بأيّ حق وأيّ عيد تحتفلون؟

 وصن ضحكة الأطفال يا ربِّ إنها

إذا غردت في ظــامئ الرمل أعشبا

عذراً شاعرنا العظيم، فلا نحن نعيش في أرضٍ رمليةٍ قابلةٍ للحياة، ولا أطفالنا باتوا يمتلكون بعضاً من براءة طفولتهم، إذ لم يتبقَّ لهم منها إلاّ التقدير الزمني، بمعنى أن هذه السنوات الممتدة منذ ولادة الطفل حتى الثامنة عشرة هي ما تسمى بالطفولة حسب المسميات الدولية!!

فواقعٌ كالذي نحياه في ظل حربٍ مأساوية وكارثية، جعل الطفولة تفقد كل معانيها، وأسماءها وصفاتها، وأطفال بلادي باتوا رجالاً ونساءً مستعدين لمجابهة الموت المتعدد الألوان، الذي إن لم يكن بالنار والرصاص، فإنه من البرد أو الحر أو الفقر المدقع، وانعدام أبسط حقوق أيّما إنسان كالماء والكهرباء والخبز والتعليم…..إلخ

فطفلٌ فاقدٌ لبيته أو لأحد والديه أو كليهما معاً، لم يعد أمامه إلاّ أن يصارع الموت والفناء بشتى الوسائل، هذا إن تبقّت لديه الرغبة بالبقاء على قيد الحياة، كيف لنا أن نسميه طفلاً؟!!

نعم، لقد أصبح ذاك الرجل الصغير المكلّف برعاية شؤون إخوةٍ أصغر منه سناً، أو أبوين باتا فاقدين القدرة على القيام بمهمتهما تجاهه فيرعاهما بدلاً من أن يرعياه!! وقد أمست تلك الطفلة في غفلةٍ منها أماً وأختاً ومدرّسةً ومربيةً وعاملةً تسعى لاهثةً وراء رغيفٍ يقيها ومن معها مُرَّ الجوع!! وبعضهم أضحى وسيلةً للابتزاز من قبل التجار معدومي الضمير، الذين يستغلون ظروفهم ليدفعوهم إلى العمل بأقذر الأعمال، وليس أقلّها قذارةً الانتشار في الشوارع لمد اليد أمام الذاهب والآتي مرددين بعض كلمات الاستعطاف والاستجداء لمن يعطيهم بضع ليراتٍ يأخذها منهم في آخر اليوم من أرسلهم لهذه الشوارع الملأى بكل ما هو بعيدٌ كل البعد عن شروط الحياة الإنسانية، هذا إن لم نتطرّق لتشغيل الأطفال في مجال الدعارة وبوقتٍ مبكّرٍ جداً من أعمارهم، أو الاتجار بالمخدرات، وغيرها من الأعمال المُشينة للكبار، فما بالنا والحال هكذا للأطفال؟

يحتفل العالم بعيد الطفل العالمي، في حين أننا نسيناه، لا لأننا لا نحب أطفالنا ونتمنى لهم أفضل ما يمكن، بل لأن الحياة التي نحياها أنستنا أنفسنا، وجعلتنا لا نرى أمامنا إلاّ تلك الأجساد الصغيرة التي تحمل من الهموم ما لا يستطيع أيُّ بالغٍ في تلك الدول التي لا تزال تحتفل في كل عام على تحمّلها… وتأتي الاتفاقيات الدولية لتذكّرنا بأن عمل الأطفال جريمة كبرى!! يا للمضحك المبكي!!

من المجرم هنا ومن الضحية؟ ومن القاضي الذي سيقضي بإحقاق الحق وإنصاف تلك الطفولة وانتشالها من براثن الموت المحتّم؟ هل المجرم هو ذاك الأب الذي ضاع في الحرب فمات أو قُتل أو أُسر أو هرب لاجئاً في دول العالم باحثاً عمّن يحميه، تاركاً خلفه أطفالاً كانوا بالأمس صغاراً، بحجّة أن ذهابه لحمايتهم من هول الحرب وبحثاً عن ملجأ آمنٍ لهم في المستقبل؟ أم تلك الأم التي لا تعرف من يومها إلا عدّ الساعات بين العمل الأول والثاني لتجمع بعض المال لتطعم فيه فراخها، أو التي لم تستطع تحمل مسؤولياتها فرمت كل شيءٍ خلفها ومضت تاركةً( الشقا على مين بقى)، أم أولئك الذين يغذون نار الحرب في كل لحظةٍ سواء بالرصاص الذي لو وضع جزءٌ يسيرٌ من ثمنه لإنقاذ هؤلاء الأطفال لكان عدد من تمَّ إنقاذهم لا يحصى، أو بالرصاص غير المرئي _ رصاص الفقر والحرمان الناتج عن رفع الأسعار بجنونٍ لم يسبق له مثيل _ وأين الأعراف الدولية من كل هذا؟

عذراً من كل الهيئات الدولية، اذهبوا ولتجدوا لكم مجالاً آخر للكلام فيه غير حقوق الطفل، ما دمتم أنتم وغيركم لستم بقادرين على حماية طفلٍ من الاغتيال أو الاعتقال أو الخطف أو الموت جوعاً قبل أن يموت بالرصاص… وأنتم يا من تحتفلون هذا العام بيوم الطفل العالمي… عندما تتفوهون بعبارة (عام سعيد)، فلتذكروا أمام أطفالكم الذين يحق لهم الاحتفال أن غيرهم من أطفال العالم يموتون من أجل بقاء حكوماتكم الموقرة التي تصون حقوقهم وترعى طفولتهم.

اذهب أيها العيد بعيداً عن بلادي، وأنت أيتها الأعراف والمواثيق الدولية اذهبي أدراج الرياح… اذهبوا جميعكم أمام عيون أطفالنا البائسة التي لم ترَ النور ولن تعرف يوماً معنىً للحياة الحرة الكريمة، لطالما أنكم تُغنون في وادٍ، وما يعيشه أبناؤنا يجري في وادٍ آخر.

 

العدد 1105 - 01/5/2024