وطن يحفظ خارطتنا ويردّدنا نشيداً

غزل حسين المصطفى:
إلى شريك نقاشاتي وجدلياتي الدائم توجّهت:
أبي، ماهي الهدية التي كانت تحصد إعجاب جدّتي في عيدها والخيارات كانت واسعة، فأنتم شبّان تسعة؟
نظر والدي إليّ وابتسامة طفيفة ارتسمت على ملامحه المتعبة، أخذ نفساً عميقاً وقال لي:
-بُنيتي، لم تكن أمي تنظر إلى الهدية بقيمتها، وربما لم تُفكّر يوماً في الهدية أو في العيد، كانت جُلّ أمنيات قلبها الحنون أن ترى السعادة تغمرنا، وأن نجتمع تحت جناحها كما كنّا نفعل حين كنّا صغاراً، وهذا حال كل الأمهات.
لو كانت جدتي الآن من أمهات الجيل الحالي بظروف المعيشة والحياة الآنية أين كنت سأجدها؟
-ربما اختلاف الظرف أو البيئة قد يكون عاملاً في تغيير بعض ملامح قصتها، ولكن اليقين الذي لاشكّ فيه أن الروح القابعة بين ضلوعها لن تتغير، ستبقى ملكة كل صباح، منحنية على تنورها والجمر يُباري لون وجنتيها، تنكب على العمل، تُنجز ما تستطيع يُمناها بل وأكثر.
أبي، وأيّ الاحتفالات أو الهدايا تليق بمثل جدتي_ رحمها الله_ حين كانت الأم والأب ولم يبعدها ذلك عن حُبيبات تراب الأرض في كل المواسم؟!
-لا تُصدقي أن أمّاً أعطت من أجل مقابل أو تقدير، لا تصدقي أن عيوناً سهرت لمقابل، هي قد خُلقت على هذا.
وطنٌ يحفظ خارطتنا ويردّدنا نشيداً ويحمينا.
نعم، مع الأم تُقلب حتى قوانين الطبيعة، فهل لهذا العطاء ما يوازيه ويساويه في الصدق؟ فلو كانت أمي على قيد الحياة وكرّمتها شعوب الأرض، وأهديناها ثروات الأمم، وهناك في أرض ما يمكثُ جثمان ولدها الشّاب الشهيد، صدقاً لما تبدل تواتر دمعها ولا رفعت جفنها لترى ذلك.. أمي حفظت التاريخ من أجل مواسم الأرض ولم تحفظها وتسأل التقويم عن يوم تُبجّل فيه.. أمي كما كل النساء عصيّة على أن تصفها أبجدية ابنها المشتاق.
قد تُجدي الاحتفالات نفعاً مع المسؤولين لنقيم على شرف التاريخ حفلة أو نُعلّق الشرائط الملونة ونُذكّر بشكلٍ دوري بوجود المرأة، ولكن هذا لن يمسح دمعة ولن يخيط جرح ثكلى.

العدد 1104 - 24/4/2024