من سيعيد حقوق المعلّم المسلوبة.. يا وزارة التربية؟

انشغلت وزارة التّربية في السنوات العشر الأخيرة، بتطوير المنهاج الوطني، وغاب عن بالها وضع خطّة تحافظ فيها على معلّميها المبدعين من الاستغلال، فلم تضع ضمن خططها استراتيجية تضمن فيها حقوق المعلّمين والمعلّمات، خاصّة في المدارس الخاصّة، الّتي خرجت عن المعايير التّربوية الخاصّة بالوزارة وبالأخلاق السّوريّة.

قصص ومعاناة يعيشها مدرسونا، فسوسن معلّمة في مدرسة خاصّة، قامت طوال فترة الصّيف بإعداد وتحضير وسائل تعليمية وتجهيز أوراق عمل، على نفقتها الخاصّة، وعند بدء الدوام المدرسيّ تُخبر جميع المعلّمات ببدء الدّوام الإداري، ماعداها، وعند ذهابها لتواجه المدير، ادعى بأنّه نسي إخبارها، مضيفاً بأنه يفكّر بإلغاء المادّة الّتي تقوم بتدريسها من خطّة المدرسة بذريعة تخفيض النفقات.

السّؤال الّذي تسأله سوسن: هل يحق للمدير أن يطرد معلّمة من مدرسته دون أن يدفع لها أي استحقاقات، ودون إعلامها قبل فترة كافية؟!

مع العلم أنّه أحضر خمس معلّمات عوضاً عنها، ولكن من أصدقائه، دون النّظر إلى الكفاءة التّعليمية الّتي لديهن.

أما ريم المدرّسة في مدرسة أخرى والحاصلة على دبلوم تأهيل تربوي، وهي الآن تدرس للحصول على ماجستير، فتحبّ العمل مع الأطفال كثيراً، ولكن المسؤولة عنها لا تملك شهادة تعليميّة، بل هي صديقة مدير المدرسة. من أجل ذلك عُينت مشرفة على المعلّمات، ولكنّها بالمقابل، تقوم باستفزاز المعلّمات القديرات وباستغلالهن، وبسرقة أعمالهن لتقدمها بمدرسة أخرى على أساس أنّها أفكارها الخاصّة، وتقبض مبالغ كبيرة مقابل ذلك، دون أن تقدّم للمعلّمات الّتي سرقت أفكارهنّ وجهدنّ أيّ مكافأة أو تقدير.

قصص كثيرة نسمعها لو تمكنا من تجاوز الحواجز التي فصّلها كل مدير مدرسة على أهوائه.. ولكن السؤال: كيف سنطلب من جيلنا أن يكون مبدعاً ومديرو المدارس يعملون على تحطيم المعلّم المبدع بأبشع الوسائل وأسوأ الطّرق والأساليب؟!

إنّ التّعليم مهنة إنسانية، لأنّها تهتم بنقل الأخلاق الكريمة والحميدة للأجيال القادمة، ولكي يتمكن المعلّم من تحقيق ذلك يجب أن تؤمن له إدارته حقوقه، وتعرّفه بواجباته والالتزام بها ضمن عقد رسمي.

صفات المعلّم الجيّد:

1. يقرأ واجبات التّلاميذ ويعيدها إليهم بعد كتابة ملاحظاته بطريقة إيجابية.

2. إعداد واجبات تتناسب مع مهارات التّلاميذ، وتوافق تطورات عصرنا الحالي.

3. يصغي جيّداً لتلاميذه، ويخصّص لكلّ تلميذ وقتاً خاصّاً ليمضيه معه.

4. يهتم بغرفة الصّفّ، لأنّ المظهر المادي للصّفّ هو جزء من العملية التّعليميّة، وهي بالتّالي تعكس الفرضيّة التّعليميّة الّتي يقدّمها المعلّم.

5. يدرّس بفعالية وذلك باعتماد أساليب وأنشطة جديدة تحفّز التّلاميذ وتزرع في قلوبهم حبّ الاكتشاف والمعرفة.

6. يتواصل مع الأهل: فمن الشّكاوى الّتي تصل إلى الاختصاصيين التّربويين هو انعدام التّواصل الصّحيح والإيجابي بين الأهل والمعلّم، ويعود لعدّة أسباب منها: رفض معظم إدارات المدارس أن يدور نقاش بين الأهل والمعلّم دون إشرافها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يشتكي أغلب الأهل من العملية التعليمية وهم لا يملكون أدنى درجات المعرفة بالأسلوب الصّحيح للطريقة الّتي تسير بها، فتكون النّتيجة رفضهم للمعلّم دون محاولة النّقاش والحوار لفهم دورهم والقيام به على نحو صحيح.

7. يسيطر على نفسه وانفعالاته.

8. يبتعد عن فرض آرائه ومعتقداته الدّينية والمذهبية.

الصّفات السّابقة ضرورية لكي تمكّن الأهل من التّواصل الإيجابي مع المعلّم، لذلك عليهم الانتباه إلى:

1. الصّراخ والاحتجاج من أجل كلّ شيء، دون محاولة فهم الأسباب الرّئيسية للمشكلة.

2. التّأكد من صحّة الموضوع المطروح، فالكثير من الأطفال يطلقون العنان لخيالهم أثناء سردهم قصّة ما، فحاولوا أن تهتموا بحديثهم ومساعدتهم على تحليل ما يحكونه لكي يصلوا إلى نتائج صحيحة.

3. التسرع في جعل الموضوع قضية قضائية، بل محاولة فهم المشكلة من وجهة نظر المعلّم، والتّعامل بهدوء ومراجعة الموقف من أكثر من جهة وبأسلوب كلّه حكمة ومعرفة بأنّ المعلّم يحتاج إلى صداقة الأهل لا إلى لسانهم السّليط، فحتّى المعلّم الجيّد يرتكب الأخطاء.

4. وضع المعلّم في موقف الدّفاع عن نفسه، ولتحقيق ذلك تحلَّوْا بالهدوء وابتعدوا عن الغضب لكي تتمكنوا من الحوار الإيجابي.

5. احترام الاختلافات بين الأطفال، فمن الممكن أن يحتاج طفلٌ ما انتباهاً خاصّاً في مهارة معيّنة، لأنّ له نمط تعلّم مختلف، أو من الممكن أنّه بحاجة إلى انتباه خاص، لأنّه يتعلّم أسرع من غيره. ومن الضّروري معرفة أنّ المعلّم لا يستطيع أن يسبق غيره ويصحح كلّ اختلاف بسبب وجود أكثر من ثلاثين طفلاً مبدعاً ومتميّزاً في صفّه، لذلك هو بحاجة إلى معاونة الأهل ووعيهم. يبقى السّؤال الّذي يتردد في الشّارع السّوري مؤخراً، أين ذهب المعلّم الجيّد؟!

غالباً ما يبدأ المعلّم عمله بحماسة وفعالية، ومع مرور الوقت يتراجع أداؤه ويصبح معلّماً لا مبالياً، ما هي الأسباب الّتي أدت إلى حدوث ذلك؟

إنّ مهنة التّعليم فيها ضغط مستمر، فجميع المهن يعمل صاحبها في وقت محدّد ودوام محدّد، وعند عودته إلى بيته مساءً يكون قد أنهى عمله وليس لديه ما يجب عليه القيام به، بل يرتاح من تعب اليوم. أما المعلّم فعلى نقيض ذلك، فهناك دائماً كتاب عليه قراءته، وأوراق ينبغي أن تصحّح وتقرأ، وخطط لتوضع، فاليوم بالنّسبة للمعلّم الجيّد لا ينتهي. بالمقابل هناك دائماً وسائل تعليمية عليه القيام بتحضيرها وحده، لأنّ إدارة المدارس لا تدعم تطوير الموارد التّعليميّة. حتّى إجازاته هي عبارة عن عمل مستمر، دون أن يتقاضى راتباً محترماً يؤمن له ولعائلته حياة كريمة.

وقد أصبح المعلّم في وقتنا الحالي أكثر شخص عرضةً للانتقاد، فهناك الكثير من الأساتذة الّذين يملكون كفاءات ومهارات عالية، حطمتهم التّعليقات السّاخرة من مرؤوسيهم أو أشخاص مقربين إليهم، وبالتّالي نرى المعلم يتعرض للانتهاك حتّى من الأطفال أنفسهم، لأنّهم شاهدوا الكبار يفعلون ذلك. إنّ الاستماع لمثل هذه الانتقادات يحول الشّخص القوي والواثق من نفسه إلى شخص دفاعي، فالتّعليم عمل يُشرك المعلّم فيه شخصيته وذاته، فإذا أخبرتم معلّماً بأنّه غير جيّد تكون قد هاجمته كشخص ولم تقيّم مهاراته.

بالطبع كلّ شخص يتعرض للضغوط والتّحديات، لكن إذا أردت لطفلك أن يتطور ويصبح مبدعاً، فأنت بحاجة إلى أن تفهم الضّغوط الخاصّة بالمعلّم، فدون ذلك لن يكون هناك اتصال فعّال، ودون هذا الاتصال لن يكون هناك أيّ تغيير إيجابي.

العدد 1140 - 22/01/2025