كي لا ننسى…برهان دراق سباعي.. زارع الفرح والثقة بالمستقبل

 برهان دراق سباعي، ابن مدينة حمص، التي لعبت دوراً سياسياً وثقافياً ونهضوياً كبيراً في تاريخ سورية المعاصر، لم يكن ذلك مصادفة أبداً، فالمدينة تتوسط البلاد السورية، وهي عقدة مواصلات تربط شمالها بجنوبها وشرقها بغربها، مما فسح المجال واسعاً، كي تكون أيضاً عقدة وصل اجتماعي بين جميع أنحاء الوطن، عدا  تنوع أطياف قاطنيها الاجتماعي والديني، كما أن هجرة أعداد وفيرة من سكانها إلى الغرب، وإلى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، وعدم انقطاع صلاتهم مع الوطن الأم، وخصوصاً مع حمص، كل ذلك أهّلها لتلعب هذا الدور، ولتصبح مركزاً حيوياً جداً لتجمع جميع التيارات الفكرية والسياسية في البلاد، ولقد برز في هذه المدينة قادة، كان لهم تأثيرهم الملموس على الحركة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية في البلاد.

في هذه المدينة المصطخبة بالحياة، ذات النكهة الخاصة، ولد برهان دراق سباعي، في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، لعائلة ميسورة لم تعرف العوز والحرمان، كان كل شيء مؤمّناً له: المدرسة ومتطلباتها، والعلم، وكل ما كان متوفراً من العيش الهانئ في ذلك الزمن، لم تكن هموم الحياة لتشغل باله وهو طفل، ولم يعرف المعاناة الشخصية، بيد أن أسرته الوطنية، ومعاناة الشعب التي كان يصطدم بها أينما ذهب، وأينما سار، ومظالم الاستعمار والاقطاعيين، لم يكن ممكناً إلا أن تترك بصماتها وتأثيراتها على فكر اليافع برهان سباعي.

كانت أعوام الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أعواماً مزدحمة بالأحداث، ومليئة بالحركات الشعبية المناهضة للاستعمار الفرنسي وللإقطاع، والتي لم تكن تهدأ. كانت قد بدأت بالتشكل في هذه المدينة أولى الحلقات الشيوعية، وكان للشيوعي ناصر حدة، في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو اليبرودي، دور هام في ذلك، ويعود إليه الفضل الأول في انتساب الشهيد فرج الله الحلو إلى الحزب، وقد أخذت هذه الحلقات تعلن عن وجودها تدريجياً، لتستقطب أكثر مثقفي هذه المدينة وعمالها تنوراً، وكان من بينهم برهان دراق سباعي، لقد دفعته شفافيته وإنسانيته وطموحه إلى العدالة الاجتماعية إلى الانتساب إلى هذا الحزب، ومن ذلك اليوم وهب حياته للنضال إلى جانبه من أجل هذه المُثل. يتعرض برهان من أجل ذلك للضغوط الاجتماعية وهو ابن العائلة الكبيرة في حمص، ويعتقل فيما بعد، في عام ،1959 ويزجّ به في سجن المزة، ويطلب منه أن يعلن براءته من أفكاره، إلا أن قناعاته بعدالة قضيته لم تتزعزع، ويرفض الحرية، مقابل أن يتخلى عمّا يؤمن به، ثلاث سنوات قضاها في السجن على اختياره، وكان لوجوده هناك تأثير خاص.

لقد كان أحد زارعي الفرح والثقة بين المعتقلين، بروحه المرحة، وسخريته الجميلة، ونبله وكرمه، في عام 1962 يخرج من السجن وينخرط في نضال الحزب من جديد دون تردد من أجل الحفاظ على مكتسبات الشعب، منفذاً جميع المهام التي أنيطت به، وتأتي هزيمة حزيران، وتعيش الحركة الوطنية في البلاد أزمة عميقة، كانت لها آثارها أيضاً على الحزب الشيوعي السوري، ولم يكن الشيوعي برهان دراق سباعي بمنأى عن ذلك، بيد أنه، لإيمانه بقضية العدالة الاجتماعية، بقي حاملاً لها حتى آخر نسمة من حياته. ستجري مياه العاصي دون انقطاع، وستظل تقاليد هذه المدينة الوطنية، والنهضوية، المعجونة بمياه هذا النهر الخالد الذي ولدت على جانبيه الحضارات القديمة، والمضرجة بدماء المناضلين من أجل الحرية والمستقبل، والذين كان من بينهم برهان دراق سباعي، باقية لن تمحوها السنون.

العدد 1104 - 24/4/2024