.. أو فلتصمتوا إلى الأبد!

الكثيرون لم يستطيعوا استيعاب فكرة المبادلة التي نقلتها وسائل إعلامية عديدة، إذا تحققت، ما بين النساء السجينات لدى السلطات السورية والمختطَفين لدى جهات إرهابية! فكرة المبادلة بين مسجونات متهمات بعدد من الأفعال الجرمية، أو موقوفات قيد التحقيق، مقابل مختطَفين أبرياء ساقتهم الظروف لأن يؤسروا عن طريق الصدفة لدى جهات مجهولة القيادة وجديدة العهد، قياساً بالجهة الرسمية التي سجنت لديها تلك النساء اللواتي اعتدين على هيبة دولة لها اسم ومكانة في الخريطة الدولية، أو اتهمن بهذا الاعتداء، هي الصفقة التي تثير العديد من التساؤلات التي لا بدّ من طرحها لتوضع النقاط على الحروف. فمن الطبيعي أن يتم التبادل بين مخطوفين من طرفين أو أكثر، ولو كان أحد تلك الأطراف دولة، والطرف الآخر منظمة إرهابية أو لها صفة ما، لكن أن تكون الصفقة بين أشخاص مسجونين بتهم معينة أو موقوفين لأجل جرائم من الممكن أنهم ارتكبوها، دون أن ينالوا جزاءهم أو دون أن تثبت التهم عليهم أو البراءة، ويتم الإفراج  عنهم مقابل عدد من المخطوفين، فهذا له عدة معانٍ، منها مثلاً أن من سجن هو في الحقيقة قد خطف ولم يسجن، ولم يكن ذلك السجن سوى مكان رسمي لحجز حرية المختطف، وهنا كارثة كبرى، فحجز الحرية هو اعتداء على حق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة والحرية، ولا يحق للدولة أن تحجز حرية أي مواطن أو إنسان دون وجه حق، أما إن كانت تلك النساء – وهنا نعود إلى قصة النساء اللواتي تمت المقايضة بهن- مجرمات بالفعل أو مشتبهاً بهن، فهذا يعني أن الدولة تفرّط بحقها في محاسبة من يعتدي على هيبتها وعلى سلامة المواطنين لديها وأمنهم، وهذه أيضاً نقطة سوداء تسجّل عليها، فكيف يمكن مبادلة مجرمة كان من المفروض أن تعاقب بالسجن لسنوات قد تصل إلى المؤبّد، أو متهمة لم تثبت بعد براءتها أو إدانتها، مع مختطفين لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم وقعوا بالمصادفة بيد جماعة إرهابية. وهنا لا معنى لكون المسجونات هن من النساء، فإنهن مواطنات كاملات الأهلية ويجب محاسبتهن كالرجل تماماً، فلا معنى للأخذ بعين الاعتبار أنهن إناث، لذلك كان من الأجدر مبادلة هؤلاء المختطفين مع مختطفين آخرين لم تختطفهم الدولة، لأن الدولة ليس مقبولاً أن تلجأ لأساليب الخطف، مختطفين من قبل أشخاص أو جهات لجأت للخطف تماشياً مع مصالحها ويمكن أن يكون لديها من يمثلها، وخاصة بعد تعيين وزارة للمصالحة، فهي تملك الكثير من الأوراق والمعطيات التي تجعلها تتكفل بمثل هذه الصفقات بين مخطوفين من جهات خارجة عن الدولة، لأن الخطف بكل الأحوال هو معاقب عليه بالقانون، أي هو اختراق للقانون ولهيبة الدولة، ولكن يمكن لوزارة أن تمد جسراً بين تلك الجهات غير النظامية، فيخرج مقابل المخطوفين مخطوفون آخرون من جهات أخرى خارجة عن القانون.

أما ما تحدث عنه بعض المحامين بأن بعض النساء اللواتي تمّ التبادل معهن ما هن إلا سجينات قد أصدرت بحقهن أوامر بإخلاء السبيل من المحكمة  قبل الصفقة، وأن بعض من تم التبادل معهن إنما هن عبارة عن جثث ماتت تحت التعذيب، فهذا يثير تساؤلات أكثر وإدانات أكبر بحق من أشرف على عمليات التعذيب أو القتل، وهذا لا يجوز أن تمثله الدولة. فبالنسبة للدولة،  من الأجدر بها أن تقوم بما هو الأفضل لمصالحها وهيبتها، فهي تستطيع أن تخفف العقوبة عن الخاطفين، أو أن تؤمن لهم طرقاً للخروج بأمان، أو أن تقبل ببعض المطالب المالية أو إصدار القرارات الرسمية بفتح معبر آمن لمنطقة سكانية تحت الحصار، أو إدخال طاقم طبي لمنطقة يحتلها إرهابيون وفيها ضحايا مدنيون يعيشون بظروف إنسانية صعبة، فهيبة الدولة لا بدّ من صيانتها، لأن في ذلك صيانة لحقوق المواطنين وكرامتهم، وهنا على الجميع أن يدعموا الدولة، وألا يبخلوا بنقدهم البنّاء، فليقولوا الحق اليوم أو فليصمتوا إلى الأبد!

العدد 1105 - 01/5/2024