أنقذوا الطفولة منهم!

 تحت أول قذيفة هاون نزلت في أرض الوطن.. تبعثروا، وأشلاء قلوبهم ملأت المكان.. ضاعوا ومستقبلهم معاً.. راحوا ينفضون الغبار وآثار الدمار عن ذاكرتهم قبل ملابسهم، ويتسكعون على الطرقات بعد أن اغتيلت أحلامهم وانفجر أملهم مع العبوات الناسفة!

تمزقت أرواحهم مع كل شرخٍ في أرض الوطن!…كيف سيمرّ عيد الأول من حزيران على أطفال تبرّأت الطفولة منهم وهربت أكيالاً وأميالاً.. أطفالٍ شاخوا وهم صغار!…غطّى دمعهم شوارع البلد يبحثون عن مأوى يحضن مستقبلهم الشارد! وهاهي الأرصفة تستقبلهم دون بيوت ودون قوت..أغلقت المدارس أبوابها، وشُرّعت شبابيك التشرّد على وسعها، وأخذ الضياع والجهل يدمّر كل ما عمّره الأولاد من أحلام خالية من دمائهم.

كيف سيمرّ هذا العيد وقد كُسرَت أقلام تلوينهم التي كانوا يخطّون بها مستقبلهم، ويزينونه من سواده وظلمته!.. وبعثر الدم الكلمات المختبئة في كتبهم! كيف لهم أن يكبروا بعد اليوم والمستقبل مكشّر عن أنيابه في انتظارهم.

حارب الثاني عشر من حزيران عمل الأطفال، لكنه لم يعرف أنه ما من حيلة في يدهم للعيش إلاّ العمل بالرغم من أنه سيترك آثاراً سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، من خلال تسخيرهم للقيام بأعمال غير مؤهلين جسدياً ونفسياً للقيام بها، وعلماً أنّ العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرّمت بدورها الاستغلال الاقتصادي للأطفال (كاتفاقية حقوق الطفل المادة32).

هذا العمل الذي يضع أعباءً ثقيلة على الطفل، والذي يهدد سلامته وصحته ورفاهيته، العمل الذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه، والذي يستغلهم كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار، ويستخدمهم دون أن يساهم في تنميتهم، العمل الذي يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغيّر حياته ومستقبله، ومع كل هذا لم يكن أمام الأولاد من خيار إلاّ أن يعبثوا بقدرهم ويبحثوا لاهثين على طيّب يأويهم، ليختار بعدئذ جزءاً منهم العمل تحت رحمة الناس وشفقتهم، فيستبدلوا بكتبهم مفكّات أو صحون المجلى! ما ذنبهم ليبيعوا أحلامهم وكرامتهم ويشتروا بثمنها (سندويشة فلافل)! _ليكفّوا شرّ الجوع عنهم مؤقتاً_، أمّا البعض الآخر فتوزّع آخذاً حدود البلدان داره، ينام في جهة ويستيقظ في جهة أخرى، يُعذّب من هذا وذاك، ويُستغلّ عاطفياً وجنسياً! يُهدر دمه لأنه سوري، تُختلس جنسيته منه من أول لحظة يخرج فيها فارّاً من تكسّر سقف بيته فوق رأسه..

تروح شظايا أهله أمام عينيه، وتنقط داخله آخر نقطة أمل في المستقبل.. كان جسد الأطفال مغرياً أكثر من النساء، فهم بضاعة لا تفتّش على الحدود يُحشى فيها رصاص بدل الأوردة!…تباع أحشاؤه بأغلى من سعر الدولار! هل يصنع البشر أقذر من هذا بعد؟…هل يوجد دمار أهول من دمار الجيل بأكمله نفسياً ومادياً..!

لم يصنعوا بعد (هاشتاغاً) لإنقاذهم.. أنتم يا من في الأعلى أنقذوا من في الأسفل..، أنقذوا الطفولة منهم!

العدد 1105 - 01/5/2024