهود قوى اليسار يعبّر عن مصالح أوسع الفئات الاجتماعية الكادحة والمنتجة، والدفاع عن حقوق المرأة، يشكل ضرورة موضوعية لقيام اليسار بدور فاعل في تأسيس نهج سياسي واضح يساهم في تجاوز أزمة البلاد وإعادة إعمارها، وصون سيادتها ووحدتها، ولمتابعة تحقيق مهام التحرر الوطني والاجتماعي، وإرساء رافعة لمشروع نهضوي تقدمي عربي، وتعميق التضامن الأممي مع القوى اليسارية المناهضة للإمبريالية المتوحشة في العالم، ولحماية الإنجازات التي حققتها الشعوب في الحرية والعدالة والمساواة، وقهر قوى العدوان، وصيانة السلم العالمي.

 

العَلمانية:

-نتاج مسار تاريخي للبشرية تستند إلى العقلانية في الفكر والممارسة، وإلى الحرية الإنسانية في تقرير المصير، واحترام خيارات الإنسان العقائدية وحريته الشخصية، وتتضمن مجموعة من الأفكار والمبادئ العامة لبنية النظام السياسي التي غدت عنصراً مركزياً في تكوين الدولة الحديثة، وأبرزا:

أولاً_ فصل الدين عن الدولة والسياسة، وعن سائر المؤسسات السياسية، واعتبار الدين حالة إيمانية فردية خاصة يمارسا المؤمن وفق معتقداته بكل حرية، لا تُفرَض عليه من سلطة. ولا يستقوي أصحاب أي دين أو مذب بالسلطة على الآخرين، ولا تتقيد برامج السلطة بأي أحكام لشريعة ما دون غيرا، فالدولة العلمانية ليست معادية  للدين، بل تحفظ له وبته الروحية مبتعدة به عن الصراعات الدنيوية. ولكنها ترفض الدولة الدينية التي تجعل رجال الدين حكاماً نيابةً عن الذات الإلهية، فالدولة العلمانية دولة محايدة تجاه كل الأديان، ولا تنتصر لدين على آخر، تحترم عقائد الجميع وتضمن للإنسان حرية المعتقد والانتماء، واحترام حقه في ممارسة الطقوس والشعائر الدينبة بكل حرية، مع عدم المساس بحقوق وحرية الآخرين، وتبتعد عن المصالح الدنيوية التي تخضع لها الممارسة السياسية. فالدولة لا تمارس أي سلطة دينية، والمؤسسات الدينية لا تمارس أي سلطةسياسية.

ثانياً_ والعلمانية تأخذ بمبدأ المواطنة على أنها انتماء الفرد إلى الدولة، بمعزل عن معتقده الديني أو صفاته الشخصية وجنسه ولونه وثروته، وله حقوق وتترتب عليه واجبات يحددا القانون، وتحفظ له الدولة حق الانتقاد وإبداء الرأي والتعبير والاختلاف، مؤكدة على وحدة مواطنين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات، وتعتمد الشعب مصدراً للسيادة والشرعية بدلاً من مفهوم الرعية.

ثالثاً_ تضمن العلمانية المساواة بين المواطنين كافة، في القانون وفي مجالات الحياة، أيّاً كان انتماؤم الديني أو العرقي أو الجنسي.

رابعاً_ وتفصل الدولة العلمانية الدين عن التعليم الدنيوي، بسبب التباين بين الطبيعة الإيمانية التسليمية للدين خلافاً للعلم الذي يقوم على منهجية الشك والنقد والتجريب والمحاكمة العقلية المتحررة من الأفكار المسبقة، وتحرّي الحقيقة في الظروف الزمنية والعلمية المتطورة والمتبدلة، فالعلمانية تمنح عقل المتعلم حرية ارتياد الفضاءات الفكرية وسائر ميادين المعرفة. وتبتعد عن استخدام المدرسة للدعوة أو التبشير لدين أو معتقد معين، فتنمو الأجيال في مناخ صحي ينبذ التعصب والإقصاء، ويأخذ بالحوار العقلاني وقبول الآخر.

-فالعلمانية فلسفة إنسانية تعلي من شأن العقل والأخلاق، وتتوافق مع المعارف العلمية، وتهتم بشؤون الإنسان الأرضية وإعلاء شأنه، فتهيء أرضية الانطلاق لنهوض معرفي وعقلاني ولبناء الدولة الحديثة.

– والعلمانية ليست مذباً أو عقيدة أيديولوجية، وهي رأي في فلسفة الدولة وليست رأياً في الدين، والدولة العلمانية ي دولة مواطنين أحرار يربطم عقد اجتماعي يتغير بإرادتم كلما اقتضى الأمر وفق مصالحهم.

_والعلمانية توحد المجتمع بمختلف مكوناته على أساس المواطنة، فهي ضرورة وطنية لتكوين علاقات سليمة بين مكونات مجتمعنا المتعددة ولصون وحدة البلاد.

-ففي الدولة العلمانية تنتصر الهوية الوطنية وتضعف الهويات الأخرى، وبالتالي تنتفي حروب الانتماءات الضعيفة ما قبل الوطنية (عشائرية ومذبي، ودنية…).

 

لتزامنا بالاشتراكية:

-يلع شعبنا إلى مستقبل تتحقق فيه الحري والديقراطية والعدالة الاجتماعي والمساواة، ويتفي فيه الاستغلال والاستبداد والعنف والحروب، وبكلمة: إلى المستقبل الاشتراكي.

-لم يهيأ لبلادنا حتى الآن الظروف المناسبة لمرحلة الانتقال إلى الاشتراكية، فضلاً عن بناء الاشتراكية ذاتها، وذلك لأسباب ذاتية، تتعلق بالإدارة وقيادة الدولة ومناجا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولأسبابٍ موضوعية، تتعلق بتخلف قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وضعف الوعي المجتمعي. فضلاً عن أن بناء الاشتراكية لا ينجَز دفعةً واحدة وبقفزة (ثورية)، ولا بالاكتفاء بجعلا شعاراً ودفاً يردد في المناسبات، مما يستفزّ من يقارنون الواقع بالشعار.

-إن السير على طريق المستقبل الاشتراكي يحتاج إلى أعمال وتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، تراكمية ومتتالية وعميقة، واضحة الدف والمنج ودون تردد، لتجاوز العقبات التي تنشأ عن مقاومة المستغلين والقوى المسيطرة في الداخل، والأعداء الإمبرياليين والرجعيين في الخارج.

-إن شعبنا يتوق للمسامة في إنجاز ذه التحولات، والانعتاق من التخلف والاستغلال، فأكثرية شعبنا من العمال والفلاحين وسائر المنتجين والمثقفين وخاصة جيل الشباب الصاعد، تتوافق مصالحم مع جور ذه التحولات، فيسمون بنشاط في إنجازا، للانعتاق من الظلم والاستبداد والاستغلال، في حال طُرحت في إطار برنامجي متكامل.

-فالاشتراكية تضمن لشعبنا حقوقه السيادية، وتحرص على تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية في تقدير قيمة العمل والعاملين المنتجين والمبتكرين والمفكرين والمبدعين للفنون والآداب التي تعزز وتغذي حياة الناس الروحية بالإمتاع والفرح.

-ويبقى الدف الأساسي للاشتراكية هو الإشباع الأوفى للحاجات المادية والثقافية المتنامية لكامل المجتمع، وإعادة ترتيب علاقات الإنتاج بدف منع الاستغلال، وتحقيق التنمية والعدالة والعيش الكريم للشعب.

-إن الاشتراكية نظام أرقى من الرأسمالية، يأخذ من منجزاتا، ويستبعد طابعا اللاإنساني من حيث الاستغلال وسوء توزيع الدخل الوطني، وميلا المفرط لانتزاع الِأرباح ومراكمتها، والانتقاص من قيمة العمل المبذول في خلق الثروة لصالح الرأسمال، وسلب القيمة الزائدة الناتجة عن عمل العاملين على وسائل الإنتاج المملوكة من الرأسماليين والبرجوازية العميلة والتابعة للرأسمال الدولي.

-ولذلك ينتصب أمام الطبقة العاملة وحركة التحرر الوطني النضال الطبقي ضد الرأسمالية المحلية، وحل مشكلة التناقض بين تطوير قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج المعيقة لا، وضد الرأسمالية الإمبريالية العالمية، وبالتالي إنجاز مام مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي بآن.

-وتمثل الماركسية اللينينية مرشداً في ذا النضال، وقد أثبتت بواسطة منجا المادي الجدلي التاريخي أنا حتى الآن أفضل رؤية منجية في معالجة مستقبل البشر، وعلى الشيوعيين أن يدرسوا، على ضوئا، الواقع الموضوعي على الصعد كافة، ويطوروا مبادراتم دوماً.

-وعلى بلادنا الاستفادة من كل تجارب التوجه الاشتراكي السابقة والحالية، وبما يتلاءم مع ظروف بلادنا، والسير قدماً باتجاه التخلص من الممارسات السلبية والبيروقراطية، لجة ربط العدالة الاجتماعية بالديمقراطية السياسية، ونبذ أساليب الإقصاء والتفرد واحتكار السلطة من أي حزب، وإشاعة الديمقراطية، وإنشاء جبات وتحالفات واسعة وتعددية سياسية واقتصادية متوازنة، وإشراك كل الطاقات لإنجاز مام التنمية، وأن تمتلك الدولة وسائل الإنتاج والبنى التحتية والخدمات العامة الأساسية، وإلى جانب الملكية العامة للدولة تضمن المحافظة على أشكال متعددة من الملكية الاجتماعية العامة والخاصة والفردية والتعاونية والشركات المسامة الشعبية والمشتركة وملكية المؤسسات والبلديات وغيرا. ولكن يبقى لملكية الدولة دور بارز في قيادة عملية التنمية وتوجيه الاقتصاد وإعادة توزيع الدخل الوطني، والتركيز على الاستثمارات التنموية التي تحقق فرص عمل وقيمة مضافة، وتطبق تقنيات متقدمة تدعم فروع الاقتصاد الوطني الأخرى.

-وأول ما يتطلبه ذلك تطويرُ قوى الإنتاج، وتنفيذ برامج التنمية الشاملة، وتأمين فرص العمل، وتوسيع شبكات الحماية والضمانات الاجتماعية في المجال الصحي والتعليمي والسكني، وإيجاد الشكل السياسي الذي يضمن الحريات الديمقراطية، ويتكون من تحالفات واسعة لقوى سياسية وطنية وتقدمية مؤمنة بالديمقراطية والاشتراكية من مختلف الطبقات، باستثناء البرجوازية التابعة والكمبرادورية. واستكمال بناء الدولة الحديثة والرشيدة، دولة القانون والمؤسسات، القادرة على التوفيق بين التخطيط العلمي، والاستفادة من آليات السوق وإخضاعا لمعايير اجتماعية وسياسية ضرورية لضمان دورا الرعائي والتنموي النشط تحت الرقابة الشعبية الفاعلة.

-لدينا قطاع عام يشكل أحد مقومات التوجه نحو الاشتراكية، ويجب حمايته وإصلاحه وتطوير معداته وإداراته على أسس اقتصادية وديمقراطية، واختيار هذه الإدارات من ذوي الخبرة والكفاءة، والمؤمنين بدوره بعيداً عن الولاءات والمحسوبيات، وتخليصه من الإدارات الفاسدة والمتسلطة والمستنزفة لموارده، وأن يمنح العاملون فيه دوراً أساسياً في تحديد ظروف العمل وخطة العمل، وتحديد ممثليم بحرية دون أي تدخل من أي جة وصائية.

-ويجب إيلاء اتمام خاص للرأسمال الوطني مصدراً للتراكم، لإنجاز مشاريع التنمية ولتأمين المستوى اللائق لمعيشة الشعب.

-إن الاشتراكية التي كانت محوراً لنضالنا ولقوى سياسية وشعبية واسعة من جماير شعبنا ستبقى خيارنا لحاضر بلدنا ومستقبله، الذي نريده بلا استغلال ولا ظلم، ولا جوع، ولا تشرّد.

العدد 1104 - 24/4/2024