البالة.. من يراقبها؟!

تنتشر المحلات التجارية لبيع البالات والأحذية المستعملة، وكذلك الأكشاك، والبسطات الكبيرة منها والصغيرة، في جميع المدن السورية، وتغصّ بها الأحياء الشعبية ونصف الشعبية، بينما تخلو منها الأحياء الأرستقراطية، لسبب أن التجار يعلمون جيداً أنها لا تجد رواجاً فيها، لأن الأثرياء في هذه الأحياء لا يهمّهم سوى المظاهر، بحيث ينطبق عليهم قول الشاعر:

وأقسم ما أنتم سوى ثياب وأحذية فقط!

بيد أن ما يستدعي الانتباه، هو أن هذه التجارة أخذت تبرز فيها الطبقية بصورة واضحة، رغم أن زبائنها من الفئات المتوسطة والفقيرة، فالمحلات التجارية مختصة بالفئات الوسطى التي لاتزال إلى الآن تملك فائضاً قليلاً تستطيع به أن تحصل على ثيابها من هذه المحلات، وعلى الرغم من أن الأسعار أصبحت مرتفعة إلا أن هذه الفئة لاتزال قادرة على الشراء، مع العلم أن هذه القدرة تتناقص أيضاً، وأما الأكشاك والبسطات الكبيرة، فهي تختص بالفئات الأدنى من حيث الدخل، والتي هي مجبرة على شراء الملابس، ولو كلفها ذلك اقتطاع نسبة محددة من لوازمها المخصصة للطعام. أما البسطات الأكثر تواضعاً، والأكثر عدداً، فإنها مختصة بالفئات الأكثر فقراً وحاجة، وغالباً ما تكون أسعار هذه البسطات متلائمة مع دخول هذه الفئات. وهناك أخيراً بسطات الأرض، وذلك بأن يضع الباعة الثياب مباشرة على أرصفة الشوارع، وتجد هذه البسطات زبائن لها أيضاً، وهم من الفئات التي تكاد لا تجد كفاف يومها. إذاً هناك تصنيف طبقي تلقائي لمستهلكي هذه التجارة من بين الفئات الوسطى وما دون.

أما إذا عدنا إلى الفئات الأرستقراطية ومحدثي النعمة التي لا تهتم سوى بالمظهر، فإنها تدخل في نطاق زبائن هذه التجارة، ولكن بصورة غير مباشرة، لأن أصحاب المحلات التجارية (الراقية) كثيراً ما يتفقون مع تجار البالات على اختيار أفضل الثياب والأحذية لديهم، ثم إعادة تنظيفها وترتيبها وعرضها في محلاتهم، على أنها ثياب مستوردة مباشرة من الخارج، من أوربا، وأنها تمثل آخر صرعة في موضة الثياب والأحذية، وبالتالي تقبل عليها هذه الشريحة الثرية من الناس.

إن ما يثير الحزن والألم، في الحقيقة، أن هذه الثياب المستعملة تملأ مدننا، وأن لباس أكثر من ثلثي الشعب السوري هو منها، ومن الواضح أن أي مراقب موضوعي يصل إلى نتيجة بأنها:

  • لا تُراعى فيها معايير الصحة، والنظافة غير متوفرة لديها، وما يثير الحزن والألم بصورة أكبر، هو غياب الحكومة ووزارة الصحة على وجه الخصوص، ووزارة الصحة، على وجه الخصوص، عن مراقبة المعايير الصحية الضرورية التي يجب أن تتوفر حفاظاً على صحة السوريين، على الرغم من الكلام الكثير الذي تتحدث به الحكومة ووزارة الصحة عن سعيهما الدؤوب للحفاظ على سلامة الشعب السوري وصحته، ورفع مستواه المعاشي.

إن السؤال المطروح: من هو الذي يشرف على استيراد هذه الملبوسات أو الأحذية؟ وهل ينال الموافقة على دخولها الأراضي السورية بعد فحصها، والتأكد من خلوها من الجراثيم والأوبئة التي يمكن أن تلحق الضرر بأفراد الشعب، وخصوصاً الأطفال من بينهم؟ وأين هم مندوبو وزارة الصحة الذين يراقبون عمليات البيع، وإلزام التجارة بمراعاة قواعد الصحة؟ هذه الأسئلة يطرحها كثيرون ويتساءلون: متى تصبح أقوال الوزارات منطبقة على أفعالها؟ ومتى تستعيد الحكومة مصداقيتها أمام الشعب الذي يعاني الأمرّين من الغلاء، والمواصلات، والسكن، والصحة، وغيرها الكثير؟ هذا الشعب الذي يعود إليه صمود سورية أمام محنتها وهو عماد أي انتصار مقبل.

الجواب عن ذلك هو رهن المستقبل.

العدد 1102 - 03/4/2024