المسألة الشركسية.. والضغط الأمريكي!

رزوق الغاوي:

ليس جديداً على الدوائر الاستخباراتية الأمريكية والدوائر الغربية التي تتلقى الأوامر منها ،   العمل الدؤوب والمستمر على ابتكار قضايا دولية ليست موضع خلاف ثانوي يٌذكر، يغلّفها أولئك بـ(شعارات إنسانية) ويغذّونها بـ(مضامين عدوانية)، ويؤطرونها بحملات إعلامية مكثفة ومركزة، بهدف النيل من الدول المناهضة للسياسة العامة الأمريكية والمشاريع الاستعمارية الأمريكية الموجهة أساساً ضد مصالح الشعوب المشروعة، والموجهة خاصة ضد روسيا الاتحادية عبر محاولات الإدارات الأمريكية المتعاقبة المستمرة لعرقلة المساعي الروسية الرامية لإيجاد حلول عادلة للقضايا الدولية الشائكة والحيلولة دون تبوؤ روسيا مكانة القطب الدولي الفاعل والمكانة القطبية التي تؤهلها للتصدي للمشاريع الأمريكية المشبوهة .

في هذا السياق ، ذهبت واشنطن ومن لف لفها من الأتباع الأوربيين باتجاه تصنيع قضية جديدة تضغط من خلالها على روسيا، مستغلة رغبة بعض الشركس المنحدرين من أصول روسية، منتشرين منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً في بعض دول العالم بالعودة إلى وطنهم الأم ، للقيام بحملة تحريض ضد الجانب الروسي على أنه يعارض عودة من يرغب من الشركس الروس إلى روسيا، متهمينها بالنيل من حقوق الشركس في العودة إلى بلادهم الأصلية، بينما يؤكد واقع الحال أن موسكو التي لا تعارض تلك الرغبة قد وضعت الأسس الناظمة للعودة، في ضوء وجود مجموعات شركسية منتشرة في العالم ليست من أصول روسية، وفي وقت يخشى فيه الجانب الروسي من أن تتسلل عبر العائدين عناصر إرهابية مندسّة لديها أجندة أمريكية تتضمن القيام بعمليات إرهابية ضد منشآت روسية، وخلق حالة من القلق لدى الأوساط الشعبية الروسية، وهو أمر بطبيعة الحال لن تسمح به موسكو، خاصة أنه سبق لبعض المناطق الروسية أن تعرّض لعمليات إرهابية نفذها إرهابيون ينتمون إلى مناطق القوقاز في جنوب روسيا .

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، تبدو الإشارة الآن مفيدة إلى المؤتمر الدولي الشركسي الأول الذي انعقد في مدينة نورمبرغ الألمانية يومي 21 و22 من شهر ايلول الماضي ، والذي حضره نحو 200 مشارك من 14 دولة، وتضمن جدول أعماله 35 موضوعاً علمياً تناول حيزاً منها مسائل تتصل بــ مستقبل الشراكسة في الوطن الأم وفي الشتات، على أن يعقد المؤتمر الشركسي الثاني في وقت لاحق من العام الحالي في إحدى الدول الأوربية، والتوصية بإنشاء هيئة دولية لتلقي التبرعات من مانحين، وتعزيز ثقافة التبرع بين الشراكسة، وذلك بوضع خطط تهدف إلى تطبيع مفهوم العمل الخيري ضمن المجتمع الشركسي، والتواصل مع جيل الشباب بغية رعايتهم وتلبية احتياجاتهم .

عناوين براقة تعتبرها أوساط دولية مطلعة على خفايا الأمور، مجرد غطاء شفاف لنياتٍ أمريكية مشبوهة موجهة لروسيا بغية النيل منها وزرع بذور الفتنة بينها وبين مكونات منطقة القوقاز، وخلق حالة من عدم الاستقرار في إحدى المناطق الروسية ذات الأهمية الفائقة من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.

وتعتقد تلك الأوساط أن واشنطن تأمل من طرح مسألة العودة الشركسية إلى روسيا للتداول ومن ثمَّ للتدويل، وضع روسيا في موقف حرج أمام المجتمع خاصة، وأن واشنطن وبعض الغرب الأوربي الذين يدعون إلى جمع التبرعات تحت ستار مساعدة الشعب الشركسي، إنما بسعون إلى تهريب الارهابيين إلى الداخل الروسي، وتوظيف تلك الأموال لتنفيذ عمليات إرهابية داخل روسيا، غير أن موسكو التي تعي ما تخطط له واشنطن وأتباعها، سبق لها عبر مجلس الدوما أن بحثت عدداً من التدابير التي من شأنها توسيع نطاق التعريف الحالي لمفهوم (المواطنة) ومنح الجنسية الروسية والحق في العودة إلى الوطن لجميع المواطنين المنحدرين من أصل روسي والذين يعيشون خارج حدود الاتحاد الروسي، وفي الوقت ذاته ، تتركز الجهود الروسية الرامية للوصول إلى مجتمعات الشتات الشركسي حالياً على القانون الاتحادي لعام 1999 الذي يعترف  بحق العودة للأشخاص الذين كانوا يحملون الجنسية في الاتحاد السوفييتي والامبراطورية الروسية، وفي هذا السياق كان قد صدر في عام 2006 مرسوماً رئاسياً يقضي بتوجيه المسؤولين إلى بذل المزيد لتنفيذ هذه التدابير الموجهة بالدرجة الأولى إلى المواطنين المنحدرين من أصل روسي ويعيشون في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ولاشك في أن نوعاً من التقارب قد بدأ بين روسيا وابناء شمال القوقاز في الشتات، غير أن ثمة مساعٍي غربية تعمل على تهديد هذا التقارب عبر العمل على تعزيز وجهات نظر مجموعات شركسية معادية للحكومة الروسية بتحريض ممنهج من قبل الدوائر الأمريكية وأتباعها من الأوربيين وغير الأوربيين، إذ لاتزال تركيا ودول خليجية تعمل مع الغرب لجعل المسألة القومية الشركسية وسيلة ضغط على روسيا، من خلال التحريض على خلق التناقضات بين مجموعات الشركس المتعددة، فيما تسعى روسيا للمحافظة على الانسجام والتناغم  بين مختلف المجموعات القومية  في البلاد بما يحفظ  أمنها واستقرارها وتقدمها الاجتماعي .

العدد 1102 - 03/4/2024