بين جيل وجيل تضارب بالأفكار

وعد حسون نصر: 

من الطبيعي أن يختلف التفكير بين حقبة زمنية وأخرى, فمن هو في عمر العشرين أو دون العشرين لا يمكن أن يكون بالخانة نفسا مع من تجاوزت أعمارهم الأربعين, فهناك جيلان بينهما ما بينهما من الاختلافات, وبالتالي التطور الذي فرضه الواقع من تكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية بما فيها قنوات الموضة جعل الجيل غريباً وبعيداً كل البعد بأفكاره وتصرفاته عمّا يحمله الأبوان من قيم وأفكار تحكمها عادات وتقاليد واحترام للأسرة وللمجتمع.

ومن تلك المتغيّرات أننا لم نعد نجد لدى جيل اليوم الامتنان لتضحية الأهل, فقد بات كل ما يقدمه الأهل لأبنائهم، من وجهة نظر هؤلاء الأبناء، عبارة عن واجب فقط, وبالتالي الكثير من الأبناء غير راضٍ ويرى هذا العطاء منقوصاً، خاصة أمام الحداثة التي فرضها الواقع الافتراضي والخارجة عن مقدرة الأهل, وهنا يبدأ الصراع الأبدي بين الجيلين، لأن كليهما يرى أنه الأكثر صواباً, فالأب والأم اللذان اعتادا تقديم الطاعة للأهل في زمن كانت كلمة الأهل هي الحسم بأي موضوع داخل المنزل, وقطعة الملابس هي للكل وليست لواحد بذاته، والطعام يجمع الكل مع بقاء حصة للغائب, وفضائل الأب لا يمكن أن يوافيها الأبناء لأنهم يرون أنه يعمل من أجلهم، فلابدّ من تقدير جهده وطاعته واحترامه, فهو لم يبخل بسنوات عمره من أجلهم, ولا مجال للنقاش معه أو الإساءة له, وغضب الوالدين من غضب الله بنظرهم بما في ذلك النظرة ذاتها للأم الحنون خيمة الدفء والحنان والعطاء للأسرة. لكن ما يجري اليوم هو عكس ذلك تماماً لدى بعض الأبناء الذين يستهزئون من طريقة حياة الأبوين وتفكيرهما، وكذلك نكران تعبهما, في زمن باتت لقمة العيش أكب بكثير من دخل الفرد, وأصبح عالمنا منفتحاً على الآخر بطريقة غاية في الفوضى والضياع والتشتت, لذا بتنا نرى تضارب الآراء بين الجيلين, جيل الأهل، وجيل الأبناء, وأنه ظاهرة عالمية وليست فقط محلية سواء من حيث طريقة الحياة والتعامل مع الشدائد أو من خلال طريقة الاحترام المتبادلة بعلاقة الأهل مع أبنائهم, ولا يمكن أن نلقي اللوم فقط على سلوك الأبناء, وما علينا إلاّ أن نسلّط الضوء على كيفية تعاملنا معهم، وأن نضع أمام أعيننا أن الزمن تغيّر, فمن كان يرضى بقطعة ثياب طوال العالم، مع تطور عالم الموضة والانترنت والإعلام المرئي، لم يعد يرضى بالقطعة ذاتها، لأن الحداثة تتطلب الجديد بكل شيء. لذا علينا كأهل أن نستوعب أبناءنا وإن كُنّا خارج عالمهم المستحدث، كما علينا أن نقبل حداثتهم لأنهم عالمنا, ومن منّا لا يحب أن يمتلك عالمه, فكيف إن كان أبناؤنا هم كل العالم مع تضارب المناخ وتضارب الآراء والأفكار بين حديثهم وقديمنا؟! وتبقى لنا حياة أبنائنا التي يجب أن نحافظ على سلامتها وبقائها لجانبنا.

العدد 1104 - 24/4/2024